لكل إنسان رواية خاصة به تختلف تماما عن روايات الآخرين. نستعمل مصطلح قصة الإنسان أو حكايته أو حكايات البشر. هناك أيضاً من يسمع عن حكايات المقاهي والأمسيات وغير ذلك.
تحدثنا سابقاً عن قابلية البشر للكلام، وبأن هذه القابلية لا حدود لها. من خلال الكلام يتواصل الإنسان مع غيره، ويتعلم منه ومن خلال ذلك ولدت المفاهيم والقواعد والتقاليد والعادات وتكونت المجموعات البشرية الصغيرة التي اندمجت وأصبحت كبيرة وما يشد أعضائها بعضهم إلى بعض هي الحكايات التي اتفق عليها أجدادهم وآبائهم وهم أنفسهم.
تبدأ الأم بحكاية القصص والأساطير إلى طفلها من عمر مبكر لكي يهدأ ويتعلم وينام، ومن خلال ذلك بتم بناء الأساس لكي يتعلم الطفل فن الحكايات ويتقنه ويروي قصة عن نفسه وعن غيره. بعد ذلك يأتي دور الأصحاب والتعليم والكتب والإعلام وجميعها تروي القصص ويستمع إليها الإنسان. لذلك ترى بأن الإنسان يشكو من الضجر ويستمع بدون انتباه ولا يستوعب الحديث عن حقائق لمناقشتها. أما إذا كان الحديث عن قصة أو حكاية سواء كانت حقيقية أو خيالية فسرعان ما تراه يستمع وينتبه ويستوعب ويخزن ذكريات هذا الحديث في دماغه.
الكثير من ذكريات الإنسان يتم خزنها في إطار حوادث وروايات. عملية الخزن هذه ليست بالضرورة دقيقة وربما ترى الإنسان قد يعيد تحريرها ويضيف إليها وينقحها بين الحين والآخر. هذا ما يفسر أحياناً استماعك إلى قصة من صديق استمعت إليها من قبل ولكن طبعتها جديدة ومنقحة وتختلف بعض الشيء عن الرواية السابقة. لذلك ما يرويه الإنسان ويستمع إليه ويخزنه ثم ينقله يتغير باستمرار وقد تكون القصة النهائية غير القصة الأصلية تماما.
فن الحكايات والروايات لا يقتصر على تواصل البشر بعضهم مع البعض الآخر وإنما يمتد إلى عالم التجارة والتسويق. أفضل وسيلة للدعاية لسلعة ما هو سرد قصة عنها من قبل من صنعها، وما يقنعك أحيانا بشراء منتوج ما سماع قصة إنسان حول تجربته مع هذه السلعة أو الجهاز.
ولكن هناك جانبا إنسانيا ونفسيا لروايات الإنسان في غاية الأهمية. هناك منتديات في جميع المجتمعات تفسح المجال لكي يروي الإنسان حكايته وتشتهر بيروت بهذه المنتديات أكثر من غيرها من مدن العالم العربي.
المريض الذي يصل إلى عيادة الطب النفسي يتوقع أن يستمع إليه الطبيب، ولكل مريض قصته ينتظر الإشارة من الطبيب بأنه سيستمع إليها في الجلسة الأولى أو الثانية أو عبر عدة جلسات. هناك أيضاً من يتوجه نحو علاج جمعي لغرض واحد وهو الحديث عن قصته ومشاركة المستمعين بها.
حين يروي الإنسان حكايته يجب الاستماع إليه وعدم الحكم على دقة الحقائق ومقاطعته لغرض استجوابه. حينها تتحول قصة الإنسان إلى أشبه بشهادة تحت القسم في محكمة.
مجتمع اليوم متعدد الملل والطوائف والعادات والأفكار. هناك أقليات ومجموعات مستضعفة لا تطلب أكثر من أن تروي قصتها لكي يستمع إليها الغير. لا تحرمهم من هذا الحق.
واقرأ أيضًا:
الكلام في الطب النفسي / متلازمة الاختلال الإداري / آليات الدفاع النفسية / تقييم التعلق في الطفولة / الأفكار الانتحارية والتعامل معها