قالت وهي تتابع مسلسلا هنديا دراماتيكيا على القناة المصرية: لماذا لم يقدم العرب مسلسلات فيها شيء من الفرح والتعبير عن المشاعر والتفاعلات الإنسانية الطيبة؟!!
قلت: إن الشاشة مرآة أوجاع العرب!!
قالت: جميع المسلسلات حزينة بائسة مشحون بالقتل وسفك الدماء والدموع واليأس والخسران والهزيمة والانكسار، ومعفرة بالموت والغدر والتوجس والعدوان، ولا تنطق بأمل ولا تمنح للحياة طاقة وقدرة على التواصل والنجاح.
إنها تؤسس لسلوك العنف والعداء.
قلت: هذا واقع يتم تعزيزه وترسيخه إعلاميا وشاشويا، عن دراية أو غيرها، وخصوصا المسلسلات والأفلام المصرية التي لها دورها في الحياة العربية، وكأنها قد فقدت رسالتها وجوهرها، وما عادت تقدم إلا ما يشجع على اليأس والقهر والحرمان، وما وجدتُ فيها ما يحفز على التفاعلات الإيجابية الصالحة للمجتمع، والمعبّدة لمسارات أجيال ذات قيمة حضارية. فالواقع الشاشوي العربي يشارك بصناعة الحزن والكآبة والعنف والتوحش، فلا أجد تفسيرا للدماء والقتل وإطلاق النيران في المسلسلات والأفلام، وكأن الحياة اليومية جرائم وخيانات ونهب وسلب ولا شيء سوى الموت المقيم.
لماذا تكثر البنادق والمسدسات والسكاكين في المسلسلات العربية وخصوصا المصرية، ألا يوجد مستشارون اجتماعيون ونفسانيون وتربويّون، يضعون خططا وبرامج ويقيّمون ويحررون ما يُطرح على الناس من أفلام ومسلسلات، تدفع إلى بناء المفردات والعناصر النفسية والأخلاقية للقيام بالجرائم، لأنها تقدمها على أنها السلوك الفاعل والسائد وغيرها انحراف وشذوذ. إن إهمال هذا الجانب من التفاعل مع المواطن يدفع إلى تداعيات سلوكية واجتماعية خطيرة ومروعة، مما يتسبب بالضياع والخراب والهلاك الأليم.
ذلك أن ما تقدمه الشاشة مفعم بالسلبية والعدوانية والعنف المؤيَّد والمُكرم، والذي يُحسب على أنه قيمة مهمة تبرهن على الرجولة والقوة والكبرياء والكرامة والسلطة والسطوة والقوة المطلقة، أي أنها تخاطب النفس الأمارة بالسوء المعشعشة في دياجير الأعماق البشرية، وتؤهلها للانطلاق من مكامنها بقدرات منفلتة وطاقات منحبسة لتشيع ما هو سيء ومشين، وتحسبه السلوك الذي عليه أن يكون ويطغى، ويلغي ما يعارضه ولا يتفق مع طبعه.
تلك حالة خطيرة مقيمة في الشاشة العربية تثير القلق والتساؤل وتستدعي العمل الجاد والنقد البناء، وتحشيد القدرات المعرفية والعلمية الكفيلة بالموافقة على تقديم أعمال صالحة للمجتمع، وأرجو أن تغيب المسدسات والبنادق والخناجر والدماء والدموع من المسلسلات والأفلام العربية وخصوصا المصرية، وعلى الجميع أن يقدم أعمالا ذات قيمة أخلاقية وثقافية متفاعلة مع العواطف والمشاعر الحَسَنة، لكي نبني العقل المعاصر المساهم في صناعة الذات ومفرداتها الوطنية والهوياتية.
فهل من نهضة مسلسلاتية وأفلامية تعزّ الشاشة وتحترم قيمة الإنسان، وتشجع على بناء الطاقات الإيجابية واستثمارها للارتقاء بالسلوك الفردي والجماعي إلى ما يليق بأمة ذات أخلاقٍ نبيلة وقلبٍ سليم؟!!
واقرأ أيضاً:
صحيح أفكار وفحيح أسفار!! / الفن المُنحَط والعنف المُشْتَد!! / الممحاة الحضارية!! / نحن ونحن!!