إن شهر رمضانْ يعلّمنا "إمكانية وسُهولة" الاستمرار في العبادات وأيضا الولوجية لها وغياب الموانع. نختم فيه القرآن مرة أو مرتين، نصلي التراويح (وهي نفسها قيام الليل الذي داوم عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فالإضافة في مشروعية الاجتماع فقط) نتصدّق نتسامح نعفو، نتجنّب بعض السلوكات (الغش قول الزور الشتم السرقة..) والشهوات المحرّمة في ديننا... وقد يعزم مثلا المرء دائما على أربع ركعات، إضافة إلى ثلاث للوتر يصليها بعد العشاء أو قبل الفجر (حسب طبيعة نومه وعمله) في مدة لا تتجاوز 45 دقيقة.. فيُكتب قائما لليل!... وهكذا
ولكنّه مع الأسف تحوّل لشهر يعمّق الإحساس بالعجز والضعف أمام التغيير.. كيف ؟!
ذلك التهافت والتنافس اللذان لا يحترمان طاقة الناس وطبيعة حياتهم خارج رمضان.. هو السّبب... فختمات القرآن القياسية وشدّ الرحال للمساجد البعيدة وثقافة "الاستكثار من الأجر" (ونسيان الفضل).. كل هذا يتلاشى بعد رمضان بشكل تلقائي وفوريّ.. بل إنّ المساجد والهمم استفرغت ما فيها بعد السابع والعشرين مباشرة.. فقد تمّ "ملأ الحساب"!
وغروب الشمس في رمضان نفسه، يعيد "حليمة لعادتها القديمة" لأنّ رمضان صار مثل تحدّ في "tv reality" يدخُله الناس ويعلمون أنّهم لن يعيشوا تلك الحياة بعد انتهاء البرنامج. فالأصل هو عدم التدين ولا التعبد، والاستثناء هو ذلك الصبر المؤقت في نهار رمضان، ثم بعد خروجه..
لهذا طبيعي جدا ألا يكون رمضان محطة تغيير (إلا للقلة) لأنّ التغيير لا يكون باعتماد الاستثناءات، فلا يُمكن أن يتغير المصاب بالسّمنة بانفعالات أو غضبات متفرقة في السنة. بل الاستمرارية بشكل عقلانيّ وتراتبي من الأسهل للأصعب هي ما يضمن التغيير.
وذلك الإحباط الذي يتجهّز المسلم له، دون أن يشعر، نستشفّه في التباكي على رمضان وكأنّه حياة وما بعده موت! نعم لرمضان فضله، ولكني أستشف من ذلك التباكي عجزا وقنوطا وكأن أبواب الخير والأجر عُدمت! هي ثقافة "المواسم التعبّدية" مثل ذلك الذي يظنّ أن تعبيره عن المشاعر الجميلة لا يمكن إلا في إطار "حفلة أو عيد" !
ولكن ربّنا واسع عليم، ولا يملّ حتى نملّ.
والتغيير هو تكسير مألوف لكي يحلّ مكانه مألوف آخر، وذلك يحتاج وقتا واستمرارية وعزما (عزم لا يتكون فقط بالمشاركة المجتمعية، بل بتأمل صادق واختيار ناضج للحياة التي نريد أن نعيشها، فهيهات هيهات أن يتعبد من يرى الحياة مهلة للعب والنزوات والمصالح فقط)
ولنتذكّر أن أحبّ الأعمال إلى الله تعالى أدومُها وإن قلّ !
واقرأ أيضاً:
رمضان والحرب.......كل عام وأنتم بخير / العبادة في رمضان / على باب الله: رمضان حالة / رمضان هل نعرف الله؟!! / رمضان 1438 ورمضان 16 لمجانين / شهر رمضان والعادات السلوكية3