الأديان عقائد والسياسات مصالح، ولا يمكن أن تتطابق العقائد مع المصالح، لأن العقائد صلبة والسياسات مرنة، والعقائد ذات طريق واحد وسلوك راسخ، والمصالح ذات سبل متعددة ومتنوعة، والدين واحد متكرر والسياسة متعدد متوافق ومتنافر، والفرق بين الدين والسياسة كالفرق بين الأرض والسماء، فهل يمكنهما أن ينطبقا على بعضهما؟!!
فالواقع البشري بسلوكياته المتواصلة عبر العصور يؤكد هذه الرؤية ويبرهنها بالأدلة المتراكمة، ففي حالة الإسلام نرى هذا التصارع والتنافر قد بدأ منذ أن بدأت السياسة تفرض نفسها على أصحاب القرار، وحتى في زمن النبي الكريم في المدينة بدأت التناقضات تظهر، وتسيّدت بوضوح ساطع في زمن الخلفاء الراشدين، وانتهت إلى ما آلت إليه من تداعيات معروفة ومؤلمة، ثم استمرت في الزمن الأموي والعباسي وما بعدهما.
والحالة لا تنطبق على دين واحد بل تشمل كافة الأديان، فما جرى في أوربا ومجتمعاتها تدين بدين واحد يشير إلى ذلك أيضا، فالحروب الطويلة والمهلكة التي دارت في القارة الأوربية وعلى مدى قرون، لتؤكد بأن الدين والسياسة لا يمكنهما أن يكونا في طبق واحد مهما توهم البشر، فما حصل في زمن حكم الكنيسة لأفظع وأوحش تفاعلات أُريد بواسطتها الحكم بالدين.
وبسبب ذلك هجر الأوربيون قارتهم وإستوطنوا العالم الجديد وأسسوا فيه حياة لا علاقة للأديان فيها بالسياسة، وأنها من حقوق الفرد ولا يجوز للفرد أن يفرض معتقده على فرد آخر، وإنما حرية الاعتقاد مكفولة بمواد دستورية ومحمية بقوانين وضعية، ووفقا لذلك تم صناعة أقوى المجتمعات في تأريخ البشرية، وصارت جميع الأجناس البشرية تعيش بأمن وسلام وقدرة على العطاء الأصيل والإبداع، وتدوير عجلات التقدم الرقاء الحضاري المتميز.
وما يجري في الواقع العربي، أن هناك جهات متعددة لها مصالح في بث أوهام الحكم بالدين، والترويج لأفكار لا يمكنها أن تعيش في عصر تنويري متدفق الإبداعات والمعارف والعلوم والابتكارات، التي تسعى لإحداث متغيرات متسارعة في الحياة.
ووفقا لهذا المنهج البالي فإنها تساهم في دفع المجتمع إلى تداعيات مدمرة وتوجهات مغرضة تخدم مصالح أعداء الأمة والدين، وتتفاعل بقدرات الآخرين للنيل من أهل الدين، ولابد من وعي العلاقة الحساسة ما بين الدين والسياسة، إنها علاقة طلاق بالثلاث، ولا تصالح ما بين الدين والسياسة مهما توهمنا، لكن الدين قد يساهم في إضفاء صبغة أخلاقية وقيمية على السلوك البشري في المجتمع، مما يساهم في الأمن والاستقرار، أما أن يجلس الدين على الكرسي، فأن الطامة الكبرى ستحل بالمجتمع المنكوب بدينه.
وما الأحزاب التي تسمي نفسها دينية إلا جوهر النوازل والدمارات الحاصلة في بعض المجتمعات، التي أذعنت لأصحاب العمائم واللحى والطرر والمُرائين المُقنعين بدين، وما دينهم إلا هواهم أجمعين!!
فهل من تبصّر يا أمة الأنين؟!!
واقرأ أيضاً:
الممحاة الحضارية!! / الشاشة مرآة واقع حزين!! / نحن ونحن!! / القِوى تريد صراعا!!