من عجائب التفكير العربي ومنذ منتصف القرن التاسع عشر وحتى اليوم أنه يدور في دائرة مفرغة مفادها، أن ما يحصل في ديار العرب سببه العمل بإرادة الآخرين أيا كان اسمهم ونوعهم، فكل ما يتحقق سببه "هم"!! وكأن الدنيا ليست كسوح الغاب يأكل فيها القوي الضعيف، وتتآمر على فرائسها فيها الأسود والذئاب والثعالب والكلاب، وغيرها من السابغات في الفلاة الضاجة بالصراخ والأنين. وكأن الدنيا بلا إرادات متصارعة وقدرات متباينة، وقِوى متحفزة متأهبة للنيل والامتلاك، وكأن توفير الفرصة للآخر المتأهب واغتنامه لها تُحسب عدوانا وإثما، ويتناسى العرب أن توفير الفرص للطامعين هو الاعتداء السافر المبين.
فالعرب يوفرون ما لا يخطر على بال أعدائهم من الفرص الثمينة السهلة، ويتوقعونهم أن لا يداهمونهم أو لا يفترسونهم وينالون منهم بما يستطيعونه من القوة والاقتدار. فالعرب في جوهر سلوكهم أنهم يستدعون الذين يفترسونهم ويظلمونهم ويقهرونهم ويسحقونهم ويدمرون وجودهم ويخربون ديارهم، ويتشكون منهم ويتظلمون، وفي هذا نفاق ومراءات وأكاذيب وأفك مشين. فلا قوة تستطيع أن تنال من أخرى إن لم تتوفر في القوة المفتوك بها عوامل التردي والضياع والخسران والهلاك الأكيد، وهذا قانون تفاعلي ما بين القوى الأرضية والكونية منذ الأزل وسيدوم أبدا.
فلو نظرنا العراق الدولة القوية المقتدرة كيف وفر جميع قادته الفرص الكفيلة بالوصول إلى ما هو عليه اليوم من سوء الحال والمآل، ويتلاومون ويلقون بالإثم على بعضهم، فاللاحق يتمسك بقميص السابق، والآتي سيمسك بقميص ما هو قائم اليوم، وهكذا تجري متوالية توفير الفرص والثغرات اللازمة لدخول الطامعين والمتطلعين إلى امتلاك البلاد، وترويع العباد وتشريدهم وتهجيرهم ومصادرة أملاكهم وحقوقهم.
إنها لُعب افتراسية يوفر لها الميادين أبناء البلد المستهدفون، ويتحين الفرص للانقضاض عليهم وحوش مكشرة الأنياب متأهبة المخالب وذات قدرات تآزرية وتفاعلية، لتحقيق الأكل اللذيذ والمتواصل في فرائسها التي تقدم نفسها على موائد المداهمين.
تلك حالة لا يمكن معالجتها بسهولة والاقتراب منها بعقلانية، لأن مواقد الانفعالات متأججة ودوامة السلوك الإعصاري العاصف في أركان المكان والزمان، ليُذهب عقل البشر ويحيلهم إلى وجبات مشوية على نيران الحجر، خصوصا عندما ينسكب بنزين الدين على جمرات الوجود العربي، فيستولدها لهيبا ودخانا ووجيعا ونجيعا.
ترى إلى متى سيبقى العرب في نكران لإرادتهم وتأكيد لإرادة غيرهم، ولماذا لا يتآمرون من أجل مصالحهم، ولا يتناحرون ويستدعون الآخرين من الأعداء والطامعين لمعاونتهم على شقيقهم العربي والنيل منه والفتك بوجوده القوي العزير؟!!
فالإرادة بوصلة صيرورة كبرى وطاقة كينونة علياء!!
واقرأ أيضاً:
القِوى تريد صراعا!! / وهل أن بَعدَ بَعدٍ بَعدُ؟!! / أهدافنا المُغيبة وأهدافهم المُطيّبة!! / القطار الأسرع والشعب الأروع!!