الإرْعاب من الرُّعْبُ والرُّعُبُ: الفزع والخوف، وارْتعب ومُرتعب أي فزِع، والأصوب الارتعاب.
وهذا النهج معروف منذ أقدم العصور كوسيلة للقبض على أعناق البشر، وتسخيرهم لتحقيق الغايات الكرسوية أو السلطوية، التي تتبدل مسمياتها من عصر لعصر ومن مجتمع لمجتمع، لكن منهج الإرعاب في الحكم هو الذي يسود في التأريخ البشري. أي أن مناهج التخويف والترعيب والتفزيع، هي التي لها اليد العليا في آليات الحكم والتحكم بالمجتمعات والشعوب. وتظهر للمتصفح لكتب التأريخ الأساليب الإرعابية المتنوعة والمتعددة بدرجات فتكها وفظائعها، وما تتسبب به من نوازل نفسية وعاطفية تتحكم بمصير المجتمعات، وشواهد الإرعاب موجودة في الوثائق النحتية والصورية في متاحف الدنيا، وواضحة في الآثار السومرية والآشورية والمصرية، وفي اللوحات الفنية لكبار الرسامين الأوربيين، ولا تزال البشرية ماضية على نهج الإرعاب في الحكم والهيمنة على مقدرات الناس.
والقرن العشرون يزدحم بمناهج وآليات الإرعاب التي تنامت قبل الحرب العالمية الأولى وبعدها، وبعد الحرب العالمية الثانية، ولا تزال المشاهد الإرعابية متكررة ومتفاقمة الحضور في وعي البشر، خصوصا وقد تواصلت الدنيا بوسائل الاتصال الفائقة السرعة والقدرات التقدنية والتصويرية. فقد عاشت الدول الغربية مسيرة إرعابية تحت مُسمى الحرب الباردة، وخلاصتها أن الضربة النووية ستتحقق في أي وقت على الدول الرأسمالية من قبل الدولة الشيوعية. وما أن انتهت هذه الحالة الإقلاقية حتى صار البحث جادا ومتواصلا عن صيغة إرعابية جديدة، فكان العرب أداتها وأفغانستان سوحها، وكبرت اللعبة وتطورت وتعددت فروعها، وتشعبت منطلقاتها، حتى تم تحضير العراق ليكون ساحتها الجديدة، ومن ثم ليبيا وسوريا واليمن وباقي الدول العربية الأخرى وبتركيز كثيف على مصر
ومن عجائب ما نتخندق به ونتداوله أن الإرعاب سببه كذا وحسب، ونقوم بربط انفعالي ما بين نهج ما وما يدور في الدنيا من تفاعلات إرعابية مستفيدة من التقنيات المعاصرة، وقدرات التأثير الإعلامي الفتاكة، حتى وكأن الأمر عملية حسابية بسيطة جدا، وفقا لمنظار الأسود والأبيض، ولا يمكن الخروج من هذه الاقترابات النافعة لتنمية الإرعاب، والاستثمار السياسي والطائفي والعدواني فيه، فأصبح المجتمع البشري يلقي باللائمة على هذا المجتمع دون سواه، وعلى هذا المعتقد أو التصور أو المذهب، وينفي الأسباب الحقيقية والذاتية والموضوعية المؤدية إلى التداعيات الإرعابية.
ويسود وسائل الإعلام عماء وتضليل وتشويش وتدبير مبرمج لإنجاز أهداف كبيرة وخفية تستفيد من الحالة التضليلية وتستثمر فيها أعظم الاستثمار. والواقع المؤلم أن الجميع يساهمون بسياسات الإرعاب المعقدة، التي تحقق تدميرا خلاقا للوجود العربي الإسلامي في كل مكان، حتى لتحول العربي في نظر الدنيا إلى موجود يقاتل الحياة، والمسلم إلى قنبلة موقوتة مؤهلة للانفجار في أي مكان وزمان، ولا بد من الحيطة والحذر منهم أجمعين.
فلا يمكن تبرئة أي أحد من لعبة الإرعاب، الدول الأوربية والغربية، والحكومات العربية والإقليمية، والأحزاب السياسية والدينية، والعمائم بألوانها وأحجامها، فالكل له دوره عن قصد أو غير قصد في هذه اللعبة الآثمة الخطيرة، التي حولت البلاد العربية إلى جحيم يتطلع أبناؤها للرحيل عنها والهجرة إلى بلاد أخرى مهما كلف الأمر من تضحيات وخسائر. فالذي يكتب بنفقية ويتمنطق بزوايا حادة، إنما هو من المشاركين بالإرعاب العربي والدولي والإنساني، ولا بد من النظر ببصيرة دائرية أي بزاوية ثلاثمئة وستين درجة، لكي يتحقق السلوك البشري الآمن، وتعم المحبة والألفة والسلام ما بين أبناء المجتمع الواحد.
أما القول بأن السبب هو كذا لا غير فهذا سلوك إرعابي وتدميري وتسويفي خداعي تضليلي، يؤجج الإرعاب ويصب زيتا فوق نيران النفوس البشرية المستعرة المحتاجة لشرارة لتشب. فأيقظوا ضمائركم، واتقوا بعض المعايير الإنسانية إذا بقي منها شيء فيكم، أما الرب فقد تحول إلى وسيلة للتضليل والتنكيل بالبشر، واستعبادهِ باسم الدين الذي يؤسس لإمبراطورية الإرعاب المأساوية الفتاكة.
فهل من حُسْنِ دراية ونور اقتراب؟!!
واقرأ أيضاً:
إرادتنا المفقودة وإرادتهم الموجودة!! / القطار الأسرع والشعب الأروع!! / الطائفية معضلة سلوكية مُكتسبة؟!! / ألهاكم التناحر!!