علماء المغرب العربي مؤكدون لذواتهم
الفصل الحادي عشر
يقول المثل: "من لم يقنع برزقه عذًب نفسه"؛ فيا مستفتحا أبواب المعاش بغير مفتاح التقوى، كيف توسع طريق الخطايا وتشكو ضيق الرزق؟ لو اتقيت ما عسر عليك مطلوب، يقول الله عز وجل: "ومن يتق الله يجعل مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب"، فمفتاح الرزق هو التقوى يقع على كل باب، ما دام المتقي على صفاء التقى لا يلقى إذن أذى، فإذا انحرف عن التقى التقى بالكدر.
فلما توليتم عنا تولينا لا تزال بحار النعم على الخلق في الزيادة (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم). ويحك: إنما خلقت الدنيا لك، أفيبخل عليك الرزاق بما هو ملكك؟ إنما في طبعك شره، والحمية أرفق.
يقول الله عز وجل: "يا أعز المخلوقات علينا: ارض بتدبيرنا، فالمحب لا يتهم، وإنعامنا على ما خلق لك لا يخفى عليك، فكيف ننساك وأنت الأصل؟".
ليس العجب تغذي المولود في حال الحمل بدم الحيض لاتصاله بالحي؛ إنما العجب أن البيضة إذا انفصلت من الدجاجة فمن البياض يخلق الفرخ، وبالصفار يتغذى، قد أعطي المخلوق زاده قبل سفر الوجود.
إذا انفقأت بيضة الغراب خرج الفرخ أبيض، فتنفر عنه الأم لاختلاف لون الفرخ عن لون الأم، فيبقى مفتوح الفم، والقدر يسوق إلى فيه الذباب، فلا يزال يتغذى به حتى يسود لونه فتعود إليه الأم!!.
فانظروا إلى لطف الله بعباده، وتلمحوا شفقة طير الرحمة، ألهم النملة ادخار القوت، ثم ألهمها كسر الحب قبل ادخاره كيلا ينبت في مخزنه، والكسبرة، وإن كسرت قطعتين تنبت فهي تكسرها أربعا. وصدق الشاعر الذي يقول:
وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد
لو رأيت العنكبوت حين تبني بيتها لشاهدت صنعة تعجز المهندس، إنما تطلب موضعين متقاربين، بينهما فرجة يمكنها مد الخيط إليها، ثم تلقي لعابها على الجانبين، فإذا أحكمت المعاقد ورتبت القمط واشتغلت بلحام نسيجها، فيظن الظان أن نسجها عبث، كلا، إنها شبكة للبق والذباب، وإنها إذا أتمت النسيج انزوت إلى زاوية ترصد رصد الصائد، فإذا وقع في الشبكة شيء قامت تجني ثمار كسبها، فإذا أعجزها الصيد طلبت لنفسها زاوية، ووصلت بين طرفيها بخيط آخر، وتنكست في الهواء تنتظر ذبابة تمر بها، فإذا دنت منها رمت نفسها إليها فأخذتها، واستعانت على قتلها بلف الخيط على رجليها!!، افتراها علمت هذه الصنعة بنفسها؟ أو قرأتها على أبناء جنسها؟ أفلا تنظر إلى حكمة من علمها؟ وصنعة من فهمها؟.
لقد نادت عجائب المخلوقات على نفسها ترشد الغافلين إلى باب الصانع، غير أنهم عن السمع لمعزولون.
هل من رزق النملة و الغراب والعنكبوت بغير حول ولا قوة منهم بعاجز على أن يرزقك من الحلال وبالحلال؟!، حاشا لله وكلا، فقل "لا" لمعصية الله عز وجل، وقل "لا" لأي رزق من حرام، فمن رزق الحيوان الضعيف العاجز؛ بلا حول و لا قوة من تلك الكائنات الضعيفة لهو جدير أن يرزقك بالحلال، وكل ما عليك هو تقوى الله ثم الأخذ بأسباب الرزق الحلال.
وبعد أن جرأت وقلت "لا" للرزق الحرام تستطيع الآن أن تقول "لا" أيضاً لهواك:
قل "لا" للهوى
لما عرف الصالحون قدر الحياة أماتوا فيها الهوى فعاشوا، ثم تخيلوا القيامة فاحتقروا الدنيا وماتت قلوبهم بالمخافة من الله عز وجل، فاشتاقت إليهم الجوامد، فالجذع يحن إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، والجنة تشتاق إلى "علي" رضي الله عنه وأرضاه، وأنس بن النضر يشم ريح الجنة عند جبل أحد يوم أحد؛ فيسعى مجاهدا طالباً للشهادة في سبيل الله ليدخلها. وعمر رضي الله عنه يخترق الحجب على بعد آلاف الأميال ليأمر "سارية" بالارتكان إلى الجبل بعد أن كشفت بصيرته قبل بصره ساحة المعركة مع الكفار بكاملها!.
كم شخص أشخصه الشوق إلى الحج، يكاد مودع المواثيق قبل تقبيله يقبله، فلما قضى الناسك المناسك، ثم رجع، بقي سهم الشوق إليه في قلب منى، خواطرهم تراقب حدود الشرع، وقلوبهم وقف على محبة الخالق.
وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي متقدم عنه ولا متأخر
أنفوا من مزاحمة الخلق في أسواق الهوى، وقوي شوقهم فلم يحتملوا حصر الدنيا، فخرجوا إلى فضاء العز في صحراء التقوى، وضربوا مخيم المجد في ساحات الهدى، وتخيروا شواطئ أنهار الصدق، فشرعوا فيها مشارع البكاء، وانفردوا بخوفهم ورجائهم، وصدق من قال: "مفتاح كل شر: حب الدنيا وطول الأمل".
فيا محصورا عن الصالحين في حبس الجهل والمنى، إن خرجت من سجنك لترويح شجنك من غم البلاء، عرج بذلك الوادي. تلمح القوم الوجود ففهموا المقصود، فجمعوا الرحل قبل الرحيل، وشمروا في سواء السبيل، فالناس يخوضون في وحل الاكتساب، وهم في ظل القناعة، ومرض الهوى يستغيثون في مارستان البلاء، وهم في قصور السلامة، وكسالى البطالة على فراش التواني، وهم في حلبات السباق (يرجون تجارة لن تبور) يجرون خيل العزائم في ميادين المبادرة، ويضربون الدنيا بصولجان الأنفة، فما مضت إلا أيام حتى عبروا الصراط، وقد سلموا من هلكة السقوط، غناهم في قلوبهم، وسيماهم في وجوههم، أعقبهم ما سرهم، هان عليهم طول الطريق لعلمهم بشرف المقصد، وحلت لهم المطايا؛ لتعبر بهم فوق بلايا الدنيا؛ للتعجيل بسلامة وصولهم إلى دار القرار، فيا بشراهم بهذا اليوم (هذا يومكم الذي كنتم توعدون).
شقينا في الهوى زمنا فلما تلاقينا كأنا ما شقينا
سخطنا عندما جنت الليالي فما زالت بنا حتى رضينا
سعدنا بالوصال وكم سقينا بكاسات النعيم وكم شقينا
فمن لم يحي بعد الموت يوما فإنا بعد ميتتنا حيينا
قل "لا" للنفس الأمارة بالسوء
النفس مجبولة على شيم مهلكة، وأخلاق مؤذية، لا يستغني محمودها عن التأديب، ولا يكتفي بالمرضي منها عن التهذيب؛ لأن لمحمودها أضدادا مقابلة يسعدها هوى مطاع وشهوة غالبة، فإن أغفل تأديبها تفويضا إلى العقل أو توكلا على أن تنقاد إلى الأحسن بالطبع أعدمه التفويض إدراك درجة المجتهدين، وأعقبه التوكل ندم الخائبين، فصار من الأدب عاطلا، وفي صورة الجهل داخلا؛ لأن الأدب مكتسب بالتجربة، أو مستحسن بالعادة، ولكل قوم أعرافهم. وذلك لا ينال بتوقيف العقل ولا بالانقياد للطبع حتى يكتسب بالتجربة والمعاناة، ويستفاد بالتدريب والممارسة. ثم يكون العقل عليه قيما وزكي الطبع إليه مسلما.
ولو كان العقل مغنيا عن الأدب لكان أنبياء الله تعالى عن أدبه مستغنين، وبعقولهم مكتفين!. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {بعثت لأتمم مكارم الأخلاق}. وقيل لعيسى ابن مريم -على نبينا وعليه السلام-: من أدبك؟ قال: ما أدبني أحد ولكني رأيت جهل الجاهل فجانبته.
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إن الله تعالى جعل مكارم الأخلاق ومحاسنها وصلا بينه وبينكم، فحسب الرجل أن يتصل من الله تعالى بخلق منها.
وقال أزدشير بن بابك: من فضيلة الأدب أنه ممدوح بكل لسان، ومتزين به في كل مكان، وباق ذكره على أيام الزمان.
وقال مهبود: شبه العالم الشريف القديم الأدب بالبنيان الخراب الذي كلما علا سمكه كان أشد لوحشته وبالنهر اليابس الذي كلما كان أعرض وأعمق كان أشد لوعورته، وبالأرض الجيدة المعطلة التي كلما طال خرابها ازداد نباتها غير المنتفع به التفافا وصار للهوام مسكنا.
وقال ابن المقفع: ما نحن إلى ما نتقوى به على حواسنا من المطعم والمشرب بأحوج منا إلى الأدب الذي هو لقاح عقولنا، فإن الحبة المدفونة في الثرى لا تقدر أن تطلع زهرتها ونضارتها إلا بالماء الذي يعود إليها من مستودعها.
وحكى الأصمعي رحمه الله تعالى أن أعرابيا قال لابنه : يا بني العقل بلا أدب كالشجر العاقر، ومع الأدب دعامة أيد الله بها الألباب، وحلية زين الله بها أقبح الأحساب، فالعاقل لا يستغني وإن صحت غريزته، عن الأدب المخرج زهرته، كما لا تستغني الأرض وإن عذبت تربتها عن الماء المخرج ثمرتها.
وقال بعض الحكماء: الأدب صورة العقل فصور عقلك كيف شئت.
وقال آخر: العقل بلا أدب كالشجر العاقر، ومع الأدب كالشجر المثمر.
وقيل الأدب أحد المنصبين .
وقال بعض البلغاء: الفضل بالعقل والأدب، لا بالأصل والحسب؛ لأن من ساء أدبه ضاع نسبه، ومن قل عقله ضل أصله.
وقال بعض الأدباء: ذك قلبك بالأدب كما تذكى النار بالحطب، واتخذ الأدب غنما، والحرص عليه حظا، يرتجيك راغب، ويخاف صولتك راهب، ويؤمل نفعك، ويرجى عدلك.
وقال بعض العلماء: الأدب وسيلة إلى كل فضيلة، وذريعة إلى كل شريعة.
وقال بعض الفصحاء : الأدب يستر قبيح النسب.
وقال بعض الشعراء فيه:
فما خلق الله مثل العقول ولا اكتسب الناس مثل الأدب، وما كرم المرء إلا التقى ولا حسب المرء إلا النسب، وفي العلم زين لأهل الحجا وآفة ذي الحلم طيش الغضب، وأنشد الأصمعي رحمه الله: وإن يك العقل مولودا فلست أرى ذا العقل مستغنيا عن حادث الأدب، إني رأيتهما كالماء مختلطا بالترب تظهر منه زهرة العشب، وكل من أخطأته في موالده غريزة العقل حاكى البهم في الحسب.
والتأديب يلزم من وجهين: أحدهما ما لزم الوالد لولده في صغره. والثاني ما لزم الإنسان في نفسه عند نشوئه وكبره. فأما التأديب اللازم للأب فهو أن يأخذ ولده بمبادئ الآداب ليأنس بها، وينشأ عليها، فيسهل عليه قبولها عند الكبر لاستئناسه بمبادئها في الصغر؛ لأن نشوء الصغر على الشيء يجعله متطبعا به. ومن أغفل تأديبه في الصغر كان تأديبه في الكبر عسيرا. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال {ما نحل والد ولده نحلة أفضل من أدب حسن يفيده إياه، أو جهل قبيح يكفه عنه ويمنعه منه}.
وقال بعض الحكماء: بادروا بتأديب الأطفال قبل تراكم الأشغال وتفرق البال.
وقال بعض الشعراء:
إن الغصون إذا قومتها اعتدلت ولا يلين إذا قومته الخشب
قد ينفع الأدب الأحداث في صغر وليس ينفع عند الشيبة الأدب
وقال آخر:
ينشو الصغير على ما كان والده إن الأصول عليها تنبت الشجر
وأما الأدب اللازم للإنسان عند نشوئه وكبره فأدبان: أدب التقاليد والأعراف، وأدب الرياضة والاستصلاح. فأما أدب التقاليد والأعراف فيؤخذ تقليدا على ما استقر عليه اصطلاح العقلاء، واتفق عليه استحسان الأدباء. وليس لاصطلاحهم وتعارفهم على وضعه تعليل مستنبط، ولا لاتفاقهم على استحسانه دليل موجب، كاصطلاحهم على طريقة الخطاب، واتفاقهم على هيئات اللباس، حتى إن الإنسان الآن إذا تجاوز ما اتفقوا عليه منها صار مجانبا للأدب، مستوجبا للذم. لأن فراق المألوف في العادة، ومجانبة ما صار متفقا عليه من الأعراف والتقاليد مفض إلى استحقاق الذم بالعقل، ما لم يكن لمخالفته علة ظاهرة وسبب وجيه.
وقد كان جائزا في العقل أن يوضع ذلك على غير ما اتفقوا عليه فيرونه حسنا، ويرون ما سواه قبيحا، فصار هذا مشاركا لما وجب بالعقل من حيث توجه الذم على تاركه ومخالفا له من حيث أنه كان جائزا في العقل أن يوضع على خلافه. وأما أدب الرياضة والاستصلاح فهو ما كان محمولا على حال لا يجوز في العقل أن يكون بخلافها، ولا أن يختلف العقلاء في صلاحها وفسادها. وما كان كذلك فتعليله بالعقل مستنبط، ووضوح صحته بالدليل مرتبط. وللنفس على ما يأتي من ذلك شاهد ألهمها الله تعالى إرشادا لها.
قال الله تعالى: {فألهمها فجورها وتقواها}، (الشمس 8 )، قال ابن عباس رضي الله عنه: أي بين لها ما تأتي من الخير وتذر من الشر.
فأول مقدمات أدب الرياضة والاستصلاح للنفس أن لا يسبق إلى حسن الظن بنفسه، فيخفى عنه مذموم شيمه ومساوئ أخلاقه؛ لأن النفوس بالشهوات آمرة، وعن الرشد زاجرة.
وقد قال الله تعالى:{إن النفس لأمارة بالسوء إلا مارحم ربي}(يوسف 53) .
وقال صلى الله عليه وسلم : {أعدى أعدائك نفسك التي بين جنبيك، ثم أهلك، ثم عيالك}. ودعت أعرابية لرجل فقالت: كبت الله كل عدو لك إلا نفسك. فأخذه بعض الشعراء فقال: قلبي إلى ما ضرني داعي يكثر أسقامي وأوجاعي، كيف احتراسي من عدوي إذا كان عدوي بين أضلاعي، فإذا كانت النفس كذلك فحسن الظن بها ذريعة إلى تحكيمها، وتحكيمها داع إلى سلاطتها وفساد الأخلاق بها، وقد تدعوك النفس الأمارة لاقتراف الذنوب؛ والذنوب جراحات، ورب جرح وقع في مقتل.
أما إذا صرف العبد حسن الظن عنها وتوسمها بما هي عليه من التسويف والمكر، وقال لها وبحزم "لا"؛ فاز بطاعتها، وانحاز عن معصيتها.
وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: العاجز من عجز عن سياسة نفسه.
وقال بعض الحكماء: من ساس نفسه ساد ناسه.
فأما سوء الظن بها فقد اختلف الناس فيه، فمنهم من كرهه لما فيه من اتهام طاعتها، ورد مناصحتها.
فإن النفس وإن كان لها مكر يردي فلها نصح يهدي.
فلما كان حسن الظن بها يعمي عن مساوئها، كان سوء الظن بها يعمي عن محاسنها.
ومن عمي عن محاسن نفسه كان كمن عمي عن مساوئها، فلم ينف عنها قبيحا ولم يهد إليها حسنا.
وقد قال الجاحظ في كتاب البيان: يجب أن يكون في التهمة لنفسه معتدلا، وفي حسن الظن بها مقتصدا، فإنه إن تجاوز مقدار الحق في التهمة ظلمها فأودعها ذلة المظلومين، وإن تجاوز بها الحق في مقدار حسن الظن أودعها تهاون الآمنين، ولكل ذلك مقدار من الشغل، ولكل شغل مقدار من الوهن، ولكل وهن مقدار من الجهل.
وقال الأحنف بن قيس: من ظلم نفسه كان لغيره أظلم، ومن هدم دينه كان لمجده أهدم.
وذهب قوم إلى أن سوء الظن بها أبلغ في صلاحها، وأوفر في اجتهادها؛ لأن للنفس جورا لا ينفك إلا بالسخط عليها، وغرورا لا ينكشف إلا بالتهمة لها؛ لأنها محبوبة تجور إدلالا وتغر مكرا، فإن لم يسئ الظن بها غلب عليه جورها، وتموه عليه غرورها فصار بميسورها قانعا، وبالشبهة من أفعالها راضيا.
وقد قالت الحكماء: من رضي عن نفسه أسخط عليه الناس.
وقال كشاجم:
لم أرض عن نفسي مخافة سخطها ورضا الفتى عن نفسه إغضابها
ولو أنني عنها رضيت لقصرت عما تزيد بمثله آدابها
وتبينت آثار ذاك فأكثرت عذلي عليه فطال فيه عتابها
وقد استحسن قول أبي تمام الطائي:
ويسيء بالإحسان ظنا لا كمن هو بابنه وبشعره مفتون
فلم يروا إساءة ظنه بالإحسان ذما ولا استقلال علمه لوما، بل رأوا ذلك أبلغ في الفضل وأبعث على الازدياد فإذا عرف من نفسه ما تجن، وتصور منها ما تكن، ولم يطاوعها فيما تحب إذا كان غيا، ولا صرف عنها ما تكره إذا كان رشدا، فقد ملكها بعد أن كان في ملكها، وغلبها بعد أن كان في غلبها.
وقد روى أبو حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {الشديد من غلب نفسه}.
وقال عون بن عبد الله: إذا عصتك نفسك فيما كرهت فلا تطعها فيما أحبت، ولا يغرنك ثناء من جهل أمرك.
وقال بعض البلغاء: من قوي على نفسه تناهى في القوة، ومن صبر عن شهوته بالغ في المروة.
فحينئذ يأخذ نفسه عند معرفة ما أكنت، وخبرة ما أجنت بتقويم عوجها وإصلاح فسادها.
وقد روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت {يا رسول الله متى يعرف الإنسان ربه؟ قال إذا عرف نفسه}.
ثم يراعي منها ما صلح واستقام من زيغ يحدث عن إغفال، أو ميل قد يكون عن إهمال؛ ليتم له الصلاح وتستديم له السعادة، فإن المغفل بعد المعاناة ضائع، والمهمل بعد المراعاة زائغ.
وما أجمل قول سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "غاية الأدب أن يستحي الإنسان من نفسه".
ويقول الشاعر:
حَيَاءَكَ فَاحْفَظْهُ عَلَـيْكَ فَإِنَّما يَدُلُّ علـى وَجْهِ الكَرِيمِ حَيَاؤُهُ
ويتبع >>>>>>>>>>> الخجل