سلوك سياسي معقد بواسطته يتم ابتلاع المشكلة بمشكلة أكبر منها وأعظم، ودفع الأوضاع إلى الدخول في دوائر مفرغة من التداعيات المتنامية. وهذه الآلية يتم الاستثمار فيها بالمنطقة العربية، وقد آتت أكُلها وأنجزت أهدافها ومشاريعها ومراميها، وبسببها تحولت القضايا الأساسية إلى قضايا ثانوية أو بلا أولوية أو قيمة.
فالقضية الفلسطينية مثل واضح وصريح، وما عادت مسألة اللاجئين تعني أحدا لأن الملايين من العرب صاروا لاجئين، ولا صدى لموضوع الاحتلال لأن عددا من الدول العربية صارت رهينة احتلالات متنوعة وشرسة دمرت البلاد وسبت العباد وقتلتهم شر قتلة. وقس على ذلك القضايا التي كانت في الصدارة وإذا هي في الآخر أو طواها النسيان، لأن حوت مشكلة أكبر منها قد ابتلعها أو ألغى الاهتمام بها.
فالمشاكل عندنا وعلى مدى القرن العشرين ولا تزال لا تقبل الحل، وإنما تُرَحّل إلى أفواه الابتلاع القادرة على سرطها وإلهاء الأجيال بما هو أعظم وأوخم منها وأقسى وأشرس، مما جعل العرب تحت مطرقة التهشم والتمزق والاحتراق.
والسبب في ذلك أنهم لا يمتلكون مهارات حل المشاكل ويجيدون توليدها، وما دامت المشاكل تتوالد بسرعة وتتفاقم باندفاعية انفعالية متواترة، فإنها تحل نفسها بنفسها وفقا لآليات الابتلاعية التي تعني الاستنقاعية والتعفن والخمول والخمود، لأن المشاكل تستنزف الطاقات وتبدد القدرات وترهن الناس بالويلات وتؤهلهم للهزائم والانكسارات. ولو تساءلنا عن مشكلة واحدة تمكن العرب من حلها، فلن نجدها، بل ما هو قائم مشاكل تلد مشاكل ومشاكل تبتلع مشاكل، فالمشكلة التي يفشل العرب في حلها تبتلعها عاصفة هوجاء من المشاكل الجسام.
واليوم يقف العرب أمام مشكلة اليمن التي ستكون في طي النسيان بسبب الإعلان عن ولادة مشكلة جديدة بين قطر ودول الخليج، التي يبدو أنها تمضي في خط التفاقم وتؤهل الواقع الخليجي لتدخلات أجنبية متنوعة وضارية، وهذا يعني أن مشكلة اليمن في طريقها إلى الابتلاع، ولن تعود ذات قيمة ومعنى يُذكر.
وهذه المشكلة اليمنية ليست جديدة، وما تمكن اليمنيون من حلها ولا ساعدهم العرب في إيجاد حل لها، فمضت اليمن على طريق الويلات منذ ستينيات القرن العشرين وحتى اليوم، وقد صارت دولة خراب وعذاب وأوبئة وفقر وجوع وحرمان وسفك دماء، فالذين يتقاتلون عرب ومسلمون، وهذا يعني أن ناعور الدماء سيبقى يدور.
ولابد للعرب أن يستوعبوا آليات تفكيك المشاكل لا توليدها، ويشكلوا مجالس استشارية خبيرة بالحلول والوصول إلى توصيات وقائية تدرأ عنهم توالد المشاكل، وتخرجهم من دوامات الابتلاعية العاصفات بديارهم أجمعين.
فالعرب من المجتمعات التي تبتلع مشاكل زيادة السكان بالحروب، والجهل بشراء الأسلحة لقتل أنفسهم بأنفسهم، أي أنهم ينتحرون بالجملة ويحسبون هذا الخبل السلوكي نصرا وإنجازا يسمونه وفقا لما يحلو للطامعين بهم أجمعين.
فهل سيجد العرب عقلا يوظف طاقاتهم لما هو خير لهم؟!!
واقرأ أيضاً:
الجهل المقدس والمصير المُتعّس!! / الذكاء والإخلاص الوطني!! / مَرّيخُ ومِرّيخ!! / إمبراطوريات الكذب الفتاك!!