جائتني مقالة من أحد الأخوة الأكادميين، فبدأت بقراءتها لأنها تتناول مصطلحا أو قضية من ضمن اهتماماتي الفكرية، وتواصلت بالقراءة متأملا ما يتناوله ويناقشه ويستخلصه، ومضيت أقرأ المقالة حتى آخرها، وإذا بها تنتهي بعبارات ذات نقمة ومفردات سلبية جعلتني أتقيأ ما قرأته، وتوقفت متسائلا عن الدافع والسبب الذي جعل كاتبنا الأكاديمي يختم مقالته بما ينسفها ويقبحها ويخرجها من كونها مقالة تبحث في مسألة وتوضحها لكي يتحقق الفهم والوعي السليم!!
احترت في الجواب!!
قبل أعوام كنت في جلسة ثقافية مع عدد من الأكادميين، ودارت أحاديث وطرحت مواضيع، وكان القاسم المشترك فيها، أن في كل واحد تتوطن دملة وقد تفجرت وانطلقت أقياحها، وبمداد الدمامل تُطرح الآراء وتُكتب وتُعرض على الناس!!
فالنمطية السائدة في الكتابة أنها تفضيضات دمّلية، وتحاملات عدوانية، تسعى لإدامة الشرور وتغذيتها بما يؤججها ويُلهبها لتحرق الأخضر واليابس. وفي واقع ما يُنشر ويُكتب في الصحف والمواقع وغيرها من وسائل التفاعل والتواصل والإعلام، أن معظمه يُبدي معدنه النقموي من العنوان أو العبارة الأولى، ولهذا فأن المنشور ما هو إلا غثيث ومشين ويعزز التفاعلات السلبية، ويساهم في تدمير البلاد والعباد، ويخلو من مفردات الرحمة والألفة والأخوة الوطنية والإنسانية، وإنما يبرر العدوانية بأسمى الكلمات وأطيبها، فيختلط كل شيء للوصول إلى لا شيء، لأن الموجودات تأكل بعضها وتنتهي إلى حالة التصفير والاختزال والانخذال والإذلال المرير.
فلماذا يتسيد نهج النقمة ويغيب منهج الرحمة في ما تخطه الأقلام؟!
لماذا يتم تسخير طاقات العقول والمعارف لتبرير النقمة وتحقيق مشاريع الانتقام؟
يبدو أن هذا السلوك معضلة جيل بأكمله، وبسببه يتحقق في الواقع المعاش ما يتطابق معه، وهذا الجيل المتحامل المتدمّل، سيتسبب بتداعيات خطيرة ستمتد لأجيال متعاقبة، لأنه امتلك قدرات تحقيق ما فيه من الهيجان الانفعالي والعدوانية الشرسة، وتمكن من وضع الآليات المشينة لتنفيذها، حتى تحولت الحياة إلى مأساة كبرى وجحيم أليم، تتخرب به البلاد وتُسبى العباد، وناعور النقمة يدور وأقياح الدمامل تسيل، وتتحول إلى مداد يُكتب به قرار المصير.
وعليه فإن المجتمع لن يتعافى ما دامت العقول مريضة والنفوس عليلة والعاهات مستطيرة، ولن يعود المجتمع إلى طبعه الوطني الإنساني القيمي إلا بقدوم جيل جديد مُطهر من العاهات، ومنزه من الآفات التدميرية التي تسخّر الجميل لصناعة القبيح والخير للقيام بمشاريع الشرور الحمقاء.
وحبذا لو أن هذا الجيل المتحامل يستطيع الجلوس مع نفسه ووعي دمامله التي تَندُس في أعماقه، فتدفعه إلى التصريح بما لا ينفع الناس، ويعزز السلوك الخبيث، ويتناسى بأن الكلمة الطيبة صدقة، وأن الكلمة مسؤولية، وما تخطه الأقلام من أخطر الآثام عندما يُكتب بأقياح النفوس المعتقة في قوارير السوء والبغضاء والانتقام السعير!!
فاتقوا الله فيما تكتبون أيها الناقمون!!
واقرأ أيضاً:
مَرّيخُ ومِرّيخ!! / الابتلاعية!! / إمبراطوريات الكذب الفتاك!! / أ فلا تعقلون؟!!