"لا تلومن قويا أوْلمَتهُ الضعفاء"
هناك ثوابت راسخة للسياسة الأمريكية في المنطقة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم، وما تغيرت بل تطورت وتأكدت وتم البناء عليها والاستثمار فيها إلى أقصى ما يمكن الاستثمار، وهي واضحة ومعروفة ولا داعي للتطرق إليها، لكن الكراسي العربية تتصرف وكأنها في غفلة منها أو تتجاهلها وتغض الطرف عنها، فتدعو أمريكا لحل مشاكلها، وأمريكا تقولها بصراحة ومرارا وتكرارا وعلانية أن سياستي في المنطقة كذا وكذا، وعلى لسان جميع الرؤساء والمسؤولين منذ روزفلت وإلى اليوم، وستبقى على مدى القرن الحادي والعشرين.
فلماذا تتمادى المنطقة في سياسات "أحبك وأشتكي منك"؟!
أمريكا دُعيت لحل مشاكل العرب الداخلية، ولا توجد قضية عربية - عربية واحدة إلا وتم التوسل بأمريكا للمشاركة بحلها، بل ولا توجد مشكلة داخلية واحدة في أية دولة عربية إلا ودُعيت أمريكا لحلها؟!! وأمريكا كأية قوة في الدنيا تفكر بمصالحها أولا، وماذا ستجني من مشاركتها في حل المشاكل، وكيف تستثمر فيها، وتوظفها لتأمين مشاريعها، فلا توجد قوة في التأريخ تتدخل ما بين أطراف متنازعة من أجل عيون هذا وذاك، وإنما هي من أجل مصالحها؟ فلماذا نلوم الذين يفكرون ويعملون من أجل تأمين مصالحهم وتنمية قوتهم وتعزيز اقتدارهم، واغتنامهم للفرص المؤاتية؟!
أمريكا تقوم بواجبها الوطني في كل ما تفعله، ولا تفكر إلا بمصالحها وقوتها وغنائمها وأرباحها واقتصادها القوي المتين، والعرب لا يفكرون بمصالحهم ولا بمواطنيهم ولا بالقوة الاقتصادية والعمرانية والسياحية والزراعية والصناعية والبُنى التحتية، إنهم شاؤوا أن يتعبدوا في محاريب الكراسي التي لايفكر الجالس فيها إلا بمطامعه الشخصية والفئوية والحزبية القصيرة المدى، ولا يعنيه من أمر الوطن ومواطنية شيئا.
وهذا يفسر هدر الثروات واستخدام عائدات النفط لقتل المواطن العربي، وتجويعه وتعذيبه وقهره بالحاجات وبالكهرباء وبصعوبات العيش المتفاقمة، وهو الذي عليه أن يعيش برفاهية وعزة وكرامة ويتمتع بثروات بلاده ويتنعم بالحياة. لكن الواقع المرير يشير إلى أن العربي المسكين مُبتلى بالقتل والمقاساة والعناء المرير، وعدم التمتع بأبسط حقوق الإنسان التي أقرتها الأمم المتحدة قبل أكثر من نصف قرن، بل وأقرها الإسلام منذ عدة قرون.
ترى متى سيستيقظ العرب من هذا الخبل السلوكي، والتوهم بأن الأقوياء يريدون مصلحة الضعفاء والأغبياء، ويدركون بوضوح أن القوة في الأرض عندما تُمنح فرصة فإنها تستعد للافتراس، أيا كانت تلك القوة عالمية أو إقليمية، ولا فرق بين أمريكا وروسيا والصين وإيران وتركيا وأية قوة أخرى تتوفر لها فرصة القبض على مقدرات الآخرين والاستثمار في مشاكلهم، فإنها لن تتردد ولو للحظة واحدة.
وما يفعله العرب ضد مصالحهم أجمعين، وهم أقسى من أعدائهم على أنفسهم وإخوانهم المواطنين!!
فلماذا لا يفكر العرب بمصالحهم ويتخلصوا من هذه الأوهام والهذيانات الانتحارية؟!!
واقرأ أيضاً:
التحالف العربي العربي!! / فأكله الذئب !! / الأقوياء أمام القوي يزأرون!! / الكسوف والكشوف!!