التشخصن الانفعالي داء يعصف بالأقلام في بعض المجتمعات ويتسبب بفقدان البصيرة، والتفاعل مع المواقف والأحداث بانفعالية خالصة تستعبد العقل، وتستولده ما يبرر مشاعرها وتصوراتها المسبقة وأحكامها الراسخة فيها، وفقا لمنظار رؤيته المُصنع بمفردات التشخصن الانفعالي. ولكي تتشخصن انفعاليا، عليك أن تتماهى وتذوب في حالة ما، قد تكون فردية، فئوية، حزبية أو طائفية، وغيرها من التأسنات التموضعية الهادفة لتسخير البشر لتنفيذ ما تمليه عليهم، بعد أن تمكنت من عقولهم ونفوسهم وأرواحهم، وأوجبت عليهم التنفيذ وحسب.
وهذا الاضطراب يُصاب به الأفراد والجماعات ويمارسون دورهم في التعبير عمّا يحتويه ويقرره، ويأتمرون بنوازعه ودوافعه، ويسخرون طاقاتهم وجهودهم لخدمة وتعزيز وإدامة التشخصن والتمترس في أوعيته، والتدحرج في مسالكه النفقية الظلماء، التي تحجب النور، وتجعل الظلاميين يستلطفون غيابه لأنه يفقدهم توازنهم ويؤلم عيونهم، ويحتاجون لزمن للتأقلم معه، كالذي يكون مسجونا في أقبية ظلماء وتخرجه لمواجهة الشمس الساطعة، فيكون في حالة تصعب عليه الرؤية إلا بعد حين.
أي أن التشخصن الانفعالي يحقق حالة العماء الشامل، ويجعل المصابين به، يصفون الفيل وفقا لما يلمسونه بأيديهم من بدنه لا غير، ويتوهمون بأنهم يتحدثون عن الفيل. وهذا السلوك واضح في العديد من الكتابات في الصحف والمواقع والخطابات، وتجده سائدا ومؤثرا في الناس وقادرا على تنمية الجموع المتشخصنة، المتخندقة في صناديق انفعالية شديدة الفعالية وقوية التماسك والصد.
ولهذا فإن ما تنتجه أقلام التشخصن الانفعالي يشارك في تدمير المجتمع، وأخذه بعيدا عن أنوار العصر وطمره بالغابرات وتحبيبه بالخاليات، وتشجيعه على البكاء والأنين والتظلم واستلطاف المقاساة والأوجاع والارتهان بالويلات والتداعيات، لأنها في عرف التشخصن الانفعالي أغنم وأعظم من أي سلوك آخر يساهم باغتصاب الحياة وإطفاء مشاعل الحاضر والمستقبل.
وفي هذا محنة مجتمعية إنسانية تدفع إلى نفاعلات تصارعية دامية ومدمرة لما يشير لوجود سليم.
فهل من إدراك لمحنة التشخصن الانفعالي السقيم؟!!
واقرأ أيضاً:
التعرية والتورية!! / ريحٌ صَرْصَرْ !! / معنى الحج!! / الكراهية أسهل من الحب!!