حياتنا مرآة أفكارنا... تلك حقيقة يومية نعيشها ونمارسها عبر الأجيال، لكننا لا نعيها أو نتلمسها ولا نراها بوضوح، لكي نصنع الحاضر والمستقبل وفقا لما نراه ونتصوره. فالمحيط الحياتي، إنساني أو حيواني، تنعكس فيه أفكار المخلوقات المتفاعلة فيه. وأي مجموعة بشرية مهما صغرت أو كبرت، تعكس ما فيها على المحيط الجغرافي والاجتماعي الذي تكون فيه. ولا يوجد سلوك بشري إلا وارتبط بفكرة فاعلة في الأعماق، ومُعبَّر عنها بالسلوك الفردي والجماعي.
<div 814px;"="">
ويبدو أن إغفالنا لهذه الحقيقة الحياتية والوجودية الكبيرة، تسبب لنا بالكثير من الانحرافات الفكرية وبتشوهات الرؤى والتصورات، وصناعة محيط مضطرب متفاعل بسلبية شديدة، أدت إلى نتائج مخيبة لآمال الحياة.
إن البشر مخلوق يفكر ويتميز عن باقي المخلوقات بهذه الذهنية الخلاقة القادرة على استحضار الأفكار والتعبير عنها في محيطه الخارجي.
وبسبب الأفكار البشرية نعيش في عالمنا المادي المعاصر، ونغفل أن كل ما هو قائم من حولنا عبارة عن أفكار تم التعبير عنها ماديا وتحويلها إلى حقائق قائمة تحت الشمس.
ومن الأفكار المادية التي نراها ما هو مفيد لنا ومنها ما هو قاتل ومدمر، كالأسلحة الفتاكة وغيرها من وسائل الدمار والخراب والامتهان المهين. وعندما ننتقل من الرموز المادية للأفكار إلى تعبيراتها الفعلية والسلوكية، فإننا سنواجه ذات القاعدة، وهي أن السلوك تعبير عن أفكار موجودة في عقولنا ومنغرسة في أعماقنا، ومتوارثة من الأجيال والثقافات التي تم حشو رؤوسنا بها وتربيتنا على منوالها وتصوراتها، مما خلق عندنا أنماطا سلوكية مرتبطة بها، حتى تحولت الكثير من سلوكياتنا إلى عادات وتقاليد وأعراف.
كما أن التفاعل البشري قد تمت صياغته وفقا للأفكار القائمة في رؤوسنا. وصار استقبالنا للمنبهات الخارجية مرتبطا بقوة بمنهج تفكيرنا، وأنماط استجاباتنا التي نسميها في أكثر تعبيراتنا عادات، لأنها قد تجاوزت مرحلة الوعي والإدراك وتجذرت في الخلايا الدماغية وأصبحت استجاباتها آنية على المنبهات.
ومما هو معروف أن الأفكار تصنع لها مشاعر وعواطف مرتبطة بها، وتتفاعل هذه الأحاسيس لتحقق الفعل أو السلوك المترجم للفكرة المدَثرة بالعواطف سواءً كانت سلبية أو إيجابية، أي أن هناك ارتباط عضوي ما بين الفكرة والعاطفة والفعل أو السلوك، الذي يكون معبرا عن الفكرة بكل طاقاتها الانفعالية المكتسبة من خلال المؤثرات المحيطية والذاتية، التي تسببت في صناعة السلوك المعلوم.
وعليه فإننا نجسد بصورة مباشرة أو غير مباشرة الفكرة التي نحملها بسلوكنا وما نقوم به من أفعال. ولا يمكن لعاطفة أن تتحقق من غير فكرة، كما لا يمكن لسلوك أن يكون من غير فكرة وعاطفة. وهذه الثلاثية المتماسكة هي التي يكون حصيلتها النهائية سلوكنا الفردي والجماعي. وعندما ننظر إلى ما يجري وفقا لهذه المعادلة السلوكية، نرى أن الأفكار السلبية قد لعبت دورها الخطير في تشكيل عواطفنا ومشاعرنا وترتيب أحاسيسنا، وكيفيات استقبالنا ورؤيتنا للأحداث والمتغيرات والتفاعلات من حولنا.
وبسببها صارت أفعالنا وسلوكياتنا المختلفة مرآة لتلك الأفكار، التي توطنت أو تسربت إلى رؤوسنا، واستحوذت على وجودنا، وشكلت الواقع السقيم، الذي تحول فيه البشر إلى ضحايا وهم لا يشعرون بسبب طغيان غريزة البقاء الشرسة، وتواصل ضخ الأفكار السلبية وتشكيل العواطف المتوازية معها، فصُنِعَت مأساة الحياة وويلاتها المتفاقمة. ومن المفيد أن نمحص أفكارنا ونرى السلبي منها ونحاول تحديده وتغييره، ونجتهد بإحلال أفكار إيجابية مفيدة محله.
وعندنا في كتاب الله تعالى وفي أقوال جهابذة الفكر والدين من الأفكار الإيجابية ما يساهم في طرد الأفكار السلبية وإحلال الأفكار الإيجابية عوضا عنها. ففي القرآن الكريم نجد أفكارا تطرد كل فكرة سيئة يُعبَّر عنها اليوم بالمشاعر السلبية والأفعال الإجرامية، التي لا تتفق ومبادئ الحياة الإنسانية، ورسالات السماء النقية الخالية من التشويه، وتردع نشاطات البشر الذي حوّل المُثل والقيم النقية إلى عثرات ومصائب وويلات من أجل تحقيق رغباته الفاسدة، ومطامعه البائسة وفقا لنداءات أمارة السوء الفاعلة في كيانه.
ومن الواضح والأكيد بأننا يمكننا أن نغير ما حولنا عندما نغير أفكارنا، لأن الواقع مرآة لما فينا، وكلما كان الذي فينا جيدا كان الواقع جيدا والعكس صحيح أيضا. وتغيير الواقع من حولنا ليس صعبا ومستحيلا لكنه ممكن ويسير ويحقق النتائج الصحيحة بوقت قياسي، وذلك يكون بالطرق المتواصل على الأفكار الإيجابية وترديدها في كل مكان ومنبر، كوسائل الإعلام المختلفة وعلى لسان رجالات الثقافة والسياسة والأدب والفن، وبإشاعة الأفكار الإيجابية ستنكمش الأفكار السلبية وتقل التعبيرات السلوكية عنها، ويعيش المجتمع بأمن ومحبة وسلام وتتحقق السعادة والتقدم، ويكون أبناء الوطن في أحسن الأحوال.
واقرأ أيضاً:
معنى الحج!! / التشخصن الانفعالي!! / الكراهية أسهل من الحب!! / التعارض والعداء!!