إنهم معارضون وليسوا أعداء"
التعارض والعداء تفاعل قائم في المجتمعات البشرية منذ الأزل، والعلاقة ما بين الحالتين دقيقة وحساسة، والمقصود بالمعارضة عدم التوافق مع نظام الحكم القائم في أي مجتمع. وتأريخ الشعوب يتكلم بلسان المعتقلات والزنزانات والمشانق عن مسيرة الفتك السياسي المتوحش للمعارضين، لأنهم لا يمكن رؤيتهم إلا على أنهم أعداء ويطمحون لأخذ الحكم والجلوس على كرسي السلطة، الذي تعتبره القوة الماسكة بزمام الحكم حقها المطلق.
ولا تزال الشواهد شاخصة في مجتمعات نحسبها متحضرة ومتقدمة، لكنها استوعبت الحالة التفاعلية وتوجهت نحو الديمقراطية، وأرست قواعد الحكم المحددة بفترات زمنية وبضوابط قانونية ودستورية تمنع احتكار السلطة وتمركزها بقبضة واحدة، بل أن من أهم مقوماتها أن يتحقق تبادل دستوري للسلطة. ولهذا فإنها أسقطت من مفاهيمها ومصطلحاتها السياسية الخلط ما بين المعارضة والعداء، فالمعارض ليس عدوا للسلطة، وإنما هو من ضرورات صحة وقوة وصواب السلطة الحاكمة، لأن المعارض سيكون العين الواعية لكل انحراف وعدم انضباط وفساد في الحكم.
وعليه فإن الحرية أطلقت للصحافة لتراقب وتوصل الحقائق للناس، ولكل معارض فرد أو مجموعة أو حزب أحق بل وواجب الإفصاح عن الرأي لتقويم وإظهار أخطاء الحكام، وهذه من العلامات الفارقة ما بين المجتمعات المتقدمة والمتأخرة التي لا تزال تخلط بين التعارض والعداء، فتحسب كل معارض عدوا عليها أن تقتله أو تعتقله أو تنفيه، ولهذا فهي تتخبط بالأخطاء والخطايا والتداعيات المريرة، وما قدمت خيرا لنفسها ولشعوبها، لأنها تستنزف طاقاتها في التمسك بالحكم والقبض المحكم على الكرسي ومناوءة المعارضين وإبادتهم.
وهذا السلوك لا يزال سائدا في المجتمعات التي ما وصلت إلى مستوى النضج السياسي الديمقراطي الإنساني المعاصر، بل إنها لم تستوعب مكنونات التأريخ وتعبر عنها بقدرات حضارية واعية. ولهذا فإن المجتمعات المبتلاة بهذه الآلية التنفاعلية السلبية، ستبقى في محنتها التقهقرية ومراوحتها في وحل الاستنزاف والعدوانية على بعضها، مما يساهم في إشاعة التمزق والفرقة وتعزيز الضعف والاتكال على الآخرين، والركون إلى التبعية وتحقيق مصالح الغير، على حساب مصالح الشعب والوطن.
فهل سترتقي بوعيها إلى مفاهيم المعارضة المعاصرة، وتقتلع وهمَ الحكم المطلق والسلطة المطلقة، وتؤمن بحقوق الإنسان وإرادة الشعب ومناهج تبادل السلطة والحكم، وعدم حصر القوة بقبضة واحدة آثمة مذعنة لأمّارات السوء المعتملة فيها؟!!
واقرأ أيضاً:
التشخصن الانفعالي!! / الكراهية أسهل من الحب!! / حياتنا مرآة أفكارنا!! / السلوك المنفعل!!