هل للعقل حدود؟!!
سؤال يسافر في أغوار الأزل ويمتد إلى آفاق الأبد، والأجيال تتساءل وتُضلل بأنها تمتلك عقلا محدودا، وعليها أن ترتع وتقبع وتخنع وتنطمر بالسكون وتتمتع بالقنوط، والاستكانة للمتاجرين بالأديان والعقائد والذين يوهمونهم بأنهم يحتكرون الحقيقة، وعندهم مفاتيح الغيب والمجهول الذي بسببه تحولت البشرية إلى أجيال دمى وطوابير رعاع، تُقاد إلى سوح المجازر والحروب والهلاكات المبرقعة بالشعارات الدينية والغيبية.
وقد استغل منطوق المحدودية العديد من المُدعين بالمعارف الدينية وغيرها من المعارف، التي يستعبدون البشر بواسطتها ويحولونهم إلى بضائع في أسواق الدجل والبهتان المقيم. وفي واقع العقل البشري أنه كوْني الطباع مطلق الإتساع لا يعرف الحدود والحواجز والجدران، لكن يمكن تحديده وتنميطه وتقنينه وصبه في قوالب ذات هياكل عاطفية وانفعالية ثخينة.
فالعقل البشري موجود مطلق وصيرورة متنامية متألقة متطورة متصاعدة، وقادرة على الوصول إلى مديات فائقة الاتساع والامتداد، فلا حدود للعقل، ولو أن العقل محدود لما وصلنا إلى ما نحن عليه من ثورات عقلية متراكمة، ومتسارعة في آفاق الابتكار والتخليق المتنوع للموجودات المشاركة في حياتنا اليومية.
والقرن الحادي والعشرون يحمل في عقوده ثورات كبرى في ميادين لا تُحصى ومتواصلة مع أنوار المطلق المديد. والدماغ البشري بحد ذاته جهاز لا يمكن تحديد ما فيه لمطواعيته، واكتنازه لطاقات وقدرات تواصلية لا يمكن تحديدها، وإنما هي قابلة لمطلق الاحتمالات والتفاعلات التي تساهم بتأكيد اللامحدودية وبناء ما هو جديد متجدد في فضاءات الوجود.
والعقل صورة مصغرة للكون الأكبر، و"الذين يتفكرون في خلق السماوات والأرض"، لدليل على أن العقل بحجم الكون المتسع الفسيح، ويمكن للمخلوق أن يكتسب درجات من الوعي والإدراك وفقا لقدرات اجتهاده وإعماله لعقله، وأكثر الناس معطلة العقول مشحونة النفوس بالعواطف والانفعالات، وتتصرف على أنها موجودات عاطفية لا عقلية، أي أنها تعطل عقولها وتوقد عواطفها وانفعالاتها.
وهذه الخصلة السلوكية السائدة المهيمنة على التفاعل البشري يتم استغلالها من أدعياء الدين خصوصا، فيقنعون بواسطتها الناس على أن عقولهم محدودة وقاصرة على فهم ما يقولونه ويأتون به، وما عليهم إلا أن يتبعوا ويقبعوا ويسترشدوا بهم، ويتنازلوا عن مصيرهم ومعنى وجودهم، فهم رهائن عند هذا وذاك لمحدودية عقولهم، ولو سألوا أحدهم وهل أنت محدود العقل أيضا، لغضب واعتبرها إهانة وخروجا عن آداب الطاعة والامتثال والقبول!!
ولسان حاله يقول، يجب أن تصدّق وتؤمن بما أقول لأن عقلك محدود، وبما أنك محدود العقل فلا رأي ولا موقف عندك سوى التبعية، أو تكون متهما بما أشاء من المخترعات الاتهامية التي ينتجها عقلي اللامحدود. ووفقا لذلك تم تسخير الدين للقبض على الناس وتطويعهم للكراسي المتسلطة عليهم، فالدين مُسخر لخدمة السلطة في جميع المجتمعات والأزمان، وفكرة محدودية العقل البشري من مخترعات أبواق السلطة المعممين الملتحين والمرائين، الذين يتنعمون بدنانير ومكارم وليّ نعمتهم الذي يتعبدون في محراب ظلمه وجوره باسم الدين، فولاهم ما تأصل الظلم وتسيّد الجور، وصار يسمى عدلا وإنصافا.
إن العقل مطلق والذين يحددونه أعداء الإنسانية ويتاجرون بالدين وأكثرهم مطايا للكراسي وأدعياء مآسي!!!
فكن مؤمنا بلا محدودية عقلك وعش إنسانا حرا كريما كما تدعوك بجوهر فحواها جميع الأديان!!!
واقرأ أيضاً:
الافترائية!! / السياسة والدين وأمة الأنين!! / حَضرَ التديّنُ وغابَ الدينُ!! / الكراسي العربية الغبية!!