تعرض الواقع الحضاري العربي لحريقين مروعين، أولهما عند سقوط بغداد والآخر عند سقوط الأندلس، وفي الحالتين تم الإجهاز على الفكر العربي، وذلك بإحراق الكتب التي قام به هولاكو في بغداد ومحاكم التفتيش في الأندلس، التي أبادت معظم ما أنتجه العقل العربي العلمي والمعرفي. وبعد هذين الحريقين المروعين، دخل العرب في محنة الضياع والخراب والتيهان والخنوع والاستعباد من قبل الآخرين، فبعد أن كانوا سادة الدنيا ومناراتها أصبحوا عبيدها وأذلتها والمتسولين في دروبها، فما قامت للعرب قائمة بعد الحريقين الحضاريين اللذين استهدفا الهوية العربية والعقل العربي والذات العربية في جوهرها ومنطلقات كينونتها الكبرى.
وأسهم العرب أنفسهم بإذلال أنفسهم وتمزيق وجودهم القوي، وقد بدأ ذلك المسار التدميري منذ أول حرب أهلية وقعت بينهم ومضت معاركهم الداخلية إلى يومنا هذا، وهي مؤيدة ومؤججة من قبل ذوي المصالح والأطماع والتطلعات. ولا يزال العرب لا يستفيقون من غفلتهم ويتواصلون العمه في دروب الخسران والهوان، وقد تجلى ذلك ببشاعة مقرفة في القرن الحادي والعشرين، حيث تتوفر الأسلحة المدمرة التي يشتريها العرب من أعدائهم، الذين يوفرون الأسواق المتنامية لاستعمالها وشراء المزيد منها.
وما يسمى بالانقطاع الحضاري أو نومة الأمة والتي تجاوزت الخمسة قرون، طفح فيها كيل الجهل والأمية وفاض حتى أغرق القرن الحادي والعشرين، لا يمكن إلقاء اللوم فيه على جهة واحدة، فأسبابه متعددة أولها العرب أنفسهم ومن ثم الحريق والحريق، وما أعقبهما من استعمار واستعباد للعرب من قبل أنظمة وإمبراطوريات متعاقبة، تفكر بمصالحها وقوتها ولا يعنيها من أمر العرب ووعيهم وثقافتهم شيئا، بل تجد في الإمعان بتجهيلهم وسيلة للسيطرة عليهم وامتلاكهم وترسيخ تبعيتهم وخنوعهم.
ومهما اجتهدنا باللوم وإسقاط الأسباب على الآخرين، فإن العلة في العرب وفي العرب دوما، وكأن فيهم طاقة سلبية تنخرهم وتقضي على وجودهم القوي، وإلا كيف يمكن تفسير ما حصل في القرن العشرين وما يحصل في القرن الحادي والعشرين، والعرب أكثر وعيا وثقافة ومعرفة مما كانوا عليه في بداية القرن العشرين؟!!
أ ليس العرب هم الذين يقومون بأفعال انتحارية مدمرة لما يشير إليهم ويدل على أنهم من أبناء العصر، وأنهم إندحسوا في الغابرات وما تعلموا كيف يؤسسوا للعقل العربي العلمي والصناعي والابتكاري والإبداعي الكفيل بتحقيق التميز الحضاري اللائق بالعرب؟!!
فالعرب احترقوا ومن عجائبهم أنهم يستطيبون الاحتراق، فيحرقون أنفسهم بنفطهم ويتمتعون بدخانه ولونه الأسود، فيذرفون الدموع ويلطمون وينوحون، ويرددون "هو الذي فعل"، والدنيا من حولهم في مهرجانات بهجة وإبداع وسرور وعمل!!
واقرأ أيضاً:
تحديد اللامحدود والعقل المصفود!! / الكراسي العربية الغبية!! / التاه - ريخ؟!! / العقل والدين!!