العلاقة وطيدة بين الإقلاق والإملاق، فلكي تفقر مجتمعا عليك أن تقلقه بأية وسيلة متاحة وفاعلة في حياته. والإقلاق سياسة معروفة اتخذتها القوى المهيمنة على الشعوب، لإشغالها بتفاعلات ضيقة واستنزافية ترهقها وتبدد طاقاتها وتمنعها من التفكير بحاضرها ومستقبلها، فتتحول إلى موجودات مقهورة ومأسورة بخنادق الويلات والتداعيات.
وأساليب الإقلاق متنوعة ومعروفة، ومن أهمها إذكاء نيران التناحرات ما بين أبناء المجتمع الواحد، ووفقا للقانون الذهبي الخالد "فرق تسد"، والذي ما تمكنت الشعوب المغلوبة على أمرها من بناء المناعة الداخلية ضده، وإنما هي من ضحاياه دوما وعبر مسيرات أجيالها المتعاقبة. والمنطقة العربية جمانة أرضية وجوهرة اقتصادية وغنيمة ثرية لا يمكن التفريط بها، أو عدم القبض عليها بقوة من حديد واستباحة مواردها ومصادر الطاقة الهائلة الكامنة فيها، مما يستدعي تحفيز عناصر ومفردات الإقلاق فيها، لإلهاء شعوبها ودفعهم لنسيان ثرواتهم وبلدانهم بل وكراهيتها والهروب منها، كما يجري في الواقع المعاصر الذي صار فيه الناس يحلمون بمغادرة بلدانهم والنقمة على ثرواتهم، لأنها تجلب لهم الحروب والصراعات والموت وتمنعهم من الحياة المعاصرة.
ومن أهم أسباب الإقلاق التي فعلت فعلها في الواقع العربي على مدى عقود هو الاستثمار بالطائفية والمذهبية والتحزبية، وتوفير ممكنات تأجيجها وتعزيزها وشحذها بالطاقات العاطفية والانفعالية اللازمة لمصادرة العقل والحكمة وقتل الحُلم. وقد مضت آليات الإقلاق على مدى القرن العشرين ولا تزال في ذروتها وحصادها الوفير، الذي صار الدم فيه هو الفاصل والعنوان، مما حدا بالمجتمع العربي إلى التشظي والتمزق والهوان، فوفر الحواضن اللازمة للشرور والعدوانية الذاتية والموضوعية، لأن الناس المهضومة الحقوق والتطلعات وُضعت في محنة القهر والفتلك بوجودها ومستقبلها، حتى فقدت الحياة معناها وقيمتها، فانحدرت إلى اللاأبالية والتدحرج الحائر فوق عثراء الدروب.
إن وعي مسببات ودواعي وتطلعات آليات الإقلاق الفاعلة في الواقع العربي، ربما تساهم في الوقاية من تواصل الانحدارات وتمنع المزيد من التداعيات، وقد تساهم بتوعية الأجيال وتحصينها من أوبئة الإقلاق وجراثيم الإملاق العاصفة في الواقع المعاصر. ولكي ننتصر على الإملاق لابد من تحدي عناصر الإقلاق، وتوفير الطاقات الوطنية اللازمة للاستثمار في المشاريع التي تقضي على الإملاق.
فلماذا الإملاق في بلدٍ كالعراق؟!!
واقرأ أيضاً:
نسمع ولا نصغي!! / التحدي ضرورة ارتقائية!! / العقل العربي وغرابة التحليل!! / كليبتوقراطية: نظام حكم اللصوص