هذه خاصية سائدة في المجتمعات المتقدمة ومعدومة في المتأخرة، وتبدو كعلامة فارقة متميزة، تفصل بين التأخر والتقدم. فالمجتمعات المتأخرة تئن وتتظلم وتتشكى من زيادة عدد السكان، وكأنها لا تعي ولا ترى الصين والهند والدول الأخرى ذات المجتمعات المليارية الأعداد، وقد أجادت ابتكار الوسائل الاستثمارية بالأفكار والإنسان وتطورت وتقوت بها وتمكنت من الحياة الحرة العزيزة الكريمة القوية. وقد رأينا ذلك واضحا في مجتمعاتنا التي تجهل قياداتها مهارات الاستثمار بالأفكار والإنسان، فتعود إلى مهارات بدائية عنوانها القتل والتهجير والقهر والتدمير والتخريب، ودفع البشر للقهر والتقهقر والتداعي في وديان الخسران، فتجتهد بالمظالم والتعويقات والصعوبات وتجنح إلى إذكاء الصراعات الداخلية، والحروب الأهلية والإقليمية التهجير للتخلص من الطاقات الشبابية، والبقاء في السلطة إلى وقت قد يطول توافقا مع شدة الدمارات الحاصلة في البلاد.
ومن المعروف أن الأفكار ثروة والبشر ثروة، والدول المتقدمة القوية تريد أفكارا وبشرا ولا يمكنها أن تحيا بدونهما، فحتى الصين أخذت تعيد النظر بتحديد النسل، بل وتسمح بالهجرة إليها، وكذلك اليابان، وما رأيناه في أوربا التي استغلت الهجرات العربية ووطنت الآلاف منهم، لأنها بحاجة للطاقات البشرية وما تحمله من أفكار وتطلعات إبداعية وابتكارية، ولديها ميادين وفرص الاستثمار بالطاقات البشرية الوافدة إليها، ولهذا فإن أوربا أقوى وأكثر قدرة على التحدي بهذه الطاقات البشرية العربية الواقدة إليها بالمجان.
أما العرب فإن الأمر لا يعنيهم ولا يمتلكون نظاما قادرا على العمل الاستثماري الجاد بالأفكار والبشر، وإنما يتحقق العدوان على الأفكار وتعطيل العقول، وكذلك الهجوم على البشر وتدمير وجوده وإذلاله وحكمه بالتبعية والخنوع والقهر بما يريد ويرغب.
ولكي يتحقق التقدم يستوجب العمل الجاد والمجتهد لاكتساب خبرات ومهارات معاصرة تؤهل العرب للاستثمار بالأفكار والإنسان، بدلا من هدر الطاقات الهائلة والتبرع بها لمجتمعات أخرى تحقق بواسطتها طموحاتها وتبني قدراتها، وتجدد شبابها وترفد ميادين حياتها بدماء جديدة وعقول منورة بالمعارف والأفكار الساعية لبناء الحياة الأقدر.
فالمشكل العربية الجوهرية يمكن تلخيصها بهذا الفقدان المتواصل لنسغ الصيرورة الحضارية الواعدة، وعلى الجميع أن ينتبه ويبتكر ويتعلم كيف يوظف الأفكار والبشر لبناء الحاضر والمستقبل الأفضل.
واقرأ أيضاً:
كليبتوقراطية: نظام حكم اللصوص / الذكاء أن ترى المستقبل!! / الماضوية والمستقبلية!! / نواعير الكراسي ودوّامات المآسي!!