"الناس نيام وإذا ماتوا انتبهوا!!" قول تأملي إدراكي عميق يُنسب للعديد من المفكرين والفلاسفة وغيرهم، وفيه دلالة تعبيرية عن حقيقة الواقع العقلي البشري، وهو يشير إلى أن العقول البشرية مبرمجة أو مؤطرة أو مخندقة ومصندقة أو مقولبة أي موضوعة في قوالب، ووفقا لما هي فيه ترى ما حولها وتبصر الأشياء وتعبر عن ذاتها المشكّلة أو المأسورة في قالب ما. والتقولب أي الانصباب في قالب معضلة سلوكية بشرية أزلية، ذلك أن الدماغ مطواع ولديه القدرة على التشكل والتصلد والتصمل، أو التبدل إذا تمكن من الخروج من قالبه المسبوق والدخول في قالب آخر، ربما ليس من السهل أن يتخذ شكله لأن آثار القالب القديم لا تزال راسخة فيه.
ويبدو التفاعل العقلي مع البشر كالسير في طريق يزدحم بالعثرات، فلا يمكنك الخطو من دون معاناة وأضرار وربما دمارات ذاتية وموضوعية، فالأدمغة البشرية كالصخور الصماء، إنها لا ترى ولا تسمع لكنها متأهبة للتناطح والتصادم الشديد، خصوصا عندما تتمترس بتروس عاطفية انفعالية مسبوكة في أوعية التكرار والترسيخ منذ الصغر. فالذي يؤمن بعقيدة ما تم ترويضه وقولبته في قوالبها منذ الطفولة، سيكنز حواجز انفعالية ذات انفجارية عالية بوجه الذي يتجرأ على المساءلة، واستحضار بعض المنطق العقلي لتصحيح ما يراه لا يصلح للزمان والمكان، وينتهي التفاعل إلى تنافر وإطلاق للمشاعر السلبية النكراء، فتتحقق الكراهية ويتنامى العدوان.
كنت في مطعم فسأل زميلي صاحب المطعم عن الصورة وكانت "تاج محل" لكن زميلي شكك بها فسأله عنها فأكدها، فقلت تبدو وكأنها مسجد جميل، فثار صاحب المطعم بوجهي بانفعالية هائلة، ينكر فيها أن للبناء علاقة بمسجد وراح يشرح القصة المعروفة، فقلت أن في داخل تاج محل آيات قرآنية وكتابة بالعربية حول ضريحي الرجل وزوجته، فازداد صاحب المطعم انفعالا، فسألته عن ديانته فقال إنه من كذا ديانة، ففسر لماذا استشاط غضبا. وراح زميلي يحدثني عن وجوب عدم عودتي لمطعمه مرة أخرى، مع أني من زبائنه الدائمين!!
وهذا مثل على التقولب والتكهرب بالأفكار المحشوة في الأدمغة والمقرونة بطاقات انفعالية سلبية، فهذا الشخص قد تربى على إقران الإسلام بالكراهية والعداء، ولا يمكنه أن يستوعب الكلمة إلا أنها يجب أن تواجه بعنفوان انفعالي ونكران عاطفي شديد. وقس على هذا ما يحصل بين مذاهب ومدارس الدين الواحد، فكل حالة تقترن بعواصف وأعاصير عاطفية انفعالية تقولب أو تأسر صاحبها في قبضة قوالبها الإدراكية، وتدفع إلى سلوكيات متوافقة مع نوازعها ودوافعها الوهمية الهذيانية المنحرفة.
ووفقا لهذا فإن البشر منوّم ومخدر بالآليات القولبية، وهو يمضي أيامه كأعمى بصيرة وإن لم يكن أعمى بصر، وحال اقتراب الموت تخمد النيران العاطفية والسورات الانفعالية، فيتحرر العقل وتبدو الصورة واضحة ولكن بعد أن ألفى أن كل تميمة لا تنفع.
وهذه حالة مصيرية تتكرر على مر الأجيال وما تمكن البشر من التحرر من أصفادها المريرة.
فهل للعقل دور والعواطف ذات أجيج صاخب؟!!
واقرأ أيضاً:
التكريه بالعرب!! / حيتان كبيرة وأسماك صغيرة!! / الحياة تحكمنا!! / القوى الكبرى تريد استثمارا بالمشاكل لا حلا لها!!