الدنيا نهر يجري باندفاقية عارمة، والعرب كالبرك الساكنة المستنقعة، والتي تتكاثر فيها العظايا وتأكل موجوداتها بعضها البعض. الدنيا تتحرك والعرب يتجمدون في ذات المكان والزمان، ولا يمكنهم الخطو إلى أمام أو إدراك أن الزمان يتغير وأنه غير ذاك الزمان، وأن هناك البارحة واليوم وغد، قد يقولونها لكنهم لا يدركون أبعاد الزمن الثلاثة، ويحسبون كل شيء في نقطة اندحسوا فيها إلى حد الفناء.
العرب في القرن الحادي والعشرين يتحدثون معك بلغة القرن السابع أو الثامن، وما تمكنوا من الانتقال إلى قرون أخرى ومعرفة قيمة الزمن وقوانين الحياة، فهم في محنة فكرية ونفسية وروحية واعتقادية هلاّكة، شديدة الإضرار والخراب والدمار. وكأنهم لا يبصرون أن الزمن يخضع لإرادة الدوران، التي تفرض التبدلات والتفاعلات المتجددة المتوافقة مع نبضات الحياة وإيقاعات البقاء والرقاء.
وتلك حقيقة دامغة وكينونة قاسية عاصفة في أروقة الوجود العربي، والتي تملي رؤى وتصورات وسلوكيات تتعارض ومعطيات الزمن، الذي يصنع فرضياته القاضية بالتوالد والتواجد في كيانات ذات قدرات تواشجية وتفاعلية وفقا لما تحتويه من الطاقات والقدرات، التي عليها أن تفرضها على ما حولها وما هي فيه من الحالات والصيرورات الكيانية.
ونجد أمثلة كثيرة عن التجمد العربي أو التجلمد في كيانات إتلافية انقراضية، ما يحصل في التحزبات والتمذهبات والتعصبات والتقوقعات السلوكية المتخندقة ضد بعضها، وما يبدو واضحا في اللغة المنطوقة والمكتوبة، فالصحف ووسائل الإعلام تزدحم بالمقالات والخطابات والدراسات التي تعبّر عن الجمود والتجلمد الشامل، الذي يكتنف الوجود العربي ويسخره للإتلاف والانقراض الأكيد.
فالسلوك العربي محكوم بثوابت عفى عليها الزمن وما عادت صالحة للحياة المعاصرة، وإنما هي عاهات وانحرافات واعتداءات على حرية الفكر والقيم الإنسانية، لأنها مندحرة في ذات الجحر الذي انطلقت منه ذات يوم، وما حسبت بأن البشرية قد تجاوزت العيش في الجحور ومضت تتفاعل مع ضوء الشمس وأنوار العقول.
فهل من حركة ففيها البركة والحياة!!
واقرأ أيضاً:
الجنس والكراسي!! / هل تغيرت العقلية لتعقل الحلول؟!! / تبديد الطاقات!! / الدين والدنيا!!