عندما أقرأ ما يُكتب في الصحف والمواقع والكتب، وأستمع للخطب والتصريحات والمحاضرات بأنواعها، وحتى الشعر، وأشاهد الأفلام والمسرحيات وأتابع المفكرين وذوي اللحى والعمائم المدعين بتمثيلهم لدين، أتساءل عن قيمة الحياة، وأمضي أبحث عنها فلا أجدها إلا فيما قل وندر!! فالواقع يكاد يخلو من قيمة الحياة في جميع النشاطات القائمة فيه، وبسبب هذا الغياب فإن السلوك الحاصل يعبر عن هذا الفقدان.
فابحثوا معي عن قيمة الحياة حولكم، هل ستعثرون على شيء منها؟!!
مدن بأحيائها تغطس بالنفايات، متسولون يملؤون الشوارع والحارات، ومظالم وانتهاكات لحقوق الإنسان، وإعدامات بالجملة وأعمال إجرامية مفلوتة العنان، وبشر يبحث عن لقمة عيش ومرهون بالحاجات، بل مكبل بالهموم والتهديدات، ويخشى أن يقول رأيه أو يطالب بحقوقه المتعارف عليها بين مجتمعات الأرض.
فالرعاية الصحية متدنية وأسباب راحة المواطن متردية، وقدرات توفير فرص حياة حرة كريمة مستعصية، ودفن الناس بالهموم متنامية، ولا جديد في الأمر لكن الناس قد تعودت وصارت تحسب ما هي عليه من رزاءة الأحوال أمرا عاديا، أو أنها تشعر بأن عليها أن تستلطف الشر الذي هي فيه تفاديا لشر أقسى منه وأمَر، وبهذا فهي بلا قدرة على ممارسة الحياة، وإنما تذود عن حياتها من الحياة.
فالواقع السياسي يحتشد برؤى وتصورات تجريد الحياة من قيمتها وأهميتها، وإعلاء قيم الموت والضعف والقنوط وتفريغ الأيام من أي معنى إيجابي ودور ضروري لصناعة الوجود الأفضل والأجمل، ويساهم في هذه النمطية التصورية العديد من أصحاب العمائم واللحى الذين يتاجرون بالدين، ويمارسون رغباتهم المحكومة بأمارة السوء الفاعلة فيهم، التي تغريهم بالشرور وتزينها لهم على أنها الخير والفضيلة وما هي إلا أوجه نتنة من الرذيلة الحمقاء.
ولهذا تجد الواقع يعج بالويلات والتداعيات والأحزان والدموع والتفاعلات السلبية القاسية، التي تناهض الحياة وتستدعي الموت وتستحضر الأموات، وتساهم في إقامة مهرجانات البكاء وذرف الدموع والقسوة على الذات، والتفنن بالبدع النكراء الخالية من معنى الحياة، وتصويرها على أنها إثم وخطيئة وبلاء. ولا يمكن للناس أن يدركوا قوتهم وقدرتهم في الانطلاق والتواكب والحضور المعاصر، إن لم يعيدوا للحياة قيمتها وأهميتها ويعترفوا بقيمة وحقوق الإنسان، وبإقامة العدل وعدم الركون إلى الظلم والتعبد في محاريب الكراسي وعروش السلطان الذي ينفلت في أعماقه ألف شيطان وشيطان.
ولعنة الدنيا بما فيها على الذين يحتكرون الحياة ويحرمون الملايين من تذوق بعض طعمها وقيمتها وأهميتها، بل ويخطفون منهم جوهرها ومعانيها، فالحياة لهم والموت للناس أجمعين، فأية أنانية وعدوانية يتم ممارستها باسم الدين؟!!
واقرأ أيضاً:
نكتب ولا نقرأ؟!! / السيادة المنقوصة والدول المرهوصة!! / التنافس والترافس!! / تنبؤات ديزي!!