سؤال يستحق النظر والتحليل، لأن الواقع البشري يؤكد كينونته من خلال هذا الوعي والإدراك العملي لأيهما أولا. فالحال العربي يشير إلى أن الرؤية السائدة هي أن الأموال أولا، لكن الأموال لم تقدم خيرا للعرب، وإنما أوصلتهم إلى ما هم عليه من سوء الأحوال وخيبات المآل. والتفكير السياسي العربي مأسور بنمطية الأموال أولا، فالحكومات تقف جامدة عندما لا تتوفر الأموال، وإن أمسكت بها فإنها تسخرها للدمار والخراب، وتعجز عن العمل الاستثماري الصحيح الكفيل بالنماء والرقاء.
بينما الواقع الآخر المتمثل بالدول المتقدمة والمجتمعات المتفاعلة مع الحياة تضع الأفكار أولا وتمنحها القوة والسيادة، لأن الأفكار تلد الأموال وتصنعها، أما الأموال فإنها قد تعطل الأفكار كما يجري في الواقع العربي، الذي بلّده النفط بما يجلبه من أموال سهلة وسخية. فالحقيقة أن الأموال مولودة من رحم الأفكار، وكلما تمكنت المجتمعات من الاستثمار بأفكارها كلما تقدمت وتطورت وازدادت ثراءً وتعاظم اقتصادها. فالصين واليابان كانتا لا تملكان أموالا، وإنما أفكارا تحقق الاستثمار فيها فانطلقت القوة الاقتصادية وتوافدت الأموال بكميات مطلقة.
وعند العرب الثروات والأموال لكن رؤوسهم تكاد تخلو من الأفكار، وهم في نمطية إدراكية خائبة لا تعرف تعدد الخيارات، وإنما محكومة بإرادة إما وأو القاهرة التي تؤطر سلوكهم وتتحكم بتفكيرهم، وبسبب ذلك فإن العرب لو امتلكوا أموال الدنيا فإنهم لن يتقدموا ويتفاعلوا بمعاصرة، لأن رؤوسهم مقيدة وممنوعة من التفكير الحر، وتميل للخرافة والأضاليل والتصورات البهتانية فترعرعها وتستثمر فيها، مما يؤدي إلى تداعيات خطيرة ومريرة يعيشها العرب اليوم.
ولكي تتحقق الحياة المعاصرة لابد من أفكار متناسبة معها، وقادرة على رعايتها وتنميتها والتفاعل الإيجابي معها، فالأفكار تتوالد وبتوالدها تتنامى الموارد الاقتصادية المتصلة بها. ولهذا فإن علينا أن نؤمن بالأفكار ونحررها ونستثمر فيها ونطورها، لكي نكون بحق أثرياء ونمتلك اقتصادا قويا ومؤثرا في مسيرة الأجيال، أما الاعتماد على الأموال المجردة من الأفكار فإن ذلك سلوك بدائي وانقراضي واستحلابي، وإبادي للمخزون المالي الذي سينضب حتما مهما تعاظم حجمه.
فهل سنتعلم كيف نجعل الأفكار تأتي بالأموال؟!!
واقرأ أيضاً:
احترامي للحمير!! / وطن تشيّده السواعد..!! / رهائن قال!! / قميص الانحطاط!!