تكررت في قرى مصر ونجوعها حكاية اشتعال الحرائق في البيوت دون سبب واضح ودون معرفة الفاعل، وتناقل البسطاء روايات كثيرة منها أن أهل القرية شاعت فيهم فاحشة زنا المحارم، أو أنهم لا يخرجون الزكاة، أو أن مساجدهم أصبحت خاوية خاصة في صلاة الفجر، أو أن أحدهم ضرب كلبا أو قطة أو قتل ثعبانا أو فأرا وأن هذه الكائنات لم تكن إلا من فصيلة الجن ولكنها تشكلت، وهي الآن تنتقم منهم. وآخر بيت اشتعل فيه الحريق ذكروا بأن صاحبته ألقت بماء ساخن في دورة المياه مما آذى سكانها من الجن فأصيب أهل البيت كلهم بالأذى ثم اشتعل الحريق في بيتهم بعد ذلك.
ومما يؤكد فكرة الشياطين لدى أهل القرية ما يجزمون أنهم رأوه وهو أن البيت كله اشتعل ولكن النار لم تصب مصحفا كان على المنضدة وآية قرآنية كانت معلقة على الجدار ومسبحة كانت فوق السجادة، ولهذا شاعت حالة من الخوف والفزع لدى أهل القرية وراحوا ينقلون أمتعتهم وأموالهم إلى قرى مجاورة أو يضعونها في ساحة المسجد، وأصبحوا يخشون النوم في بيوتهم، وجاءوا بشيوخ من القرية والقرى المجاورة يقرؤون القرآن ويتمتمون بالأدعية في أرجاء بيوت القرية خاصة ما تعرض منها للحريق لعلهم يطردون الشياطين والأرواح الشريرة التي تسكن القرية ولكن دون جدوى.
وحين حضر رجال الدفاع المدني والشرطة وخبراء البحث الجنائي قاموا بمعاينة البيوت المحترقة وتصويرها من كافة الجوانب وكتبوا كثيرا في الأوراق الرسمية ووعدوا أهل القرية ببحث الموضوع وطلبوا منهم الاتصال بهم في حال وقوع أي حرائق مشابهة في المستقبل وأعطوهم تعليمات للسلامة والأمان، ولكن الحرائق عاودت الظهور في نفس الليلة، فتأكد لدى أهل القرية أن الأمر خارج إمكانات البشر، وأن ثمة شيء آخر يجب فعله، ولم يستمعوا لأقوال مثقفي القرية ومتعلميها – وهم كثر – من أن العفاريت والأرواح الشريرة ليس لها علاقة بهذه الحرائق وأنه يتوجب البحث بالعقل والمنطق عن الأسباب الحقيقية لهذه الحرائق، وعلى حسب قولهم "اللي إيده في الميه مش زي اللي إيده في النار".
وهنا انبرى أحد أهل القرية ممن له معرفة بالجن والأرواح الشريرة وقال لهم : لا حل إلا باستدعاء الشيخ "علاء"، فإن له خبرة طويلة في إطفاء حرائق البيوت والقرى وذاع صيته في البلدان أنه قاهر العفاريت وقد نجح في الأعوام السابقة في منع ظاهرة الحرائق في الكثير من قرى محافظة الشرقية، وأنه لا يتقاضى أجرا عن ذلك وإنما يفعل ذلك لوجه الله والوطن والناس الغلابة والمساكين الذين لا حول لهم ولا قوة، فحاولوا الاتصال به ولكنه كان في أحد الدول العربية يمارس مهنته في قهر الشياطين والأرواح الشريرة، فتوسل إليه أهل القرية أن يعود فالحرائق مجهولة المصدر تنتقل من بيت إلى بيت، وقد عجزت كل الجهود الشعبية والرسمية في السيطرة عليها، فوعدهم بقطع زيارته المهمة والعودة إلى مصر بلده الحبيب لإنقاذ القرية مما ألم بها من شر.
وحين وصل قاهر العفاريت إلى مشارف القرية خرج أهل القرية يستقبلونه بالورود والتكبير والدعاء والزغاريد وقد وضعوا صورته في كل شوارع القرية، وحملوه على أكتافهم حتى وصلوا به إلى أول بيت اشتعل فيه الحريق وهو يتمتم بأدعية وكلمات، ثم طلب منهم أن يجلس في إحدى غرف البيت هو وإمام المسجد وكاهن الكنيسة، وأن يأتوا له بوعاء ملئ بالماء، وأخذ يقرأ ويدعو على الماء، ويرش الماء في أرجاء البيت، ويهدد ويتوعد الأرواح الشريرة التي سكنت البيت وآذت أهله، وانتابته حالة من السكرة ثم أفاق وخرج على الملأ الذين ينتظرونه في ساحة القرية: اطمأنوا، لن تقوى الشياطين والأرواح الشريرة عليكم بعد اليوم، أستطيع أن أؤكد لكم بنسبة 90% أن الحرائق لن تعود، وتستطيعون الآن العودة إلى بيوتكم وإلى مصالحكم آمنين، وأنا سأعود لكم مرة أخرى بعد أسبوعين لأتابع الموقف بنفسي، وهنا شعر أهل القرية بالقلق حيث ستبقى هناك احتمالات 10% لعودة الحرائق، ولذلك تعالى صراخ أهل القرية خاصة من النساء: نرجوك لا تغادر القرية الآن بل ابق معنا حتى تختفي العفاريت تماما وتتوقف الحرائق ولك منا ما تشاء ونحن رهن إشارتك، فرد عليهم بصوت خفيض مطمئن: أستغفر الله أنا لا أتقاضى شيئا عن هذا العمل، هو لوجه الله ولأجلكم أنتم. وتحت إلحاحهم قرر البقاء.
واقرأ أيضًا:
أصداء رحلة ماليزيا5 / المعنى النفسي لليلة القدر 1439 هـ