وسواس النجاسة التطهر التطهير القهري1
واستكمالا ما زلنا نستعرض أشكال المبالغة في التعامل مع مفرزات السبيلين بين مرضى وسواس النجاسة/التطهير القهري ... ومن ذلك ما يلي:
7. المفرزات النسائية التحتية:
بالرغم من أن ما ينزل من المهبل أثناء الحركة أو الاستثارة اليومية العادية هو مزيج من إفرازات مخاطية لعنق الرحم، ولتعرق المهبل نفسه (ويقابل فسيولوجيًّا الانتصاب في الرجل والذي لا ينقض الوضوء في ذاته، إلا إذا صاحبه مذي) وبعض خلايا الجلد الميت وربما البكتريا دون مستوى إحداث عدوى، إلا أن المعتمد عند الفقهاء نجاسة غالب هذه المفرزات، ونقضها للوضوء، فما ينزل من المهبل عند الاستثارة هو المذي وهو نجس قطعًا؛ بينما الإفرازات التي تكون لترطيب المهبل مختلف فيها، ... والمشكلة أن التفريق صعب جدا هنا ففي حالة وجود استثارة خفيفة وعابرة قد يخرج المذي وقد لا يخرج بينما من الطبيعي أن تزيد الإفرازات المهبلية الأخرى أو بالأحرى رطوبة الفرج.
بالنسبة للموسوسة تكون النتيجة تبديل الثياب الداخلية وغسلها وتكرار الوضوء أو الاغتسال، وتكون كذلك وساوس وقهورات التفتيش، وكثيرات كن يلجأن لوضع قطعة أو قطعتين من الثياب الداخلية احتياطا في حقيبة اليد، وقد بدأت الشركات إنتاج الحفاضة اليومية لغير أيام الحيض مما ساعد على تخفيف الصعوبة التي تلقاها الموسوسة، ومن الموسوسات من تلجأ إلى تحاشي مشاهدة التلفاز أو سماع الموسيقى أو أي شيء قد يسبب إثارة فإفرازات...إلخ. فهناك من البنات والسيدات من يعانين من زيادة الوعي بالمهبل وما ينزل منه أكثر من اللازم وبعض الموسوسات يكون دافعهن التطهر لغرض العبادة وبعضهن يكن موسوسات بالنظافة أو بالخوف من العدوى...إلخ.
التعامل مع دم الطمث (الحيض) والتطهر من الحيض:
الموضوع الأول للوسوسة هنا هو التعامل مع نجاسة دم الحيض، فكثيرًات يشعرن بهلع من دم الحيض ويتعاملن معه وكأنه نجاسة فوق النجاسة، فنجد صورا شتى من طقوس التحاشي:
1- من تغتسل كل مرة بعد قضاء الحاجة طوال فترة الحيض.
2- من تتحاشى لمس أفراد أسرتها طوال فترة الحيض
3- من تتحاشى لمس أي أنثى إذا عرفت أنها حائض وأول من يتم تحاشيهن هن الأخت أو الأم ...إلخ.
4- من لا تلمس أي شيء من أدوات المطبخ أو الملابس أو قطع الأثاث أو كل ذلك، فإن استطاعت لا تلمس شيئا، وإن اضطرت فإنها تغسله مرارا طوال فترة الحيض.
وأما الموضوع الثاني فهو متى ينتهي الحيض؟ فهناك إفرازات بألوhن مختلفة يمكن أن تلي دم الحيض وأحيانا تختلط ببقاياه ربما بتركيزات مختلفة.. ولهذا السبب نجد موسوسات بانتهاء الحيض ووجوب الطهر منه أي الغسل ثم بإعادة الغسل عند رؤية إفرازات أو بقايا وهناك من تعيد الاغتسال وهناك من تعيده وتبقى تترقب نزول إفراز آخر...إلخ.
8. الشك في خروج ريح:
الشك في خروج ريح -والذي غالبًا ما يليه تكرار الوضوء باعتباره مبطلا للوضوء- هو من أكثر أعراض الوسواس القهري الدينية في المسلمين حدوثًا أثناء و/ أو بعد الوضوء و/ أو أثناء الصلاة (وأحيانًا أثناء الطواف بالكعبة المشرفة)، وكانت نسبة حدوثه (72%) في عينة من دراسة مبكرة قمنا بها، ويتسبب الخوف من خروج الريح في عددٍ من الإجراءات الاستباقية وسلوكات التأمين المختلفة منها ما يتمثل بداية من الإطالة في الإخراج أثناء التغوط وتحاشي أطعمة معينة أحيانا وكل الطعام غالبا في حالات الوسوسة الشديدة في الوضوء ... فحتى لا يضطر لتكرار الوضوء يلجأ الموسوس إلى عدم الأكل (وأحيانا عدم الشرب) إذا كان سيصلي في المسجد أو يوميا حتى يصلي العشاء ! وهناك من يعصر بطنه قبل الوضوء وهناك من يصبح خبيرا بكيفية تحريك الأمعاء.... وهناك من يقوم ببعض الحركات بيديه على بطنه ويهز نفسه قليلا قبل الشروع في الوضوء ... حتى تصبح لازمة قهرية قبل كل وضوء كل هذا مخافة أن تداهمه وسوسة بالريح أو بنزول النقطة أثناء الوضوء أو الصلاة.
ثانيا النجاسة في غير مفرزات السبيلين :
1. نجاسة الكلب:
ضمن المبالغة في طقوس التحاشي والتطهر من النجاسات ما يتعلق بنجاسة الكلب وهي في الفقه الإسلامي نجاسة مغلظة عند البعض ومثلها كأي نجاسة عند البعض الآخر؛ فنرى من الموسوسين طقوسًا عجيبة ومتباينة، وفيها كثيرٌ من التفكير بطريقة قانون الانتشار السحري ربما أعجب من انتشار البول ولعل ذلك راجعا إلى كون الكلب كائنا يتحرك، إلا أن مما لاحظته أن النجاسة التي تنتقل سحريا في ذهن الموسوسين مثلا بعائلة بأكملها أو بمسجد أو بقرية أو مدينة ... كانت دائما إما نجاسة الكلب وإما نجاسة المني لكنها أكثر ارتباطا بالأولى.. ربما لأنها توزن أثقل في العقل كونها لا تزال فقط بالماء وهو المفهوم الشائع عن الأغلبية في مصر تأثرا بحديث سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام الذي رواه أَبِو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه : "إِذَا شَرِبَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولاَهُنَّ بِالتُّرَابِ".وفي رواية أخرى "وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ فِي التُّرَابِ" صدق صلى الله عليه وسلم،
وأشكال وساوس تحاشي التنجس وتكرار التطهر أو التطهير عديدة ولا شك أن في اختلاف المذاهب الإسلامية الأربعة على أحكام نجاسة الكلب دورا في هذا، فهناك من يتحاشى الكلب كله لأن شعره نجس أو لأنه كله نجس وهناك من لا يتحاشى إلا لعاب الكلب لكن التحاشي نادرا ما يقف عند حدود حدوث التلامس المادي بين الكلب وما يراه المريض تنجس بل يتعدى ذلك بكثير... حتى نجد من يصل إلى غسل السيارة لأن كلبا مر حولها أثناء تفتيش أمني ! أو لأن كلبا نام تحت السيارة، وهناك من يتحاشى بناية بكاملها وكل من يدخلها أو يتعامل مع ساكنيها....، وهناك من لا تنتج قهور تطهير نجاسة الكلب لديه من وجودها أو احتمال وجودها فقط وإنما مجرد الشك في أن شيئا قد يكون تنجس يكفي للقيام بالتطهير.. إلخ... ولا يقتصر التحاشي هنا على المريض أو المريضة بل هو من وجهة نظر المريض يجب أن يشمل الأسرة كلها ! فإذا حدث ما يوقع الشك في قلب الموسوس بوصول النجاسة إلى شيء من مقتنيات المنزل تبدأ طقوس متتالية من التطهير.
12. نجاسة غير الكلب من الحيوانات.
ويكاد الخنزير يقف وحيدا من الناحية الشرعية هنا مع اختلاف الأئمة في من يرى نجاسته مغلظة تحتاج التراب في تطهيرها كنجاسة الكلب ومن يراها مخففة كأي نجاسة.... وليست الوسوسة بنجاسة الخنزير منتشرة في البلاد الإسلامية نظرا لعدم شيوع الخنازير في تلك البلاد... إلا أن المسلمين في المهجر يوسوسون بنجاسة الخنزير ضمن ما يوسوسون به من النجاسات، ولا يختلف الشكل الإكلينيكي كثيرا عن وسواس نجاسة الكلب، إلا أن دخول لحم الخنزير في مكونات الطعام في دول المهجر واضطرار بعض المسلمين العاملين في الغرب للتعامل مع مختلف أجزاء الخنزير ... ولحم الخنزير نجس بنص القرآن الكريم {.....أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ....} صدق الله العظيم، من الآية 145 سورة الأنعام.... ولا يقف الأمر عند الملامسة المباشرة للحم الخنزير بل يشمل الأطعمة التي في مكوناتها دهن خنزير والمحال التي تبيع لحم الخنزير أو منتجاته، وربما الناس الذين يأكلون منتجات الخنزير.
13. نجاسة الدم
رغم وجود خلاف بين الأئمة والمذاهب قديما وحديثا على نجاسة الدم البشري (غير المسفوح ومن غير مفرزات السبيلين) فإن الدم عموماً نجس، لكن تيسيرا على الناس، ولأن نزول الدم من الجروح يتكرر كان هناك بعض حالات العفو عن الدم، بحيث لا يؤثر على صحة الصلاة. وقد اختلفت المذاهب في التفصيلات وفي حالات العفو (أو الطهارة عند البعض)، لكن الذي يجمع بينهم أن هناك حالات لا يطالب فيها المسلم بالتطهير لأجل الصلاة، تيسيرا وتخفيفا،... لكن الموسوس يبقى في شك، ولا يقتنع أن حالة العفو تنطبق عليه، ويشك فيما يصيبه هل هو طاهر أو داخل ضمن حالات العفو أم لا؟ ويعود لدوامة الوسوسة التي يفسرها على أنها: احتياط يثاب عليه). ... وهناك من العاملين والعاملات في المجال الطبي والذين يتعرضون أو ثيابهم للدم من ينخرط في طقوس غسيل وتطهير متكررة، ومن الصور الإكلينيكية المتواترة في الحقل الطبنفسي صورة المرأة التي ترى دم الحيوان الذي تطبخه لأسرتها نجسا فتلجأ إلى طقوس التحاشي التطهر التطهير...
13. المواد النجسة كالخمر
الخمر نجسة نجاسة حسية باتفاق الفقهاء، ومثلها كل مسكر مائع، والكحول الإيثيلي من ضمن ذلك. لكن لكثرة استخدام الكحول في مجالات الحياة المختلفة الطبية والصناعية وغيرها، أصبح التجنب التام للكحول عسيرا شاقا، فانضم بذلك إلى الأشياء التي يعفى عنها في عدد من الحالات لعسر التحرز، "فالأمر إذا ضاق اتسع" فظهرت فتاوى حديثة متنوعة، فمنهم من أفتى بطهارتها مطلقا مستندا إلى رأي تفرد به بعض علماء السلف، وبعضهم قال إنها نجسة في أصلها، لكن يعفى عنها مطلقا في كل شيء لعسر التحرز عنها، وتوسط الأكثرية فقالوا إنها نجسة، يعفى عنها في الحالات التي لا يمكن الاستغناء عنها، أما إن أمكن الاستغناء فلا عفو.
البحث عن مكونات عقار، أو طعام، أو تركيب عطر أو مستحضر تجميل ليستخدمه المسلم المتدين ليس في ذاته من الوسوسة؛ إلا أن الوسوسة تكون في طريقة التعامل مع ذلك، (فليس كل دواء فيه كحول يحرم استعماله، وليس كل عطر دخله كحول يحرم استعماله بل هناك حالات عفو وضرورة...).... إلا أننا نجد الموسوس يفكر بطريقة تفكيره الثنائية فإما خالٍ منها تماما أو يجب تحاشيه، قليلٌ هو الوصول إلى هذا الحد من التعنت ولا يصله ويطيل المكوث فيه إلا موسوس متعمق (التشدد والتورع المرضي) ..... إلا أن كثيرين من مرضى الوسواس القهري المتعمقين يقرؤون مراحل تصنيع العقار فإذا صادف كحولا في إحدى المراحل حرمه على نفسه ! .. وقد رأيت شخصيا من كان معذبا بأثر نجاسة القرص الذي ابتلعه قبل القراءة جيدا عن التصنيع .. وكان يعتبر أثاث المنزل الذي لمسه أو استخدمه من بعدها تنجس.
إذن فالمصدر الرئيس للنجاسات المتفق عليها هو السبيلان، فلا خلاف في نجاسة البول والغائط والمذي والودي.(ويستثنى المني ورطوبة المهبل ففيهما خلاف)، ورغم وجود الخلاف في المني والمفرزات المهبلية فإن الأمر نادرا ما يمثل مشكلة لأي من المسلمين كل حسب مذهبه أو حسب ما تعلم، لكن الموسوس يقع في مشكلة فمشكلات فمثلا يتجه انتباه الموسوس إلى (نجسة عند البعض)، وليس إلى (طاهرة عند البعض)!!. ويبني على ذلك أسئلته ووساوسه وأفعاله القهرية.
وفي عملي كطبيب نفساني أجد أغلب حالات وسواس النجاسة التطهر التطهير القهري تنتمي إلى تلك المجموعة نظرا لاقتران المصدر بالإنسان ويومية التعرض، ويستثنى من ذلك الكلب كمصدر نجاسة مغلظة وله شكل خاص من التحاشي والتطهير، وإلى حد ما أيضًا يمكننا استثناء الدم من غير السبيلين كمصدر نجاسة أو من غير الإنسان والذي يفجر أعراض وسواس قهري ذي شكل معين أيضًا من وساوس التحاشي والتطهير.
المراجع:
1- مصطفى السعدني،(2007) : تاريخ اضطراب الوسواس القهري(10) منشور على موقع مجانين.كوم
2- إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان: محمد ابن قيم الجوزية: المكتبة التوفيقية-القاهرة، تحقيق: عبد الحكيم محمد عبد الحكيم.
3- وائل أبو هندي، رفيف الصباغ، محمد شريف سالم ويوسف مسلم (2016) العلاج التكاملي للوسواس القهري، البابُ الخامس: عرض تفصيلي لطريقة العلاج المعرفي السلوكي للوسواس القهري، سلسلة روافد 138 و139 تصدر عن إدارة الثقافة الإسلامية، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، دولة الكويت
ويتبع >>>>: وسواس التلوث والتنظيف علاج وسواس النجاسة القهري1
واقرأ أيضًا:
استشارات عن نجاسة الكلب / استشارات عن وسواس النجاسة / استشارات عن وسواس التطهر