يستهدف الحديث عن الطب العصبي النفسي توضيح العلاقة بين العلوم العصبية والنفسية، والقواعد السريرية العامة في الممارسة المهنية
القواعد العامة
يحدث أحياناً بعض الارتباك في الحديث عن النفس والعقل، ويتحرج البعض من استعمال مصطلحات مثل الحالة العقلية أو المرض العقلي ويستعيض عنها بمصطلح الحالة النفسية والمرض النفسي. ولكن مصطلح العقل أكثر شمولية من مصطلح النفس ومصطلح الاضطراب العقلي أو الحالة العقلية أكثر دقة.
يستهدف الطب النفسي دراسة الحالة العقلية وسلوك من يراجعه وتشخيص وجود حالة غير طبيعية. الخطوة الثانية هي تفسير الحالة العقلية والسلوك الغير طبيعي. عن طريق ذلك يستطيع الطب النفسي توقع مسار الاضطراب النفسي وعلاجه وتسخير الجهود للوقاية من المرض.
أما العلوم العصبية فهي تعني بدراسة بنية الدماغ ووظائفه المختلفة. إحدى مهام العلوم العصبية هي تفسير العلاقة بين بنية الدماغ ووظائفه والسلوك وذلك بدوره يشمل أمراض الدماغ المختلفة.
الطب النفسي عموما يركز على ثلاثة أبعاد في تشخيص الأمراض النفسية ودراستها ويشمل ذلك:
١- الأعراض الذهانية Psychotic المختلفة مثل الهلاوس Hallucinations والأفكار الوهامية Delusions.
٢- الأعراض الانفعالية أو العاطفية مثل الاكتئاب والقلق والهوس.
٣- أعراض تشير إلى عجز معرفي مثل الذاكرة والتركيز.
يمكن القول بأن المحطات الثلاثة التي يركز عليها الطب العصبي النفسي هذه الأيام هي:
١- الدوائر العصبية التي تفسر الأعراض.
٢- الخلايا العصبية في الدوائر العصبية.
٣- جينات تتحكم بالخلايا العصبية.
البداية
كانت بداية دراسة العلوم العصبية تركز على دراسة تركيبة مناطق الدماغ المختلفة والخلايا في الأمراض النفسية. كانت بداية دراسة هذه العلاقة في نهاية القرن التاسع عشر مع اكتشاف ألزهايمر لوجود خلايا غير طبيعية في القشرة الجبهية الأمامية في الفصام والذي كان يسمى أيامها بالخرف المبكر Dementia Praecox. كان ذلك في عام ١٨٩٧ م ولكن اسم ألزهايمر أصبح أكثر ارتباطا مع اكتشافه للويحات وحبائك مع الخرف والذي أصبح يعرف منذ عام ١٩٠٧ بخرف ألزهايمر Alzheimer’s Dementia .
العلم العصبي المعرفي Cognitive Neuroscience
حرص الطب النفسي والعلوم العصبية على إجراء دراسات العجز المعرفي في مختلف الأمراض العقلية منذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى بداية الأربعينيات من القرن العشرين. بعد ذلك تم استحداث اختبارات نفسية لقياس العجز المعرفي بصورة علمية ومع بداية الستينيات شاع استعمال التجارب المختبرية لدراسة السلوك البشري. مع دراسة العلم العصبي المعرفي تطورت الفحوص التصويرية للدماغ تشريحيا ووظيفيا وساعد ذلك في تعزيز الثقة بنتائج العديد من البحوث العلمية ودراسة مختلف النظريات.
البروتينات والناقلات العصبية Proteins & Neurotransmitters
صاحب التقدم السريع في دراسة العلم العصبي المعرفي ولادة نظرية الدوبامين لتفسير الفصام واستعمال العقاقير المثبطة له للعلاج والتي تعرف بمضادات الذهان. بعد ذلك وفي بداية السبعينيات أصبح دور سيروتونين_5 هت Serotonin-5 HT ونورأدرينالين Noradrenaline في الاكتئاب أكثر وضوحا.
بعد ذلك ولد العلم العصبي الجزيئي Molecular Neuroscience وبدأت دراسة دور الجينات في وظائف الخلية والأمراض الطبنفسية. هناك الجينات التي تولد بروتينات معينة توثر على وظيفة الخلية وبالتالي على فعالية الدوائر العصبية المختلفة وبالتالي ظهور المرض العقلي.
وما نعرفه اليوم هو أن العلاقة بين تركيب الدماغ والسلوك لا تقتصر فقط على تأثير الجينات على السلوك ولكن أيضاً هناك تأثيرٌ للسلوك والظروف البيئية على فعالية الجينات نفسها.
التطبيق السريري
لابد من دراسة التاريخ المرضي والشخصي للمراجع بصورة دقيقة حول الأعراض وتاريخ المرض وتطوره، ولكن بالإضافة إلى ذلك لابد من الاستفسار عن ما يلي:
١- الولادة : إن كانت طبيعية أو غير طبيعية وما حدث من أمراض أثناء فترة الحمل وفي أعوام الطفولة.
٢- التطور: الاستفسار عن بداية المشي والنطق واكتساب المهارات الأساسية.
٣- استعمال اليد اليمنى أو اليسرى أو كليهما لأهمية ذلك في مراحل التأهيل.
٤- تاريخ نوبات صرعية.
٥- إصابات الرأس.
٦- استعمال الكحول والعقاقير المحظورة.
٧- صعوبات معرفية.
٨- وظائف بيولوجية (النوم الأكل، الفعالية الجنسية).
٩- السلوك العدواني.
١٠- تغير الشخصية.
١١- مشاكل المهنة.
١٢- التاريخ العائلي المرضي.
أما فحص الحالة العقلية في الطب النفسي فيتطلب بالإضافة إلى فحص الجهاز العصبي سريرياً والحالة العقلية ملاحظة:
١- مشاكل في حاسة الشم.
٢- مشاكل بصرية.
٣- حركات لا إرادية في الوجه.
٤- النطق والكلام.
الكلام
من العلامات السريرية كثيرة الملاحظة لأعراض الكلام في الطب العصبي النفسي هي:
١- عسر التلفظ (الرتة) Dysarthria: صعوبة التعبير.
٢- التأتأة Stuttering: اضطراب الكلام عن طريق التكرار أو الإطالة أو توقف الأصوات.
٣- متلازمة اللكنة الأجنبية Foreign Accent Syndrome: تغيير لحن اللغة.
٤- فقدان العناصر العاطفية للكلام وتعرف بالأبروسوديا Aprosodia.
٥- الصدى اللفظي Echolalia: تكرار حديث شخص آخر بصورة تلقائية بدون قصد أو غرض.
٦- لجلجة Palilalia: تكرار الكلمة أو العبارة الأخيرة للمريض نفسه.
٧- الإفشاء Blurting: اندفاع الكلام بتعابير نمطية أو إجابات بسيطة.
٨- صمات أو رفض الكلام Mutism : فقدان القدرة على النطق كلياً.
٩- خلل الكلام Dysphasia : يشمل ذلك التعبير أو فهم الكلام أو كليهما بسبب آفة في المناطق العصبية الخاصة بالكلام في الجهاز العصبي المركزي، ويمكن تصنيفه كالآتي:
• التلقائي Spontaneous.
• التكرار. Repetition
• التسمية Nominal .
• الاستيعاب .Comprehension
• القراءة Writing .
• الكتابة Reading .
الحركات Movements
يجب الانتباه إلى حركات المراجع منذ لحظة دخوله إلى غرفة الفحص. هناك أنواع متعددة من الحركات الغير طبيعية منها:
١- الضعف Weakness .
٢- اضطراب مشية Disordered Gait هناك أنواع متعددة من المصطلحات لوصف مشية المراجع يمكن حصرها جميعا مع استعمال مصطلح مشية مضطربة.
٣- تعذر الحركة Akinesia ويشمل ذلك المبادرة بالحركة وتعذر إنجاز حركات معقدة بسرعة طبيعية.
٤- الهياج Agitation والمقصود به زيادة الفعالية الحركية المصاحبة لمزاج مضطرب.
٥- التململ الحركي أو الزلز Akathisia ويعني الأرق الحركي أو الهياج مع الرغبة المفرطة في الحركة.
٦- فرط التوترية العضلية Hypertonus ويمكن تقسيمها كالآتي:
• شناج Spasticity ناتج عن تشنج العضلات الناهضة Agonist Muscles.
• صمل Rigidity ناتج عن زيادة التوترية في العضلات المناهضة Antagonist Muscles.
• خطل التوتر Paratonia ويُعرف أحيانا Gegenhalten وهو فرط التوترية الغير منتظم والمعارض أثناء الفحص السريري.
٧- خلل التوتر Dystonia وهي تقلصات عضلية مستمرة تسبب التواء في الجسم أو حركات متكررة أو وضع غير طبيعي للجسم.
٨- رعاش Tremor حركات متذبذبة ومنتظمة حول المفصل.
٩- رَقَص Chorea حركات موجزة، مفاجئة، سريعة، وغير إرادية.
|١٠- الرمع العضلي Myoclonus تقلصات عضلية مفاجئة.
١١- لا ثباتية Asterixis الفقدان المتكرر لوضع الإنسان.
١٢- جفل أو إجفال Startle: هزات عضلية شديدة.
١٣- عرة Tic: هزات عضلية مفاجئة بسيطة أو معقدة التركيب.
١٤- نمطية Stereotypy حركات إيقاعية متكررة غير منتظمة يتم تنفيذها على حساب النشطة الحركية الأخرى لفترات طويلة من الزمن.
١٥- تصنع Mannerism حركة هادفة تنفذ بطريقة غريبة.
١٦- جامود Catatonia شلل حركي بدون فقدان وعي.
١٧- تصاحبية Synkinesis وهي حركات غير متناسقة وغير مرغوب فيها تصاحب حركة إرادية في جانب الوجه الآخر.
١٨- حركات مرآة Mirror Movements حركات لا إرادية مشابهة لحركة إرادية في الجانب الآخر للجسم.
المنعكسات البدائية
كثيرة الملاحظة في جروح الدماغ الجسيمة وهناك العديد منه مثل:
١- المص Suck.
٢- الخطم Snout.
٣- القبض Grasp.
٤- التجنب Avoidance.
٥- المنعكس الراحي الذقني Palmomental.
٦- فتح الفم وانتشار الأصابع Mouth Opening Fingers Spreading.
التقييم المعرفي السريري Clinical Cognitive Assessment
من خلال الحديث مع المراجع يتم تقييم الاهتداء الذاتي الزمني والجغرافي والشخصي Orientation to time, place, and person.
يجب ملاحظة انتباه الإنسان من خلال الحديث وملاحظة إهماله لنصف من جسده دون الآخر.
يتم تقييم الذاكرة مثالياً من خلال قدرة المراجع على استرجاع تفاصيل فقرة قصيرة من قصة بعد ٤٥ دقيقة أو بسرعة تذكره لثلاثة كلمات وثالثة إحجام بعد ٣ دقائق أو تذكر اسم وعنوان بعد ٣ – خمسة دقائق.
من خلال الحديث مع المراجع يجب الانتباه إلى الذكريات المزيفة والمعروفة بالتلفيق (غير الواعي) Confabulation.
يتم تقييم قدرة وقابلية المراجع للتعلم من خلال إعادته لعشرة كلمات بعد أربعة- خمسة محاولات مباشرة. يمكن سؤال المراجع عن الكلمات بعد ١٥ دقيقة أيضاً.
واحد من أسهل وأكثر الفحوص السريرية دقة هو رسم ساعة مع جميع الأرقام وعقاربها تشير إلى عشرة دقائق بعد الساعة العاشرة.
اللاأدائية (تعذر الأداء) Apraxia هي عدم قدرة المراجع على إنجاز مهام حركية معقدة مع عدم وجود شلل عضلي. يتم الاستفسار عن استعماله لمختلف الأجهزة واللبس وغير ذلك.
العمه Agnosia فهو العجز عن إدراك منبه حسي مع عدم وجود خلل في الجهاز الحسي المحيطي. يتم الاستفسار عنها من قدرة المريض على تحسس قطعة نقود ومعرفتها مع غلق عينيه أو نقل رسم لمخطط.
بالإضافة إلى الفحص المعرفي السريري فإن من واجب الطبيب العصبي النفسي تقييم الحالة النفسية لمراجعه ويتضمن ذلك:
١- الحالة الوجدانية.
٢- الوهام.
٣- الهلاوس.
٤- الاستبصار.
٥- استعمال الكحول والمواد الكيمائية المحظورة.
التشخيص
العملية التشخيصية في الطب العصبي النفسي لا تختلف عن الطب النفسي العام ويجب مراعاة وجود الاضطرابات النفسية المختلفة وعلاجها مع الانتباه إلى خصوصيات المراجع مع وجود عجز في الوظائف العصبية المختلفة.
يجب الانتباه إلى حساسية هذا المريض للعلاج واحتمال إصابته بالهذيان. الكثير من المراجعين للطب العصبي النفسي يعانون من الصرع ويجب مراعاة تأثير الصرع والعقاقير المضادة للصرع على رحلة علاجه.
يصل المريض إلى قسم الطب العصبي النفسي بعد مروره عبر قسم الطب العصبي أو جراحة الجملة العصبية ولذلك لا يوجد مبرر لعمل فحوصات إشعاعية إضافية أو رسم المخ الكهربائي. يجب أن يكون التركيز على الفحوصات النفسية العصبية Neuropsychological Assessments وتقييم المعالجة المهنية Occupational Therapy Assessment. تقييم الوضع الاجتماعي للمريض وظروفه البيئية في غاية الأهمية على المدى القريب والبعيد للمريض نفسه وعائلته.
واقرأ أيضًا:
الجنسانية الحديثة Neosexuality / الثناقطبي Bipolar / إصابة الدماغ الرضحية الطفيفة