قواعد استعمال العقاقير في الطب النفسي

القواعد العامة لاستعمال العقاقير في الطب النفسي
استعمال العقاقير في علاج الاضطرابات الطبنفسية يثير الجدال ويؤدي إلى استقطاب الآراء مقارنة بالفروع الطبية الأخرى. لا يزال الاستقطاب وتطرف الآراء كثير الملاحظة في الممارسة المهنية حول استعمال مضادات الاكتئاب والاختلاج الكهربائي والعقاقير في علاج القلق والأرق. هناك أيضاً استعمال العقاقير في علاج اضطراب عجز الانتباه وفرط الحركة (ا.ن.ا.ف.ح) (Attention Deficit and Hyperactivity Disorder (ADHD سواءً في الأطفال أو البالغين. هناك من يوجه الاتهام إلى استغلال شركات الأدوية العالمية وتآمر الطبيب النفساني معها في تسويق واستعمال مختلف العقاقير واستحداث مصطلحات طبنفسية جديدة. هذه الاتهامات لعبت دورها في تقييد تواصل الطبيب النفساني مع شركات الأدوية منذ بداية الألفية الثالثة من أجل اكتساب ثقة الجمهور والمراجع بالمهنة.

ولكن رغم جميع هذه الاتهامات هناك حقيقة واحدة لا تقبل الجدال وهي أن استعمال العقاقير فقط في علاج الاضطراب النفسي أحدث ثورة عالمية في نقل رعاية المرضى من مصحات عقلية مغلقة الأبواب إلى وسط المجتمع. حدث ذلك مع نزول عقار كلوربرومازين Chlorpromazine إلى الأسواق قبل أكثر من نصف قرن من الزمان وبعده مختلف العقاقير المضادة للذهان والاكتئاب. لا يوجد دور للعلاج الكلامي والنفسي في هذه الثورة العالمية إطلاقاً، ولكن ذلك لا يعني بأن العلاج الكلامي لا دور له في الطب النفسي بل العكس من ذلك، والجمع بين الاثنين هو ما تشير إليه جميع اللوائح والإرشادات الطبنفسية.

علم الدوائيات النفسي Psychopharmacology
يعني علم الدوائيات النفسي بتصرف وحركة العقار عبر أعضاء الجسم المختلفة منذ لحظة دخوله جسم الإنسان إلى خروجه وهذا ما يسمى بحرائك الدوائيات Pharmacokinetics أما تأثير الدواء على الجسم وتفاعله مع مختلف الأنسجة فهو ما يسمى ديناميكا الدوائيات Pharmacodynamics. مع تطور البحث العلمي في علوم الوراثة والجينات تم استحداث علم وراثية الدوائيات Pharmacogenetics والذي يعنى بتأثير العوامل الوراثية في فعالية العقار. يأمل الطب النفسي وجميع الفروع الطبية في خطة علاج طبية خاصة بكل مريض في المستقبل استنادا إلى تركيبته الوراثية والجينات التي يحملها.

حرائك الدوائيات Pharmacokinetics
تمر العقاقير بأربعة مراحل وهي:
١- امتصاص Absorption .
٢- توزيع Distribution.
٣- استقلاب Metabolism.
٤- إفراغ Excretion.

يتم امتصاص جميع العقاقير الطبنفسية عن طريق الأمعاء والمعدة الفارغة بسهولة. هذه العقاقير تتميز بأنها أليفة للشحوم وبالتالي يتم توزيعها في مختلف أنحاء الجسم. يتم استقلابها إلى مواد فعالة أو غير فعالة في الكبد، وبعدها يتم تصريف الغالبية منها عبر الكلية. يتم حملها ونقلها في الدم من قبل ألبومين Albumin وهذا الجزء منها لا فعالية له ويبقى المتنقل الحر منها الذي يعبر حاجز الدماغ الدموي Blood Brain Barrier هو الجزء الفعال الذي يتفاعل مع المستقبلات الخاصة به في الدماغ.

ويتأثر امتصاص العقار بوجود أي اضطراب في الجهاز الهضمي. فعالية إنزيمات الكبد وتحفيزها من قبل بعض العقاقير (خاصة العقاقير المضادة للصرع) قد يؤدي إلى سرعة استقلابها. بما أن هذه العقاقير أليفة للشحوم فقد تترسب أحيانا في مستودعات الشحوم في الجسد ولذلك فإن حجم انتشارها عالي ويتم أحيانا إفراز البعض منها لمدة طويلة من هذه المستودعات. يتم إفراغ هذه العقاقير عن طريق الكلية ولذلك يجب مراعاة الجرعة المستعملة في كبار السن والمصابين بعجز وظيفي في الكلية.

يتم استعمال مفهوم العمر النصفي في البلازما Plasma Half Life لتعريف الوقت الذي ينخفض فيه تركيز العقار في البلازما إلى النصف بعد الجرعة الأخيرة. تكمن أهمية هذا المفهوم في ما يلي:
١- أوقات استعمال العقار خلال ٢٤ ساعة.
٢- يتم الوصول إلى تركيز ثابت للعقار بضرب العمر النصفي X خمسة.
٣- يتم حساب إفراغ العقار كليا من الجسم أيضاً بضرب العمر النصفي X خمسة.

الكثير من العقاقير المستعملة في الطب النفسي يزيد عمرها النصفي على ١٢ ساعة ويمكن استعمالها مرة واحدة في اليوم. ولكن هناك أكثر من استثناء لهذه القاعدة فعلى سبيل المثال العمر النصفي لعقار باروكستين لا يزيد على بضعة ساعات ولكن لا حاجة لاستعماله أكثر من مرة واحدة في اليوم لأن فعالية العقار على مستقبلات السيروتنين في الدماغ لا علاقة لها بتركيزه في الدم. كذلك توجد علاقة ما بين سرعة ارتفاع تركيز العقار في البلازما وفعاليته أحيانا وخاصة مع عقاقير مهدئة منها دايازيبام Diazepam الذي يزيد معدل عمره النصفي على ١٨ ساعة، ولكن هناك حاجة لاستعماله أكثر من مرة واحدة في اليوم أحياناً.

ديناميكا الدوائيات Pharmacodynamics
لعبت الدوائيات دورها في فهم آلية مختلف الاضطرابات النفسية. تؤثر هذه العقاقير على مختلف الناقلات الكيمائية العصبية في الدماغ وخاصة:
١- دوبامين Dopamine.
٢- سيروتونين Serotonin.
٣- نورأدرينالين Noradrenaline.

ويساعد استيعاب ديناميكا الدواء الطبيب على مراقبة تأثير العقار على مريضه واستهداف الأعراض بالعقار المناسب. هناك أيضاً تفاعل العقاقير مع بعضها البعض والذي قد يساعد على رفع فعالية العقار أو المعاناة من أعراض جانبية خطيرة بسبب ذلك.

تفاعلات العقاقير Drug Interactions
استعمال أكثر من عقار واحد في علاج الاضطرابات النفسية كثير الملاحظة، وليس من الغريب أن ترى مريضاً يستعمل أكثر من عقار واحد من نفس الصنف في علاج الاكتئاب والقلق والذهان، أو الخليط من عدة أصناف من العقاقير. هناك من يحتاج إلى أكثر من عقار للسيطرة على الاضطراب النفسي ولكن في نفس الوقت هناك زيادة في عدد الأعراض الجانبية وشدتها. كذلك هناك المريض الذي يستعمل عقاقير أخرى لعلاج أمراض أخرى مثل ارتفاع ضغط الدم وعجز القلب. ويضاف إلى ذلك مجموعة من المرضى الذين يستعملون عقاقير يتم الحصول عليها بدون وصفة طبية.

تتفاعل العقاقير بعضها مع البعض الآخر وذلك قد يؤدي بدوره إلى انخفاض فعالية العقار وأحيانا مضاعفة مفعوله. يحدث تفاعل العقاقير في عدة مراحل منها:
١- امتصاص العقار.
٢- استقلاب العقار.
٣- إفراغ العقار عبر الكلية.
٤- تحفيز إنزيمات الكبد.
٥- ديناميكا الدوائيات.

يستحسن بل ويجب مراجعة المجلدات الطبية للعقاقير بصورة منتظمة وخاصة مع العقاقير التي يستعملها المريض لأسباب أخرى. يتم تحديث هذه المجلدات بصورة منتظمة ولا يمكن الاستغناء عنها.

سحب العقاقير Drug Withdrawal
القاعدة العامة في استعمال العقاقير التي تستهدف مرضاً محدداً هي أن مفعولها لا يبدأ أحيانا إلا بعد عدة أيام وأحياناً أسابيع، وهذه هي القاعدة مع علاج الاكتئاب والاضطرابات الذهانية. عقاقير الطب النفسي تستهدف أنسجة الجهاز العصبي والتي بدورها تحاول أن تتأقلم لوجود هذه العقاقير. لذلك فإن سحب العقاقير قد يؤدي إلى أعراض انسحابية قصيرة المدى. يحدث الارتباك أحيانا من الطبيب والمريض على حد سواء في هذه المرحلة ويتم تشخيص انتكاسة المريض.

متلازمات انسحاب العقار Drug Withdrawal Syndromes

نصائح عامة
وصف عقار لعلاج اضطراب نفسي يحتاج إلى دراسة وصياغة حالة المريض بدقة واستهداف الأعراض وبالتالي وضع خطة علاج يتم مناقشتها مع المريض. يجب الحرص على توضيح سبب وصف العقار للمريض وفترة العلاج والأعراض الجانبية. الحديث مع المريض ومناقشة العلاج يضمن تعاون المريض مع خطة العلاج والتزامه بها على المدى البعيد.

على الطبيب الحرص على وصف عقار له الخبرة في استعماله في الممارسة المهنية. العقاقير الحديثة ليست أفضل مفعولا من العقاقير القديمة، ويجب أن لا يكون المريض حقل تجارب لخبرة الطبيب. استعمال جرع وافية من عقار واحد أفضل بكثير من استعمال عقارين ويضمن قلة الأعراض الجانبية.
 

واقرأ أيضًا:
إصابة الدماغ الرضحية الطفيفة / الطب العصبي النفسي / اضطراب الضائقة الجسدية Bodily Distress Disorder