مجانين ... استانبول ... بوخاريست استانبووووووول2
وكان يوم الجمعة هو اليوم الأخير... وكان كذلك يوما تقرر فيه تنظيم تظاهرات في بوخاريست اعتراضا على السياسة الحالية للحكومة ولذلك كان متوقعا أن تنشأ بعض الاختناقات المرورية .... وكنت في نفس الوقت –شخصيا على الأقل- غير راضٍ عن مسار الأحداث فقد كان علينا إخلاء غرف الفندق في الثانية عشرة ظهرا وبعدها نذهب إلى مول تجاري جديد ... ربما لا أذكر إن كان هو الذي زرناه الخميس أم غيره، ونبقى هناك حتى الخامسة ... لنعود نمر بالفندق لأخذ حقائبنا التي تركنا وليضع من اشترى ما اشترى في حقيبته ثم ننطلق إلى المطار في السادسة لتطير بنا الطائرة في التاسعة مساء من بوخاريست تاركين رومانيا لنصل تركيا في الحادية عشرة بتوقيت استانبول ... ومنها نطير في الثانية عشرة وخمس وثلاثين دقيقة ... كي نصل إلى القاهرة في في الثانية إلا الربع من فجر السبت... فحتى نصل إلى بيوتنا غالبا سنصلي الفجر في الطريق ... كان هذا التصور يزعجني لأنه ببساطة يعني أن علي إما أن أعتذر لمرضى يوم السبت أو أن أقسو على نفسي وأواصل العمل بغير نوم !
أمام فندق إنتركونتننتال بوخاريست، ومنذ الثانية عشرة ظهرا بدأ في الميدان الكبير تجمع المحتجين مطالبين الحكومة الحالية بتقديم استقالتها، والدعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة، معبرين عن استيائهم من الطريقة التي تتبناها الحكومة في إدارة شئون البلاد، وكنا قد عرفنا من المرشدة السياحية أن نحو 4 ملايين روماني (20% من الشعب) غادروا موطنهم بحثا عن حياة أفضل بسبب الفساد والأجور المتدنية وقلة فرص العمل، وحمل المتظاهرون الأعلام الرومانية إلى جانب أعلام الاتحاد الأوروبي، مرددين هتافات: "العدالة، وليس الفساد"، وكنا تلك الظهيرة في مولد الاحتجاجات التي دامت أياما وراح ضحيتها المئات، وقام الزميل مهاب عبد الباقي بتصوير هذا المقطع ويبدو فيه بالفعل إعلاميا محترفا.
كنت في مطار رومانيا وجدت شبكة الوايفاي مجانية مفتوحة للجميع وقوية بشكل ملفت في نفس الوقت ... وحين دخلت بالمحمول التهيت بتحميل الصور التي أرسلها الرفاق من محاميلهم على مجموعة الواتساب الخاصة بالرحلة ... وأحفظها على الجهاز ولم أزل منشغلا بذلك ... حتى أنني لم أنتبه إلى أن سدادا أرسل مقالة عن الثناقطبي على الإيميل... لم تعد الظروف تتيح لي أن أستخدم اللابتوب لتحميلها وما معها من ملفات لأجهزها للتحرير والعرض يوم السبت... قلت لمحمود الوصيفي فقال لي تعالى معنا إلى لونج (استراحة) رجال الأعمال في مطار تركيا ففيه وايفاي ... وصعدنا الطائرة ... وانشغلت بتحرير صفحات أخرى لمجانين وتجهيزها على اللابتوب .. ولما أنهيت عملي وقد بقيت نصف المسافة، تذكرت مقالة سداد ومنيت نفسي بأني سأجهزها في الطائرة من استانبول إلى القاهرة ... وحين نزلنا في مطار استانبول ... كان علينا الافتراق عن المجموعة الذين ذهبوا إلى البوابة فقد كان أمامنا حوالي ساعة فقط وعلينا أن نصل صالة رجال الأعمال لأدخل وأحمل ما لدي على الميل لأعمل على تحريره أثناء الطيران ... كانت بعيدة كما قال مصطفى أبو العزايم وكان المطار مزدحما بشكل مستفز خاصة والكل متعجلون في أماكن السير ولا تكاد تجد ربع متر إلا وعليه شخص متحرك... وصلنا في حوالي 14 دقيقة وانهمكت في الدخول على النت وتحميل الملفات بينما انشغل كل من صاحبيَّ بإحضار بعض الطعام السريع وأغراني محمود بأن أجرب وأجرب ... وما جربت إلا قليلا ..
قلت لهم الساعة تقارب الثانية عشر قوموا وسريعا قمنا وكنا في منتهى العجلة ... وسألنا مرة ومرة عن مكان البوابة .... ولما لاحظت تباطؤ مصطفى ... ومحمود وكأنما يئسا سبقتهما وأنا أكاد أعدو لتكتمل دهشتي وقد وجدت البوابة فارغة لا مسافرين جالسين ولا واقفين ولا موظفين بالبوابة بل ظلام يعتمد على ضوء البوابة المجاورة ... شككت أني أخطأت في البوابة ... وعدوا رجعت لألقى مصطفى ومحمود قلت أبحث عن شاشة تعرض أرقام الرحلات والبوابات الخاصة بها لعل شيئا تغير فالبوابة مغلقة... وكنت حتى تلك اللحظة على فهم قديم مؤداه (أن راكب الطائرة إذا حمل حقائبه فإن الطائرة لابد تنتظره، وهذا ما كنا نسمعه من بعض المضيفين على مصر للطيران)... كنت أرجع لذلك النداءات المتكررة التي نسمعها في مطار القاهرة) كانت الساعة الثانية عشرة واثنتا عشر دقيقة 12.12 وموعد إقلاع الطائرة هو 12.35 أي أن أمامنا 23 دقيقة على إقلاع الطائرة ... بدأ صوتي في الارتفاع ... وإذا بمحمود ومصطفى يقسمان علي أن أهدأ ... الأتراك لابد من الهدوء معهم .. لن نصل لشيء بالصياح ... قلت ماذا سنفعل الآن ؟ قالوا نسأل الاستعلامات ... هرولنا إلى الاستعلامات ولم تكن قريبة ... وحين رأيت طابورا طويلا ينتظرنا قلت لابد أن نسارع بإبلاغ الموظفين بالوضع قبل إقلاع الطائرة .... إلا أن أحدا ممن حاولنا الوصول لهم من العاملين في المطار لم يشر علينا بغير الوقوف في الطابور ... ضاعت الطائرة إذن ... وربما ضاعت مواعيد يوم السبت ! ..
ربما وحتى تلك اللحظة لم أكن استوعبت ما حدث كاملا ! ... نحن كنا عند البوابة قبل 23 دقيقة فكيف البوابة مغلقة ؟ وكيف لم يفعل أحد من أعضاء المجموعة أي شيء لكي تنتظرنا الطائرة ؟ ثم أين حقائبنا التي حمَّلناها على الطائرة في رومانيا ؟ ومن سيستلمها في مصر ؟؟ مئات الأسئلة قفزت إلى ذهني... ونحن وقوف في الطابور ورفيقاي لا يكفان عن نصحي بأن لا أفقد أعصابي ... وحسبا أنهما يريحانني بأن ما حدث عادي جدا وحصل لكل منهما أكثر من مرة !!! ((لم يخطر ببال أحدنا ساعتها الاتصال بأي من رفاقنا على الطائرة التي ما تزال على الأرض !!! ... ولا حتى انتبهنا إلى أننا أعضاء فوجٍ سياحي يشمل أربعين طبيبا وبمصاحبة مندوب ومندوبة لشركة السياحة !! التي يبدو أن مندوبيها لم يراجعوا على الطائرة أعضاء الفوج ! أحمد الله أني نسيت اسم الشركة وما عندي استعاد للبحث حتى في تذكرة الطائرة....)) حين وصلنا أخيرا إلى موظف الشكاوى ... وجدنا ردا باردا... وإحالة إلى طابور جديد !! قلت بصوت عالٍ أنه خطؤكم أنتم فلماذا هذا التعنت ؟ ... فرد علي بابتسامة وقال أنه لا يملك أكثر مما قدم لنا من إرشاد... أقسم علي الاثنان بأن لا أتدخل ... وأن أستريح إذا أردت على أن يتوليا حل الموقف ... توكلت على الله ورضيت لأن الطائرة كانت أقلعت وانتهى الأمر ...
كان الخبر التالي أن أول مكان شاغر على طائرة للخطوط الجوية التركية سيكون يوم الأحد مساءًا... وأن علينا دفع ثمن تذكرة الإياب كاملا ... وأن الوحيد الذي بيده أن يقول كلاما غير هذا سنقابله أثناء استعلامنا عن الحقائب..... وهو ما لا يمكن إلا هناك في صالة استقبال المسافرين من استانبول ... وفي هذه الحالة وبناء على معلومة أن أول مكان شاغر إلى القاهرة على الخطوط التركية سيكون الأحد مساء فإن علينا البقاء في استانبول السبت كله وثلثي الأحد.... كان هذا كافيا لنقرر أن علينا البحث عن طائرة لشركة طيران أخرى ... ومعنى ذلك كله أيضًا أن علينا أن ندخل من بوابة الجوازات إلى تركيا أي أننا نحتاج تأشيرة دخول لتركيا ... وقفنا في طابور ثالث ... وفاجأنا قبل الوصول إلى شباك الحصول على التأشيرة أن المصريين (وبعض الجنسيات) عليهم أن يدخلوا بياناتهم في ماكينة مخصصة وأن يدفعوا بأي بطاقة ائتمان ... لماذا ؟؟ لم يكن من وقت للتساؤل وبالفعل تبادلنا على الماكينة واخترت أن أكون الأخير لأرى كيف يفعلون ... وبالفعل خلال أقل من 20 دقيقة كانت معنا تأشيرات دخول واتجهنا صوب الجوازات ودخلنا إلى الجزء الآخر من المطار لكي نستطيع الاستعلام عن حقائبنا وكي نبحث عن شركة طيران لديها أماكن إلى القاهرة بأسرع ما يمكن !
كانت الساعة حوالي الثانية إلا الربع صباحا وبدأت آثار الكرب الجسدية في التعبير عن نفسها وفي البداية ذهبنا للبحث عن من نستطيع أن نطلب منه مراجعة الكاميرات عند البوابة لإثبات تواجدنا قبل إقلاع الطائرة بوقت كافٍ .... كنا هناك كما رأيت الساعة في المحمول 12.12 صباح السبت ... لكن بعد حديث طويل مع المدير ومديرة المدير كان يديره محمود الوصيفي بينما اصطحبني مصطفى أبو العزايم إلى أبعد نقطة ممكنة من مكان المفاوضات .... اتضح أن كاميرات المراقبة أظهرتني 12.14 ومصطفى 12.15 ... ورغم أن موعد الإقلاع كان 12.35 فإنه مكتوب على ظهر كارت صعود الطائرة أن البوابة تغلق قبل 25 دقيقة .... واتضح أن حقيبتي وحقيبتا مصطفى قد أنزلتا من الطائرة بينما سافرت حقيبة الوصيفي .. لا تعويض نحن أخطأنا ...
كان بإمكان محمود الوصيفي أن يشتكي وأن يحصل على تعويض لأن حقيبته معرضة للضياع ... لكنه اختار أن يسامح واكتفى بأن اطمأن على وصول حقائبه إلى مصر... من خلال التواصل مع بعض المجموعة عبر الواتس وقد وصلوا مصر بحمد الله سالمين،...... أما أنا ومصطفى فقد كان علينا أن ندخل مرة أخرى إلى حيث كنا قبل عبور الجوازات لكي نحضر حقائبنا التي استغرقنا ساعة ما بين غرفة الموظفة المسؤولة وأبعد دوار حقائب من الغرفة في صالة عريضة فيها ما يزيد عن 10 سيور أو دوارات حقائب ... كنا منهكين إلى درجة الإعياء ... وكان الفجر قد أذن ونحن نبحث عن الحقائب وحقيقة كنت مندهشا من كثرة الحقائب أو كثرة الذين يضيعون رحلات الطيران رغم وجودهم في المطار... ! شركة طيران سيئة جدا في ضبط مواعيدها ... وجافة جدا في التعامل مع زبائنها !
أخيرا ... سحبنا حقائبنا وعبرنا الجوازات مرة أخرى إلى حيث ينتظرنا الوصيفي وكان علينا أن نصلي ونبدأ في البحث عن أقرب طائرة تحملنا إلى القاهرة على أي خطوط طيران.... وبالفعل كنا بعد حوالي 40 دقيقة جالسين على مائدة في أحد مقاهي المطار ... بعدما صلينا وطفنا على كل مكاتب الطيران المستمرة في العمل ولم تكن من بينها مصر للطيران فقد كان المكتب مغلقا وموعد العمل هو الثامنة صباحا، إلا أن الجميع لم تكن لديهم أماكن على طائرات إلى مصر يوم السبت..... لا أتذكر بالضبط إن كنت أكلت شيئا مع صاحبيَّ على تلك المائدة أم لا لكنني بالتأكيد أخذت مشروبا .... وظل كل من مصطفى ومحمود يحاولان الحجز عبر مواقع الإنترنت ... وأنا جالس بينهما أغفو قليلا وأصحو قليلا ... ثم بدأ محمود عملية حجز لثلاث مقاعد ... إلا أنها لم تتم وظل حيران لا يدري هل تم خصم المبلغ الذي دفعه إليكترونيا أم لا ؟ هل كان الموقع موقعا للنصب أم للحجز لكن لم يصله لا ما يفيد بأن الحجز تم فعلا على بريده الإليكتروني ولا جاءته رسالة على محموله تفيد بسحب المبلغ من حسابه.... وبينما أنا وهو نناقش الاحتمالات فاجأنا مصطفى بأنه استطاع الحجز على طائرة ستقلع إلى القاهرة في الثانية ظهر السبت.. وتأكد له حجزه... وبدأ محمود عملية ثانية على خطوط جوية يونانية ... كان عليها مقعدان شاغران وموعدها الرابعة والنصف لتصل إلى قبرص بعد ساعة ومن هناك نأخذ طائرة لمصر للطيران ... وهذه المرة تأكد الحجز ... وكانت التذكر باهظة الثمن حقا ... فقد كان سعر الواحدة على الدرجة الاقتصادية ما يعادل 13,964 جنيه مصري للعودة إلى مصر... وهو ما يزيد على ضعف ثمن التذكرة من مصر إلى تركيا ذهابا وإيابا... إلا أنه لم تكن لدينا خيارات.
كانت الساعة قد بلغت الثامنة صباح السبت وقد نال منا الإعياء فاتجهنا إلى المصلى الصغير الذي كنا صلينا فيه الصبح محاولين النوم... ورغم أني لم أشعر أني نمت وغيرت مكاني عدة مرات... إلا أنني لم أشعر لا بخروج مصطفى ولا محمود .... اللهم إلا وقد جاءني محمود ليقول لي هيا يمكننا الآن الدخول إلى صالات السفر فقد نجحت في إقناعهم بتحميل حقائبنا وتمكيننا من الوصول إلى استراحة الدرجة الأولى .. وهناك يمكنك النوم بصورة أفضل هكذا قال محمود... وحمدت الله في سري أن هيأ لي رفاقا معهم البطاقة الذهبية لتحالف شركات طيران ستار ومن حق كل واحد أن يصطحب صديق، ...... نظرت في محمولي وقلت لمحمود لكن الساعة ما تزال العاشرة صباحا، فكيف حملت الحقائب ؟ فقال لي يبدو أنهم أشفقوا علينا.... وبالفعل قمت معه وعبرنا الجوازات مرة أخرى ثم انطلقنا إلى الاستراحة الموعودة.... بحثنا عن مصطفى أبو العزايم الذي كان قد سبقنا بالدخول باعتبار طائرته ستقلع قبل طائرتنا بساعتين لكننا لم نجده ... وكانت الاستراحة مزدحمة بحق...
كنا جائعين وأمامنا صنوف من الطعام والشراب فجهز كل لنفسه وجبة خفيفة وأكلنا متجاورين وكنت أظن أني سأستطيع النوم ! ... حاولت في البداية التمدد على ثلاثة أشكال من المقاعد الوثيرة جربت كلا منها لربع ساعة تقريبا .. وحمدت الله ثانية أن هيأ لي ما يمكنني من التمدد مستريحا ليس على الأرض أو المقاعد البلاستيكية أو الحديدية المتناثرة والنادرة الفراغ... وفي الطريق كلما مررت بصالات المسافرين وجدت المتمددين على الأرض أكثر من من حظوا بكراسي ! ... رغم وجود هذه الصورة في ذهني ... وسرعة تبدل الموجودين في الاستراحة حولي ... لم أستطع النوم ... فقررت العمل ورغم أني لم أنم فلم أطاوع نفسي في شرب أي منبه ... وجلست أعمل على اللابتوب .. فحررت مقالة سداد عن الاضطراب الثناقطبي وجهزت الصور ورفعتها وعرضت المقالة بالفعل في حوالي الثانية ظهر السبت 11 أغسطس... وكان أمامنا حتى الثالثة والربع حتى نقوم إلى البوابة لنسافر إلى قبرص... ظللت خلال تلك المدة أتردد على أطباق المكسرات وأشرب الماء الغازي ... وأخيرا قمنا إلى طريق البوابة التي كانت أبعد من بوابة الأمس سامح الله بوابيها ...
كنت بفضل من الله أقل إنهاكا مما كنت أتوقع وجلست في مقاعد البوابة أتصفح بعض ما أخذت معي من الجرائد الإنجليزية ... وكانت الأزمة النقدية التركية في أيامها الأولى ما تزال... تمنيت لو أني أستطيع العودة قريبا لهذا البلد لأن الأسعار ستكون رائعة ... وأفقت من تأملاتي على بداية الصعود إلى الحافلة للتوجه إلى الطائرة ولفت نظري أنها حافلة صغيرة ... ثم فاجأنا أن الطائرة أيضًا صغيرة الحجم بشكل ملفت يسمونها "شارتر" وكانت هذه هي المرة الثانية التي أركب فيها مثل هذه الطائرة ... قلت لمحمود أكثر من 600 يورو أخذتها الشركة اليونانية ثم طائرة شارتر ؟ الحمد لله على كل شيء ! والحمد لله أن قناعتي أني لم أخطئ وإنما تعجل طاقم الطائرة التركية ظلما وعدوانا... كنت أنا والوصيفي في معقدين متجاورين على اليسار رقم 1 ورقم 2 فسألت الوصيفي هل هي تذاكر رجال أعمال ؟ فقال لي وهل في هذه الطائرة درجة رجال أعمال ؟ قلت له كلها "تِرْسو" أي أدنى الدرجات... وفي هذا النوع من الطائرات يسمع الركاب بوضوح أصوات آلات الطائرة ولا يخفت صوت المحرك ... وتشعر دائما كأن الريح لو اشتدت ستعبث بالطائرة... لكنني رغم ذلك كنت منشغلا بيني وبين نفسي بالتوجس من خروج الحقيبة من تركيا في هذه الطائرة .... ربما لأني لم أحملها بنفسي أو بالأحرى لأنها أودعت قبل موعد الطائرة بست ساعات ! وأنا في المصلى أحاول النوم !
لم تكن الرحلة طويلة وقدموا لنا ساندوتشا شهيا ... ولا أذكر أنهم قدموا مشروبات أو قدموا ولم أشرب ... وأخيرا هبطت الطائرة في مطار قبرص.... وبينما أنا في الحافلة في مطار قبرص متجها من الطائرة إلى صالة الاستراحة نزلت امرأة في العقد الثالث كانت تقف أمامي على ركبتيها لتداعب بنتيها الصغيرتين ... فبدت لي من ورائها جرارات الحقائب التي كانت على الطائرة ... وكم حمدت الله أن رأيت حقيبتي على كوم من الحقائب في طريقه إلى طائرة مصر للطيران ... الحمد لله الذي طمأنني قبل أن أدخل مطار قبرص.
لم يكن أمامنا في مطار قبرص إلا حوالي ساعة أو أقل ... وبينما تجول محمود في السوق الحرة... جلست أنا عند بوابة الانتقال إلى الطائرة، وحقيقة شعرت بالأمان عندما رأيت موظفي مصر للطيران وهم يقفون على البوابة ... وتعزز ذلك الإحساس عندما اعتلينا طائرة مصر للطيران التي كانت صغيرة الحجم أيضًا لكن لم تكن "شارتر" ..... وعندما وصلنا أخيرا إلى مطار القاهرة عبرنا الجوازات بسرعة وابتسم لي ضابط الجوازات وأنا أقول له مختلفان في اسم الأم –أقصد أنا وذلك الـ وائل محمد أحمد إبراهيم الفلسطيني المطلوب أمنيا ولا يفرق جوازاتنا إلا اسم الأم-.... لم يكن على الوصيفي أن ينتظر حقائبه لأنها كانت بالفعل قد وصلت مع صديق إلى بيته في المنصورة ... لكنني انتظرت فقط حتى يبدأ دوار الحقائب في العمل لأفاجأ بحقيبتي أول ما يخرج منها ... حمدت الله كثيرا ونويت ألا أضع نفسي في مثل هذا الموقف ما استطعت ... وحين وصلت بيتي في الزقازيق أخيرا ... ناديت ابني جواد لينزل لي فألقاه في مقر مجانين وأنا ألقي نظرة أطمئن فيها على ما نشر يومها.... ثم صعدت إلى شقتي فطعامي فسريري ..... ونمت ليلتها من التاسعة والنصف مساء حتى صباح الأحد... وكنت أستعد للسباق بين متطلبات مجانين ومتطلبات محاضرة لابد أعدها لأحسن إيصال ما أريد كل هذا وسط مرضاي المجانين العقلاء المحبين لكونهم مجانين..... ومرضاي العقلاء الرافضين أن يعتبروا مجانين، عدت إلى مصر وظللت أنتظر صور هذه الرحلة التي التقطها المصور الروماني من الشركة المنظمة أكثر من شهرين ... بعدها أصبح من الممكن أن أكون أكثر حماسا لكتابة هذه المدونة.... وإن ظهرت متأخرة ومستدعاة من الذاكرة ... سعدت بكل من قرأ حتى وصل هنا وأكون أكثر سعادة بمن يعلق من أحبائي الأطباء والمستشارين وأصدقائي وأحبائي من متصفحي مجانين، وكل استانبوووووووووول وأنتم من الفائزين.
واقرأ أيضًا:
الأردن مؤتمر الأطباء النفسانيين العرب الدولي(14)1 / حديث لندن وقت العصر / ثانية ألتقي سدادا .... جمعا في لندن / عيد ميلاد مجانين الـ 15