أمثلة عن الإلحاح في طلب العدالة
الفصل السادس عشر
إليكم قصة هذا الشاب المكافح الذي لم يُعامَل في مقتبل عمره بالعدل على الإطلاق من أقاربه، ولكنه لم يحقد عليهم أو حتى اقتص لحقوقه الضائعة من أقرب الأقربين إليه (والديه)، ولو فعل ذلك ما لامه أحد عليه، لكنه أسلم أمره لله، وصبر على الأذى وتحمله محتسبا أجره على الله، "وما صبرَ عبدٌ على مظلمةٍ إلا و زادَهُ اللهُ عِزاً" كما يقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، حتى أن والديه اللذين قصرا في حقه صغيرا طلبا منه العفو والسماح في شيخوختهما!!!، فليس الحقد والغل على من ظلمنا هو تأكيد للذات، لكن جزء هام من تأكيد الذات هو قدرتنا على العفو عند المقدرة، والعظمة البشرية تتمثل في أن نعطي من حرمنا، ونصل من قطعنا، ونعفُ عمن ظلمنا، وأن نتذكر دائما قوله تعالى: "والكَاظِمينَ الغْيظِ والعَافِينَ عن النّاسِ واللهُ يُحِبُ المُحْسِنين" آل عمران، 134.
ولد لأب وأم مختلفي الطباع فتم الطلاق بعد سنة واحدة من ولادته، تزوجت أمه وتزوج أبوه بعد طلاقهما، ونشأ في كفالة خالته وزوجها، وكان يُنفق عليه مبلغاً بسيطاً من المال يُعطى شهريا لزوج خالته من خاله وخال أمه، حين وصل لنهاية المرحلة الثانوية وقبل الامتحان بخمسة عشر يوما طلب منه زوج خالته مغادرة البيت بحجج واهية!، طرق كل الأبواب بما فيها باب والده الذي لا يعرفه (وبكى بشدة وحرقة وتطلع إلى السماء وقام بالدعاء إلى الله أن يوفقه لما فيه الصالح له، واستجاب الله له) فوجد أسرة جيرانه المسيحيين الذي استضافوه حتى انتهت الامتحانات، ونجح في الثانوية العامة والتحق بكلية الشرطة بعد معاناة طويلة حيث لم يكن يملك مصاريف الكلية ولا مصاريف الملابس!، وقام جيرانه وزملائه بتجميع المبالغ المستحقة والتحق بالكلية وتفوق فيها تفوقا كاسحا على زملائه، ولكنه عانى مرارة توافر مأوى له يقضي فيه إجازة الصيف!!، وتشاء قدرة الله عز وجل أن تُقيض له من يقف بجواره حتى كُتِب له التخرج كلية الشرطة، فقد سمحوا له بالمبيت في مساكن الطلاب بالكلية في أثناء إجازة الصيف؛ نظرا لتفوقه الدراسي وسمو أخلاقه وظروفه القاسية، وأصبحت الأمور أفضل بكثير بعد تخرجه، وكل من تنكر له في السابق تقرب إليه بعد أن شعر بأنه أخطأ في حقه.
وقبل وفاة والده طلب رؤيته فذهب له على الفور؛ واعتذر له الأب عن تقصيره في حقه وطلب منه السماح والدعاء له (وكان من كرم الله عليه أن نقى قلبه من الضغينة والحقد على من ظلموه) فدعا لوالده، وأكرمه الله بميراث كبير من والده بعد وفاته، فأحسن إلى زوجة أبيه وبرها بالصلة؛ حتى أن زوجة والده تلك طلبت منه العفو والسماح عما بدر منها في حقه من قبل، ثم توفيت والدته بعد زواجه وورث عنها بعض الأموال أيضاً، فقام بشراء قطعة أرض ورزقه الله منها رزقا كثيراً مباركاً، كل هذا مع تقدمه في عمله، والذي تلقى فيه ترقيات استثنائية نتيجة كفاءته وإخلاصه وحسن خلقه في عمله، ولم ينس زملاءه الذين وقفوا إلى جواره، وأيضا لم ينس جيرانه المسيحيين الذين ساعدوه في أيام محنته، فكان يُكثر من زيارتهم وشكرهم على كل ما فعلوه معه في ماضيه المليء بالأرزاء.
وقد أكرمه الله كثيرا حيث قام بحج بيت الله الحرام على نفقة وزارة الداخلية وشكر الله كثيرا على ما هو فيه من نعم كثيرة منحها الله إياه نتيجة إحسانه وبره بأهله، وأيضا حسن صنيعه وعدم حمله لأي حقد أو ضغينة، وأيضا لصبره على كل ما ابتُلي به، وصدق الله العظيم في تعليقه على أحسن قصصه عن نبيه يوسف الصديق عليه الصلاة والسلام، والذي كان مقتبل حياته مسرحا للمآسي والمحن ولكنه صبر وغفر وتسامح مع كل من آذاه، يقول عز وجل: "قالوا أءِنك لأنت يوسف قال أنا يوسف وهذا أخي قد من الله علينا إنه من يتق ويصبر فإن اللهَ لا يُضِيعُ أجْرَ المُحسِنين"يوسف 90 .
وأجمل ما في قصة ذلك الضابط هو سلوك العفو عند المقدرة والتسامح مع كل من أساءوا إليه في صغره، ولكن الشرط هو أن نكون قادرين على رد تلك الإساءة إليهم، وفي مركز قوة، ولكننا نسامح ونتسامح مع كل من أساء إلينا رغم قدرتنا على رد الإساءة إليه؛ وهذا السلوك متوافق تماماً مع تأكيد الذات، ولا يقدر عليه إلا العظماء وأهل الهمم من الأبطال.
يتبع >>>>>>>>>>> خطوات للتخلص من الإلحاح على طلب العدالة