خطوات للتخلص من الإلحاح على طلب العدالة أرسلت سنا (25سنة، لا تعمل، مصر) تقول:
هذا ليس عدلا مشاركة
أستاذي ومعلمي الفاضل دكتور مصطفى السعدني؛
لا اعرف أن كان ما اكتبه إليك من الأفضل أن أضعه تحت قائمه الاستشارة أم لا إلا أنني اترك ذلك لسيادتكم، إن كل ما اعرفه حقا هو ن جزء من مشكلتي خاص بتأكيد الذات فإذا كنت أحيانا أقول عبارة هذا ليس عدلا ففي النهاية أجدني أقول أن (هذا هو العدل)، وان ما حدث لي أو ما يحدث أنا بالفعل استحقه فانا أرى أن دنيتي ليس بها مظلوم، وأن الظالم الوحيد هو نفسي، وما أبشع هذا النوع من الظلم أن يشعر الإنسان بأنه قد ظلم نفسه، وأن المعاناة والحزن الذي يعيشه ليس لأحد دخل فيه إلا نفسه،
أستاذي.... أنني أتمزق بالفعل وأنا أكتب لك وأتحدث عن نفسي، هذه النفس التي أجهدتني أنها تتلذذ بأن تجلب لي الشقاء تعيش دورا مثاليا في عالم لا يعرف معناً لهذه الكلمة، لقد استنزفتني صراحتي مع نفسي، وأن جل ما أريده هو أن أكون كبقية الناس، لا أن أفكر بهذه الطريقة المتعبة، دائما ما أشعر بأنني على الحافة بين جنه ونار، أريد أن أجد تلك المنطقة الوسطى التي أستطيع أن أمشي فيها وأنا اشعر بالراحة، والتي أعتقد أنني لن أجدها في هذه الدنيا!.
لقد كتبت إليك في المرة السابقة عن وجه من أوجه الحقيقة، والآن سأعرض لسيادتك وجها آخر بالفعل، أنا أردد لنفسي أحيانا عبارة هذا ليس عدلاً إلا أنني بعدها وبثوانٍ أقول لا أنا استحق ما يحدث لي فلقد كنت يوما ما لحبيبي قبل خطيبته السابقة، أنا حبه الأول والإنسانة التي كان يتمناها ويحلم بها، وذلك لسنوات عديدة كنت فيها أحاول بشتى الطرق أن أجعله يكرهني، لماذا؟ لأنني كنت أشعر أنه أفضل مني!، وأنني لا أحبه كما يحبني، وبمثالياتي الغبية تلك أردت له الأفضل؛ وهو أن يتزوج بفتاه تستحقه وتحبه كما يحبها وأكثر، وبالفعل تم ذلك إلا أن الخطبة لم تستمر كما كانت تتمنى (إنني أتكلم عن نفسي المثالية)، حيث أنني أشعر أنها شخص آخر كل ما يتمناه هو سعادة كل الناس بغض النظر عن سعادتي، إنني بالفعل لم أشعر أنني أحبه إلا بعد فترة طويلة أو بمعنى أصح عندما أصبح من المستحيل أن أحبه!؛ فهذا بالنسبة لي أأمن فأنا أحب أن أعيش في الحب بداخلي لا أظهره ولا أنتفع من ورائه!!، وأعرف الآن أنني على وشك أن أفقد حبيبي فقط لأرجع إلى تلك المنطقة الآمنة في نظري، نعم أنا مدركة لأفكاري الخاطئة والتي تحتاج إلى علاج معرفي إلا أنه مع الأسف من الصعب أن أذهب لطبيب نفسي!، كما أنها معاناة كبيرة أن أعيش وأنا أعرف تمام المعرفة أن بشخصي شيئا خطأ!!.
اشعر أنني قد استفضت بالحديث وان لا أريد أن أرهق سيادتكم فحديثي عن نفسي يتطرق لجوانب كثيرة قد يستغرق ساعات وساعات.
ملحوظة: لا اعرف إذا كانت المشاركة قد تصلح لموضوع هذا ليس عدلا أم لموضوع آخر فلسيادتكم اختيار الموضوع الذي تختص به.
وفقك الله وسدد خطاك.
تعليق الدكتور مصطفى السعدني:
الأخت العزيزة سنا....
لقد أحسنت تشخيص وضعك وشخصيتك وحالتك النفسية؛ وكلامك هنا مختلف تماما عن كلامك السابق؛ لذا استلزم الأمر إجابة مختلفة؛ أقول: أنك كنت تخدعين نفسك من قبل بقولك كثيرا: "هذا ليس عدلا"، فلقد كنت أنت الظالمة لنفسك أولاً، ثم لخطيبك بعد ذلك!، فأنت من دفعه ليتعرف على غيرك ويحاول خطبتها، وهذا ظلم بينٌ لك وله، وتصرفك هذا ينبع من اضطراب بالشخصية نقول عنه: Self-defeating personality disorder ، وباللغة العربية: اضطراب الشخصية الانهزامية، وأهم خصائص هذه الشخصية هي:
أنها تستعذب المعاناة والألم، وأنها تشعر بأنها مخلوقة أو مخلوق أدنى من باقي البشر، ولذا هي تضع نفسها دائما كما يُقال باللغة العامية: "في الكفة الناقصة"، وتقبل هذه الشخصية من الأفعال والإساءة ما لا يليق بها كبشر ولا بمستواها المادي ولا مستواها الاجتماعي في المجتمع، لدرجة أن علماء النفس قاموا بحذفها من اضطرابات الشخصية -في تقسيمات الاضطرابات النفسية الحديثة- ووضعوها إما مع بعض أنواع الاكتئاب أو حتى مع المازوخية وهي إحدى تشخيصات الاضطرابات الجنسية!؛ لكل ذلك أقول:
لقد استهنت بنفسك أختي الفاضلة، وأنقصت من قدرها، وهذا ليس تواضعاً، فالمتواضع يعرف قدر نفسه ويحترمها، ولا يقلل من شأن نفسه أبداً، كما فعلت أنت، فالبشر متساوون لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأعجمي على عربي، ولا لأبيض على أسود، ولا لأحمر على أبيض إلا بالتقوى والعمل الصالح، فلماذا تنظرين لنفسك هذه النظرة الدونية، ولماذا تنظرين لخطيبك ولفتيات أخريات غيرك نظرة أعلى من نظرتك لنفسك؟!، هل هم يتفوقون عليك في كل الإمكانات البشرية؟!، بالتأكيد لا!، وأنا أرى أن الله عز وجل قد عم كل البشر بفضله وإحسانه، وقد يختلف هذا العطاء والفضل من شخص لآخر، فالبعض يأخذه مالا والبعض يأخذه صحة وجمالاً، ومن الناس من يأخذه عزوة وسلطاناً، وآخرون يأخذونه مهارات وقدرات لا يمتلكها غيرهم من عامة الناس، وبعضهم يأخذه حظا وسعادة وبهجة في الحياة، ولكن تظل الفروق بينهم من صنع عقولهم وأيديهم، وقد فصًّلت في كتاب "تأكيد الذات" عن هذا الأمر كثيرا؛
وما زلت أركز على تلك النقطة الجوهرية في مفاهيمنا المضطربة أحياناً، وأنت بحاجة فعلية لحب نفسك أكثر، بما فيها من حسنات جمة وبعض العيوب البسيطة، وسأستعير من فصل قادم في كتاب تأكيد الذات عن حب الذات الكلمات التالية؛ علك تحبين نفسك وتثقين فيها لدرجة تحسن من معيشتك في الحياة، وبقدرٍ تستطيعين به استرداد حب خطيبك المفقود؛ فإليك هذه الكلمات:
"حب الذات: هناك أنواع لمفهوم الذات: منها الذات الجسمية والاجتماعية والانفعالية والشخصية والأسرية والمدرسية والانبساطية والزوجية والتجريبية، ومجموعها يُكوِّن المفهوم العام للذات، وأن لهذه الذات فاعلية (إتقان شخصي) وذكاء شخصي، وأن هناك مرضا يصيب الذات خلال مراحل النمو، وهذا يشكل نوعين مهمين لمفهوم الذات، إما مفهوم ذات إيجابي يتمثل في تقبل الإنسان لذاته ونفسه ورضاه عنها أو مفهوم ذات سلبي ينتج عن إهمال الإنسان لذاته ونفسه وتحقيره لذاته، يقول سيدنا المسيح عليه السلام: "ماذا يفيدُ الإنسانُ إذا ربِحَ العالمَ وخَسِرَ نفسَهُ؟!"، وصدق الشاعر حين قال: أعملْ النفسَ بالآمالِ أرقبُها ما أضيقَ النفسِ لولا فُسحةِ الأمل.
وكقاعدة عامة لابد أن يُحبَ الإنسان نفسه أو ذاته أولاً، ويتقبلها قُبولاً حسناً وعلى علاتها، وذلك كي يحب الآخرين، وكي تكون نفسه خيرة محبة للخير وللعطاء، أما الشخص الأناني أو البخيل أو النافر من الناس، أو الكاره لهم ولخيرهم فهو غالباً ما يكره ذاته ويحتقرها، و صدق القائل: "من هانت عليه نفسه فلا تأمن شره"، ويقول الدكتور زكي مبارك: "هل في الدُنيا شريعة تَفرِض عليَّ أنْ أُنصِف الناسَ وأظلِمَ نفسي؟!"، وليس من الإيثار ولا من مكارم الأخلاق أن أحُقر نفسي، وأنظر إلى تكويني كإنسان نظرة أقل من نظرتي للآخرين، راجعي صفاتك ومميزاتك -أختي الجميلة- وأنا متأكد أنك ستجدين في نفسك وتكوينك صفات وخصائص لا تحملها كثير من الفتيات حولك؛ ممن ترينهم أفضل وأجمل منك.
وفي الكثير من الأبحاث النفسية وجد علماء النفس علاقة وثيقة بين الإساءة للأطفال جسدياً أو لفظياً في صغرهم ممن يرعونهم أياً كانوا وبين إصابتهم باضطراب الشخصية النرجسية والانهزامية والبينية في شبابهم؛ ولذا تُعاقِب القوانين في الدول المتقدمة كل من يقوم بإيذاء الأطفال من أولياء الأمور، ولو كان ولي الأمر هذا هو أحد والدي الطفل ذاته، وكان دافعه لضربه أو لإهانته هو التربية والتهذيب لهذا الطفل، وتصل العقوبة أحياناً إلى انتزاع الطفل وبالقانون من أسرته وتسليمه لدار رعاية أو لأسرة أخرى تقوم برعايته وتربيته وتعليمه!!.
فما أجمل أن نحب أنفسنا وذاتنا؛ وذلك كي نحب الآخرين ونتقبلهم، وأكثر الناس إيثاراً لمصالح الآخرين على مصالح نفسه –في حدود العقل والمنطق- هو في الواقع والحقيقة من أكثر الناس حباً وتقبلاً لنفسه، والرضا عن الذات وحبها ليس له علاقة بالغنى أو الفقر؛ فكثير من المُصلحين وعلى مدى التاريخ كانوا من الفقراء ولكنهم أحبوا أنفسهم وعاشوا لغيرهم، ولتتذكري دائماً هذا القول: "سعادتك في أن تكون على وفاق مع ذاتك".
أختي العزيزة؛
أرجو منك قراءة ما نُشِر وما سيُنشر عن تأكيد وتطوير الذات، وأدعو الله من أعماقي أن يهدي لك خطيبك، بعد أن تستعيدي ثقتك بنفسك، وأن يبارك لكما وعليكما ويجمع بينكما في خير، وتابعينا بأخبارك.
يتبع >>>>>>>>>>> الضابط المتسامح : تأكيد الذات مشاركة10