الفصل السابع عشر
نشرت باحثة كتابها الأول، وهو إنجاز رائع ومُرضي، لقد كان أيضا مناسبة للاحتفال، فأقام زوجها وأولادها حفلة مدهشة يتخللها الكثير من التسلية ومفاجأة كبيرة جدا، لقد جاء اثنين من أهلها من أوروبا خصوصا لحضور هذا الحدث، إن ما جعل الأمر لا ُينسى، بل ومعبرا هو أنه قد تم تقاسمه مع عشرات الأقارب والأصدقاء المحبين، عليك أن تتحمل مسئولية نفسك؛ لأننا نصنع أنفسنا من خلال اختياراتنا في الحياة، ودائما قدم للناس أكثر مما يتوقعون وأنت في غاية السعادة.
لقد خضع ابن أحد الأطباء لعمليات جراحية عديدة، ومع أن والده طبيب وجراح إلا أنه كان عليه أن يترك ذلك لزملائه الجراحين، ولكن ما كان باستطاعته القيام به، هو أن يكون متواجِداً في المستشفى لأجلِهم.
إن الرسالة الكامنة هنا هي: "لا أستطيع أن أحميك دائما من الألم ولكن يمكن أن أبقى معك حين يتوجب عليك اختبار الألم حتى لا تكون وحيدا"، لقد رأى هو وزوجته أنه يتحتم عليهما تقديم الراحة للأولاد وتأمين التسلية لهم ومنحهم الطمأنينة.
وقد أظهرت بعض الدراسات أن النساء المصابات بسرطان الثدي يستفدن بحصيلة أكبر من الطمأنينة حين يشاركن في مجموعات الدعم مع مريضات أخريات مصابات بالمرض نفسه، ويشير الطبيب "دين أونيش" في كتابه "حب وبقاء"، إلى أن الناس الذين يقيمون علاقات ودودة بالآخرين، ولديهم حس الاتصال بالمجتمع يتمتعون بصحة أفضل ويعيشون حياة أطول من أولئك الذين يعيشون بعزلة أو بانحراف، إن الشعار السائد هو: "أن من يتعذب وحده يتعذب كثيرا"؛ لذلك فمن الأفضل أن نشارك الآخرين بعض اهتماماتنا وهمومنا، ولن يتحقق ذلك لنا إلا إذا كان لدى كل منا شبكة اجتماعية مناسبة؛ لذا لا تترك خلافا صغيرا يحطم علاقة كبيرة طيبة.
ولنا في رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، فكان عليه السلام أشد الناس التصاقا بأصحابه؛ يحترم كبيرهم ويوقره، ويحنو على صغيرهم ويتبسم ويهش لهم، يشكر المحسن، ويعفو عن المقصر، فكان خلقه القرآن مع من عاشر من الناس، بل كان صلى الله عليه وسلم قرآناً يمشي على الأرض:
قمة الذكاء الاجتماعي في حسن عشرته
وأدبه وبسط خلقه صلى الله عليه وسلم:
وأما حسن عشرته وأدبه وبسط خلقه صلى الله عليه وسلم مع أصناف الخلق فكان من معجزاته التي أيده الله بها، قال علي رضي الله عنه في وصفه عليه الصلاة والسلام: كان أوسع الناس صدراً، وأصدق الناس لهجة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة.
عن قيس بن سعد، قال زارنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ وذكر قصة في آخرها: فلما أراد الانصراف قرب له سعد حماراً، وطأ عليه بقطيفة، فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال سعد: يا قيس، اصحب رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال قيس: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أركب، فأبيت، فقال: إما أن تركب وإما أن تنصرف، فانصرفت.
[وفي رواية أخرى: أركب أمامي، فصاحب الدابة أولى بمقدمها].
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤلف بين قلوب الناس، ولا ينفرهم، ويكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم، ويتفقد أصحابه، ويعطي كل جلسائه نصيبه، لا يحسب جليسه أن أحداً أكرم عليه منه، من جالسه أو قاربه لحاجة صَابَرَه حتى يكون هو المنصرف عنه، ومن سأله حاجة لم يرده إلا بها، أو بميسور من القول، قد وسع الناس بسطه وخلقه، فصار لهم أباً، وصاروا عنده في الحق سواء.
بهذا وصفه ابن أبي هالة، قال: وكان دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ ولا غليظ، ولا سخاب (عالي الصوت)، ولا فحاش ولا عياب، ولا مداح، يتغافل عما لا يشتهي ولا يسأل الناس أشياءهم.
قال الله تعالى: "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِن اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَو كُنْتَ فَظَّّاً غَلِيظَ القَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ" (سورة آل عمران،الآية: 159).
وقال تعالى: "أِدْفَعْ بِالَّتِي هيَ أَحْسَنَ السّيئةَ نَحْنُ أَعْلمُ بِمَا يَصِفُون"، المؤمنون 96، وكان يجيب من دعاه، ويقبل الهدية ولو كانت متواضعة ويُكافيء عليها.
قال أنس: خدمت رسول الله عشر سنين، فما قال لي أُفٍ قط، وما قال لشيء صنعته: لم صنعته؟ ولا لشيء تركته: لم تركته؟.
وعن عائشة رضي الله عنها: ما كان أحد أحسنَ خُلقاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما دعاه أحد من أصحابه أو أهل بيته إلا قال: لبيك.
وقال جرير بن عبد الله: ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت، ولا أراني إلا تبسما.
وكان يمازح أصحابه، ويخالطهم ويحادثهم، ويداعب صبيانهم، ويجلسهم في حجره، ويجيب دعوة الحر والعبد، والأمة والمسكين، ويعود المرضى في أقصى المدينة، ويقبل عذر المعتذر.
قال أنس: ما التقم أحد أذن رسول الله صلى الله عليه و سلم فينحي رأسه حتى يكون الرجل هو الذي ينحي رأسه، وما أخذ أحد بيده فيرسل يده حتى يرسلها الآخر.
وكان يبدأ من لقيه بالسلام، ويبدأ أصحابه بالمصافحة، ولم ير قط ماداً رجليه بين أصحابه حتى يضيق بهما على أحد، يكرم من يدخل عليه، وربما بسط له ثوبه، ويؤثره بالوسادة التي تحته، ويعزم عليه في الجلوس عليها إن أبى، ويُكني أصحابه، ويدعوهم بأحب أسمائهم تكرُمة لهم، ولا يقطع على أحد حديثه حتى يتجوز فيقطعه بنهي أو قيام، ويروي: بانتهاء أو قيام.
ويروى أنه كان لا يجلس إليه أحد وهو يصلي إلا خفف صلاته، وسأله عن حاجته، فإذا فرغ عاد إلى صلاته، وكان أكثر الناس تبسماً، وأطيبهم نفساً، ما لم ينزل عليه قرآن أو يعظ أو يخطب.
قال عبد الله بن الحارث: ما رأيت أحداً أكثر تبسماً من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن أنس: كان خدم المدينة يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الغداة بآنيتهم فيها الماء، فما يؤتى بآنية إلا غمس يده فيها، وربما كان ذلك في الغداة الباردة ـ يريدون به التبرك.
يتبع >>>>>>>>>>> من فوائد الدعم الاجتماعي