الفصل السابع عشر
مهما كانت التفاصيل المختلفة؛ فكُل الشبكات الاجتماعية المفيدة تَمِيلُ إلى امتِلاك بَعْض الخصائصِ المشتركةِ: تَخْدمُ شبكتُك الاجتماعيةُ قاعدةُ من الأمانِ تَُشْعِركُ بأنّك قد تَعُودت عليها؛ ففيها أعضاء يَعْرفونَك ويتَقْبلون وجودَك بينهم.
تُدركُ ما يُمْكِنكُ أَنْ تأخذه من خدمات من خلال شبكتك الاجتماعية، وكذلك يعرف الآخرون في تلك الشبكة ما يجب عليك تقديمه لهم في المناسبات المختلفة، فأنت تتوقَع منهم زيارتك عندما تكون مريضا، وقد يُحضِرون معهم عند زيارتهم لك سلال الزهور، أو بعض الهدايا، وهذا ما تعارف عليه العرف بين الأقارب والأصدقاء، وتصبح تلك الهدايا دينا عليك ستردها لهم في أقرب مناسبة كمرض أحدهم، أو زواجه، أو إنجابه لمولود جديد، أو نجاحه في الدراسة أو حصوله على ترقية محترمة في مجال عمله أو...... إلخ
وتَتضمّنُ شبكتك الاجتماعيةُ أنواعاً مختلفةُ مِنْ العِلاقاتِ؛ تتَرَاوُح مِن العلاقات السطحيةِ إلى العلاقات الرسمية إلى العلاقات المفروضة عليك، إلى العلاقات النفعية المؤقتة من طرف واحد، وكذلك علاقة تبادل المنفعة بين الطرفين لفترة قصيرة أو متوسطة أو طويلة، وأيضاً العلاقة القلبية الودودة والعميقة، إلى العلاقة القلبية المتعقلة الودودة والعميقة، وتبقى أعلى وأجمل وأسمى أنواع العلاقات ألا وهي علاقة الحب في الله، وقد تكون هذه العلاقات مع أقارب أو جيران أو أصدقاء أو زملاء عمل أو دراسة أو أشخاص مهمين في المجتمع أو عاديين أو غرباء.
ولتلك العلاقات درجات في الثقة بالآخر؛ فقد تتحدث مع أقاربك المقربين عن أدق أسرارك مثل زوجتك أو والديك، وقد تتحدث مع صديق كتوم مخلص لك عن مشاكل عملك، وهناك صديق آخر تحب أن تسافر معه أو تلعب معه كرة القدم أو تخرج معه في نزهة صَيْد لكنك تخاف أن تتحدث مَعه عن مشاكلك الأسرية، وهناك صديق تتفاءل بوجوده معك في الأزمات.
ويحضرني هنا قول الخليفة العباسي المأمون: "الأصدقاء ثلاثة، صديق كالداء وصديق كالدواء وصديق لا يُستغنى عنه"، فهناك صديق تحب رُؤيته مرّتين في السَنَة وحسب لتأخذ منه بعض النصائح في حل بعض مشاكلك، فيعطيك الجواب الكافي والنصيحة الصادقة.
النوع الثاني هو الصديق الذي تحب أن يكون مَعك يوميا، بل كل ساعة، وإذا مر بك أسبوع دون أن تراه فهو أسبوع حزين من عمرك، فحديثه معك يروي ظمأك، ويفيدك ويرشدك، وكأنك تتحدث مع نفسك، ومن المعلوم أن أحاديث القلوب المتحدة معطرة كالأريج، وسأذكر هنا نموذج لهذا النوع من الأصدقاء:
قصه لها معنى:
قال الجنديّ لرئيسه:
"صديقي لم يعد من ساحة المعركة سيدي, أطلب منكم السماح لي بالذهاب والبحث عنه".
قال الرئيس :"الإذن مرفوض"!!؛ "لا أريدك أن تخاطر بحياتك من أجل رجل من المحتمل أنّه قد مات"
ذهب الجندي, دون أن يعطي أهميّة لرفض رئيسه, وبعد ساعة عاد وهو مصاب بجرحٍ مميت حاملاً جثة صديقه!.
كان الرئيس معتزاً بنفسه فقال: "لقد قلت لك أنّه قد مات!، قل لي أكان يستحق منك كل هذه المخاطرة للعثور على جثّة؟!"
أجاب الجنديّ مُحتضِراً:
"بكل تأكيد سيدي، عندما وجدته كان لا يزال حياً واستطاع أن يقول لي: "كنت واثقاً من أنّك ستأتي"!.
الصديق الذي لا يستغنى عنه:
هو الذي يأتيك دائما ًحتى عندما يتخلى الجميع عنك.
هو الذي يحبك في الله دون مصلحة مادية أو معنوية.
هو الذي يعينك على طاعة الله.
هو الذي يقبل عذرك ويسامحك إذا أخطأت ويصبر على سيئات طباعك، ويحل محلك في غيابك
هو الذي يظن بك الظن الحسن وإذا أخطأت بحقه يلتمس العذر ويقول في نفسه لعله لم يقصد
هو الذي يرعاك في مالك وأهلك وولدك وعرضك
الذي يكون معك في السراء و الضراء وفي الفرح والحزن وفي السعةِ والضيق وفي الغنى والفقر هو الذي يؤثرك على نفسه ويتمنى لك الخير دائما.
هو الذي ينصحك إذا رأى عيبك ويشجعك إذا رأى منك الخير ويعينك على العمل الصالح.
هو الذي يوسع لك في المجلس و يسبقك بالسلام إذا لقاك ويسعى في حاجتك إذا احتجت إليه
هو الذي يدعي لك بظهر الغيب دون أن تطلب منه ذلك
هو الذي يفيدك بعمله و صلاحه و أدبه و أخلاقه
هو الذي يفرح إذا احتجت إليه و يسرع لخدمتك دون مقابل
هو الذي يتمنى لك ما يتمنى لنفسه
هو الذي يبحث بأي وسيلة عن إرضائك وإسعادك، يفهمك ويحس بك تجده عندما تحتاجه إلى جانبك، ويساعدك حتى بالإنصات إلى همومك دون تعب أو ملل إنسان يمسح دمعتك قبل سقوطها على وجنتيك.
إنسان تعرف أنك تعني له الكثير وأنه لن يعوضك بكنوز الدنيا كلها.
قبل أن تبحث عن كل هذه المواصفات
وقبل أن تميز بين هذا الإنسان او ذاك.
هل بـــحــثــت عن نفس الشيء في داخـــــلك؟؟؟؟؟
قبل أن تغوص في أعماق مشاعر المحيطين بك، وتقيم مميزاتهم وعيوبهم
أسبح في داخلك لتكتشف أعماقك.
أصلح جــــــوهــــرك ومعدنك العميق
قبل أن تنشــد ذلك في غيرك
أما النوع الثالث من الأصدقاء فهو كالمرض الذي يأتيك من حيث لا تدري ولا تحتسب، وفي نفس الوقت لا تستطيع التخلص منه، فهو محسوب عليك من الأصدقاء ولكنه يجر عليك المتاعب والمشاكل.
صديق كالداء
لدي صديق من النوع الأخير، أستمتع بحديثه إذا جلست إليه وتكلمنا في أي موضوع من الموضوعات، ولكنه إذا اتصل بي تليفونيا فإنني أقول في نفسي: "سلامٌ قَولاً مِنْ ربٍ رَحِيم"، وذلك لأنني أتوجس خيفة في نفسي مما سيجره علي حديثه من متاعب في أثناء وبعد المحادثة التليفونية، وأنا في نفس الوقت لا أستطيع التخلص والتملص من صداقته؛ لأنه زميل دراسة قديم، وبعد ذلك زميل لي في العمل، ولقد عشنا سويا أياما صعبة في فترات ما من حياتنا!!، يا لها من صداقة متعبة!!، ولكن ماذا عسى أن أفعل إلا أن أحتسب أجري على الله.
والآن راجع شبكتك الاجتماعية وتذكر كم عدد أصدقائك؟، هل هم أربعة أو أقل أو أكثر؟ إذا كانوا أكثر من أربعة فأنت لك شبكة اجتماعية طيبة، ويمكنك الاستزادة منها، وتذكر قول لقمان الحكيم لابنه: "يا بُني لا تَستَكثِرنَ ألفَ صَديِق ولا تَسْتَقِلنَ عَدوا واحِداً"، ولا تنس أن: "يداً واحدة لا تصفق"، و"أن نقطة الماء تبقى بعد اتحادها بالمحيط".
تتناسبُ شبكتك الاجتماعيةُ مع حاجاتك المعيّنةُ الخاصةُ، فإذا كنت من أصحاب المزاجِ المنفتح فأنت قَدْ تَتطلّب شبكة نشيطة بشكل ثابت، متكوّنة من العديد مِن الناسِ، أما إذا كنت من أصحاب المزاج الانطوائي فسَتَكُون ضجرا مِن أي زيادة في عدد الأصدقاءِ، فكل ما تحتاج إليه هو بِضعة أصدقاء لقضاء الأمسيات الهادئة معهم، ولكن كن حذراً مع الصديق الانطوائي، فقد لا يسعده زيارتك له في كل الأوقات!!. بل لابد من اتباع البروتوكول معه؛ فتتصل به مثلا قبل أن تقوم بزيارته وتخبره بموعد قدومك لزيارته في بيته.
تَتغيّرُ شبكتك الاجتماعية بشكل ثابت؛ لأنه في أثناء المعيشة والحياة فأنت والآخرون من حولك تَتغيّرونَ؛ فحتى عِلاقتك مع نفسك تَتغيّر مع مرور الوقت، فمعرفة أو زميل العملَ قَدْ يَتحوّلُ إلى صديق مُقرّب، أَو قد يصبح صديق العمر وزميل الدراسة عدوا لدودا. أنت قَدْ تَفْقدُ مصلحتك مع صديقك في صيدِ السمك أَو لعب كرة القدم، وقد يتزوج صديقك ممن تحب فتقاطعه بل قد تُعاديه، قَدْ تُصبحُ أغنى أَو أفقر، وهذا قد ينقلك إلى طبقة أخرى لا تتناسب مع الطبقة التي يعيش فيها صديقك، قد تنتقل إلى بلد آخر وتعيش فيه وتخفت جذوة الصلة بينك وبين صديقك، قد تغير مِهَنتك وتصبح حاجتك لصديقك وزميل مهنتك القديمة شبه منعدمة، قد تَتزوّجُ وكذلك صديقك ولكن العلاقة بين زوجتيكما ليست على ما يرام؛ فتنفصم عرى الصداقة بينكما، وهناك الكثير من الأسباب التي تحطم عرى الصداقة بين الأصدقاء وذلك وفقا للحاجاتَ والفرصَ والمصالح المختلفةَ، وهنا يَجِبُ عليك أَنْ تعيد تنظيم شبكتَكَ الاجتماعيةَ مرة أخرى، ولا تنس أن تلتمس الأعذار لبعض هفوات وأخطاء صديقك.
يتبع >>>>>>>>>>> شبكة اجتماعية مثالية