السبيكة هي اتحاد كلي أو جزئي بين عنصرين كيميائيين أو أكثر مع بعضهما البعض على أن يكون أحدهما فلزا، وتكون السبائك ذات خواص مختلفة عن العناصر المكونة لها وأقوى منها. والسبيكة تتكون من صهر العناصر في بودقة واحدة، فتختلط وتتفاعل لتنتج مركبا قوي القوام. فالألمنيوم عنصر ضعيف لكنك، إذا صهرته مع الحديد والرصاص، سيصنع سبيكة أقوى من أي العناصر الثلاثة على انفراد.
أي أن التفاعل ما بين العناصر المختلفة ينتج مركّبا أكثر قوة منها، وهذه الفكرة يمكن تطبيقها على الواقع الاجتماعي البشري. فعندما يكون المجتمع متنوعا وفيه ألوان متعددة، يكون اللون الواحد أو النوع الواحد ضعيفا لوحده وبمعزل عن الأنواع والألوان الأخرى، بينما إذا تفاعلت تلك الأنواع والألوان، فإنها ستحقق نسيجا اجتماعيا زاهيا وقويا. أي أنها ستصنع سبيكة اجتماعية ذات قوة فائقة، وقدرة على الحياة والتحمل الأكبر.
فالمجتمعات تكون أكثر صلابة وقوة وعزة وجمالا، بتفاعلات أنواعها وتداخلها مع بعضها، لتحقيق السبيكة الاجتماعية المفيدة والراعية للأنواع الداخلة فيها.
فحكمة الوجود وقوانين الخالق، تستدعي تفاعل الأنواع وتداخلها مع بعضها، لصناعة لوحة الحياة الاجتماعية والجغرافية، التي تنعم بها المخلوقات وتزداد حبا للاستمرار والعطاء الطيب في ربوعها.
والقاعدة الأساسية لقوة الوجود الحي، هو التفاعل والتمازج والتزاوج والتداخل والانصهار، لتحقيق قوة البقاء وديمومة البناء البشري وحيوية الإبداع الخلاق، الذي يضيف جمالا جديدا لمهرجان الحياة.
ولهذا فإن التمحور في ذات اللون أو الرأي، والانغلاق على ذات المعتقد، يؤسس لمملكة الضعف الاجتماعي ويدفع إلى تفاعلات سلبية لا تنفع النوع أو اللون، ولا تخدم مسيرة الحياة، بل تؤذيها وتحطم أسس الصفاء والمحبة فيها، وتلقي بالبشر إلى مهاوي الانتهاءات وضيق الرؤى والتصورات، وتجعل الأرض موقدا لحرق ما هو حي ومفيد.
إن وعي ضرورة السبائك البشرية لقوة الأوطان، يؤسس لانطلاقات حضارية وتفاعلات نافعة تخدم الرسالة الإنسانية، وتمنح القدرات التعبيرية مكنونات الإبداع والخلق والتطور.
ووفقا لهذا فإن الرسالات السماوية قد تنوعت، والأديان في الأرض تعددت، لتحقيق التفاعل المعرفي والإدراك الجامع لمعاني الخلق والوجود، ولكي يتأكد الفهم الواضح للصيرورة والانتهاء، وليتفجر الإيمان في القلوب، وتزهو الرحمة وأسباب العبادة والتقرب إلى الخالق العظيم.
فلم يكن تنوع الأديان عبثا، وإنما مقدرا وفقا لإرادة الديمومة وجواهر التقرب إلى خالق الأكوان، واستحضاره عند أي خطوة في الرأي والتفكير. إن هذه التنوعات عناصر قائمة لبناء سبيكة بشرية، قوية بإيمانها ورؤيتها وقربها من بارئها.
سبيكة يكون فيها الإنسان أخو الإنسان، فيحترمه ويقدره ويحسبه جزءً لا يتجزأ منه، وإن الاعتداء عليه يعني الاعتداء على إرادة الخالق، وعلى وريثه الشرعي في الأرض التي أرادها أن تكون مسرحا للإعمار والتطور والبناء، ولخوض غمار الامتحانات الصعبة في مسيرة الحياة الطويلة والمزدحمة بالإرادات.
إن الأوطان الحية هي التي تبني سبائك اجتماعية تحقق قوتها، وتعبّر عن طاقاتها وتحميها من القوى التي تريد انتهاك حرماتها. فالنسيج الاجتماعي المترهل يسهل اختراقه، أما إذا كان متينا وسدة نسجه مضغوطة جيدا، فإنه سيستعصي على النفاذ، وعندما تكون عناصر تكوينه مسبوكة سباكة جيدة، فإن انكساره ودماره يكون بعيد المنال.
وهكذا فإن الشعوب الحية تصنع سبائك وجودها الاجتماعي وتتفاعل فيما بينها، حتى ليستعصي انفراط نسيجها وكسرها من قبل الآخرين. أما الشعوب الضعيفة فإنها تكره التفاعل، وتتقولب في كياناتها الضعيفة، حتى ليسهل ابتلاعها وتدميرها.
والخلاصة، أن تخندق الكيانات الاجتماعية ضعف لها، ودمار لكلها، وتفاعلها وانصهارها مع بعضها قوة لها جميعا، وشد لأواصر تفوقها واقتدارها وتواصلها مع إرادتها الواعية وأهدافها السامية.
فهيا إلى سبائك الحياة المقتدرة، ولنصنع سبيكتنا الوطنية، التي تستعصي على الخرق والكسر والانحناء!!
واقرأ أيضاً:
الظواهر المعاكسة تندحر!! / المجتمعات المفخخة!! / هزي قهر يا أمة!! / العلة بالمفكرين وليست بالدين!!