إيذاء النفس المتعمد ليس ظاهرة جديدة ولكنه سلوك أشبه بوباء سلوكي جديد. المصطلح عموماً يتم تعريفه: تسميم أو إيذاء الإنسان لنفسه مهما كان السبب أو الغاية أو الوسيلة
القواعد العامة
يصل المريض بعد إيذاء النفس إلى مركز طبي عام وليس إلى مركز للصحة العقلية. المريض المصاب باضطراب عقلي ويمارس مثل هذا السلوك يحتاج إلى علاج في مركز طبي عام. في غالبية الحالات يتم تقييم حالة المراجع من قبل ممرضة مختصة في الطب النفساني الوصلي Liaison Psychiatry والتي ربما تستعين بطبيب نفساني في هذا الاختصاص أو التشاور مع الاستشاري أو الفريق المشرف على علاجه.
هناك ملاحظات عامة يجب الالتزام بها عند التعامل مع المراجع. إيذاء النفس لا يثير سخط الأهل والأقارب والأصدقاء وإنما يعم الاستياء العديد من العاملين في القطاع الصحي. يجب وضع هذه المشاعر السلبية جانباً واحترام المراجع وتفهم حالته. يجب أن يستهدف من يتحدث مع المريض مساندة المريض وعلاجه. الكثير من المرضى بحاجة إلى القبول بأن قرار العلاج والتقدم نحو الشفاء يحتاج إلى اتخاذ قرار مشترك بين الفريق الطبنفسي وهو نفسه.
المعالجة عموما تبدأ بتقييم نفسي اجتماعي مفصل Psychosocial Assessment. لابد من التشاور مع المريض والحصول على موافقته حول خطة علاج طويلة المدى. إذا كان هناك ما يثير الشك حول عدم استيعاب المريض لحالته الطبية أو النفسية فيجب تقييم القدرة على اتخاذ القرار أو المقدرة العقلية Mental Capacity.
تقييم الخطورة RISK ASSESSMENT
هناك معادلة عامة يلتزم بها العامل في الصحة النفسية وهي أن درجة الخطورة تعادل حاصل عدد المحاولات وطبيعة المحاولة. محاولة واحدة خطيرة جدا تعني أن درجة خطورة الانتحار في المستقبل عالية وتكرار المحاولات الفاشلة مهما كانت طبيعتها هو الآخر يعني ارتفاع درجة الخطورة.
هناك عوامل عدة تشير إلى ارتفاع احتمال الانتحار في المستقبل، وكثيرة التدوين في الممارسة العملية كما هو موضح في المخططين أدناه ويمكن تقسيمها كالآتي:
١- عوامل شخصية: الذكر، تاريخ عائلي لاضطرابات نفسية، تاريخ عائلي للانتحار، العزلة الاجتماعية.
٢- طبنفسية: الاكتئاب المستمر، الذهان، الإدمان.
٣- عوامل الفعل: ترك مذكرة، التخطيط للفعل، طرق إيذاء عنيفة.
مناقشة عامة
استعمال مصطلح إيذاء النفس المتعمد كثير الارتباط هذه الأيام بسلوك قطع الجلد مقارنة بالسلوكيات الأخرى وحينها تسمع تعليل من يمارسه:
١- الشعور بالارتياح بسبب الضغوط النفسية
٢- محاولة تقترب من الانتحار
٣- لا يعرف السبب
والأكثر دهشة من ذلك حين تقول لمن يمارسه بأن الشعور بالألم شعور سيء يأتيك الجواب: "ولكن الالتئام شعور جيد".
هذا السلوك أكثر ملاحظة بكثير في عمر المراهقة وأحياناً في الأطفال، ولكن ثلاثة أرباع من يمارسون هذا السلوك لا يصلون إلى المراكز الطبية النفسية والعامة. ولكن إذا تمت دراسة هذا السلوك كعامل خطورة لوحده فإن من يمارسه تسعة أضعاف أكثر احتمالاً أن تنتهي حياته بسبب العقاقير المدمنة والعنف و١٧ مرة أكثر احتمالا أن يقتل نفسه.
تضاعف انتشار هذا السلوك في الأعوام الأخيرة. انتشاره في الإناث أكثر من ٧٣ في كل عشرة آلاف وفي الذكور أكثر من ١٢ في كل عشرة آلاف. يصل انتشاره الذروة في الإناث في منتصف أعوام المراهقة. لا يقتصر انتشار هذا السلوك على مجموعة معينة وتراه في مختلف الطوائف والملل والعرقيات هذه الأيام.
رغم أن المواقع الاجتماعية على الإنترنت لعبت دورها في انتشار هذا السلوك وهناك مواقع تشجع عليه وتتفنن في ابتكار الوسائل لممارسته، ولكن الظروف البيئية تلعب دورها. هناك ضغط لا ينتهي على المراهقين للنجاح الباهر في الامتحانات والتفوق وفوق كل ذلك الالتزام. هذا الضغط الاجتماعي والتعليمي يدفعهم إلى حافة الانهيار وقبل الوصول إليها يمارس المراهق هذا السلوك ربما لتأخير وصوله إلى الحافة وطلب النجدة. لكن الصراخ وطلب النجدة قد لا يجد آذانا صاغية وإنما آذان من يوبخه وينعته بالضعف.
السلوك بحد ذاته كثير الارتباط باضطرابات معينة في الإناث وهي:
١- القلق
٢- الاكتئاب
٣- اضطرابات الأكل
وأما في الذكور فالاضطرابات هي:
١- الفصام
٢- عجز الانتباه وفرط الحركة
يميل الطب النفساني إلى الإسراع في منح هؤلاء المراهقين تشخيص الشخصية الحدية Borderline Personality Disorder وهذا نادراً ما يساعد المريض أو معالجه.
ليس هناك التئام وشفاء بعد إيذاء النفس وآثار قطع الجلد قد تبقى طوال العمر ولكن الأسوأ من ذلك أن آثاره النفسية قد تختفي فقط حين يقرر الإنسان وداع الحياة مبكراً.
واقرأ أيضاً:
هستيريا Hysteria / التفارق عن الواقع Dissociation from Reality