القلم أداة الطبيب التي إذا خطّت على الورق أصبح ما كتبته أمراً واجب التنفيذ، فالعلاقة ما بين الطبيب والقلم يومية وفعّالة وحيوية، فلا يمكن للطبيب أن يعمل بدون قلم حتى في زمننا المعاصر الذي تحاول فيه لوحات الكتابة (كي بورد) أن تنتصر على القلم!!
وقد تطورت العلاقة ما بين الطبيب والقلم عند عدد من الأطباء فبرعوا في كتابة القصة والرواية والمسرحية والشعر، وتمكنوا من التوهج على ناصية الإبداع الأصيل، وقد قرأنا لهم إبداعات ذات قيمة إنسانية وروحية سامية.
والطبيب الأديب يتمتع بقدرات إدراكية وحسية تميزه عن غيره من الأدباء والمبدعين، فلكي يكون الطبيب أديباً عليه أن يُجيد مهارات قراءة كتاب الإنسان الذي يتفاعل معه كل يوم.
فكل إنسان كتاب خاص التأليف وبأسلوب فريد، والطبيب الذي يتمكن من فك رموزه ومعرفة أبجدياته وقراءته بسلاسة هو الذي يستطيع أن يكون أديباً مؤثراً ومبدعاً متميزاً.
فليس كل طبيب أديب، ونسبة الأطباء الأدباء قليلة بين الأطباء لكنهم ندرة ذات قيمة معرفية وحضارية مؤثرة في صناعة الحاضر الأروع والمستقبل الأفضل لأنهم يمتلكون مهارات التقييم والتشخيص والتداخل العلاجي الشافي من الوجيع.
وفي زماننا المعاصر تزايد عدد أقلام الأطباء التي تكتب، وما يُخيّب الآمال أن معظمها تحركت مع التيار وتحوّلت إلى صدى وما قدمت ما هو نافع للحياة، بل إن البعض صار يكتب بلغة الكراسي القاهرة للناس، ويسوّغ المآثم والمظالم والعدوان على حقوق الإنسان.
وفي هذه الاتجاهات خلل أخلاقي وخيانة للمهنة وضوابطها السلوكية التي على الطبيب أن يلتزم بها في جميع الأحوال والنشاطات.
فقلم الطبيب يجب أن يتحلى بالانضباط الإنساني، ويجب ألّا يخون رسالته وتوجهاتها القاضية بتخفيف الأوجاع ومداواة الأسقام بأنواعها، وعندما يختار أن يكتب عن الأمراض الاجتماعية والتفاعلات السلبية الضارة فمن مسؤوليته أن يكون مُنصِفاً ونزيهاً ومحايداً ويريد الوصول إلى الحقيقة والنتيجة البينة التي بموجبها يقترح الاقترابات المشافية.
أو أن يكتب أدباً خالصاً نابعاً من وحي الإنسانية وما يعتريها من تحديات ومعوقات ليأخذ بالبشرية إلى آفاق المحبة والأخوة والتفاعلات الإيجابية الطيبة.
فهل أقلام بعض الأطباء تُطبِّب؟ أم تفتق جراحاً قد اندملت؟!!
واقرأ أيضاً:
كورونا والهياج الهستيري / لماذا يتنازل العربي عن ذاته؟! \ القائد القارئ!!