التمهيد:
هذا عرض لكتاب الأستاذ محمد على باخريبه "الصهيونية بإيجاز"، أصل ونشأة المخططات الصهيونية العالمية ذات الصبغة العنصرية، وهو كتاب قيم في موضوعه؛ ذلك أن الأمة اليوم بحاجة شديدة إلى معرفة الأطر والأسس والقواعد التي يوفرها ويؤسسها العدو المتربص بالإسلام والمسلمين ويسير عليها، وأخطر عدو يواجه أمة الإسلام اليوم هو اللابس ثوب الصهيونية الضاربة بأطنابها في عقر دار الإسلام تحت ستر شتى: وهو أوضح للعيان في فلسطين اليوم والشيشان والعراق وأفغانستان و... وهي المتحكمة اليوم في اقتصاديات العالم وسياساته.
ضمنه المؤلف حفظه الله الأسباب والدوافع التي دعته إلى تأليف هذا الكتاب، ولعل أهمها بل هو الأهم على الإطلاق قضية المسلمين الأولى في هذا العصر، قضية فلسطين واحتلال اليهود الصهاينة لها، والقارئ يلمس مدى حرقة المؤلف على الأوضاع المؤلمة التي وصلت إليها الحال من جراء تسلط الصهيونية، ووقوف العالم بأسره متفرجاً على آثارها القبيحة في العالم الإسلامي عموماً وفلسطين خصوصاً وجعل الهدف من تأليف الكتاب "محاولة الغوص في أعماق أولئك الشراذم من اليهود الذين طغت عليهم الأنانية فنسوا إنسانيتهم، ليسلموها إلى أحقادهم، فكشفت طبيعة الصهيونية التي قلت فيهم كل ما يمت إلى الإنسانية من خلال الجري وراء أطماع غير عقلانية، وعندما تعمد إلى ترقيع اليهودية البالية، للسيادة على العالم بأساليب يتقزز منها العقل ويتبرأ منها الطبع السليم".
وهذا الكتاب جاء بفكرة العرض التسلسلي التاريخي لفكر الصهيونية العنصرية ليفضح تطلعات الصهيونية المستقبلية، وقد استخدم المؤلف نصوصاً مجتزأة أو من بروتوكولاتهم الشريرة تدعيماً للحقائق التي سيذكرها في الكتاب، ثم ختم ذلك بذكر أساليب التصدي لهذه الحركة الشريرة المدمرة عن طريق كشف مؤامراتها ورسم الخطط العامة، للوقوف أمامها ووضع استراتيجيات مستقبلية بعيدة المدى، لإيقاف زحفها، بل والتخطيط لإجهاض حملاتها المسعورة والنيل منها قبل النيل منا.
تعريف الصيهونية:
عرف المؤلف حفظه الله كلمة صهيون كما فسرها اليهود بمعان ثلاثة:-
1- مدينة الملك الأعظم.
2- اسم حصة سماه نبي الله داود.
3- اسم جبل يقع في شرق القدس.
أما المفهوم السياسي فهي الفلسفة القومية لليهود التي أخذ اليهود تعاليمها من التوراة والتلمود الذي سيطر هو والبروتوكولات على الصهاينة سيطرة كاملة فيسيرون على مخططاتهما، جاعلين مبدأ استهجان الغير مبدأهم الأول.
نشأة الحركة الصهيونية:
يرجع المؤلف نشأة الصهيونية على تهجير اليهود عن فلسطين على يد البابليين في القرن السادس وعلى يد الرومان تيطس 70 ب.م ثم إصرار النصارى على عدم رجوعهم إلى بيت المقدس إبان الفتح الإسلامي إلا أن ظهور منظمة تهتم بهذه الفكرة كان في أغسطس 1897م في مدينة بازل السويسرية حين اجتمع 204 من قادة اليهود وانتخبوا هرتزل رئيسا للمنظمة وقاموا بصياغة البروتوكولات السرية التي افتضح أمرها بعد ذلك.
ويعرف المؤلف اليهود أنهم كتلة بشرية ضئيلة من أول أمرها في الوجود، وعلى هذا أجمع المؤرخون حتى في زمن أنبياء اليهود كانوا حفنة قابلة لأن تذروها الرياح بين إمبراطوريات الشرق، وإن كان هناك جذور لبدء الحركة الصهيونية من سقوط الدولة اليهودية إلى اضطهاد الروس ودخول اليهود إلى الغرب واستعبادهم فإن بوادرها تأسيس حركة تحرير لليهود من نير استعباد الأوربيين وهي التي عرفت باسم الماسونية وكانت تحاول مساعدة اليهود وإخراجهم من محنتهم وخيرتهم بين ست خيارات:-
1- فمن من رأى أن خلاصهم عن طريق المسيح المنتظر فلجأوا إلى التدين.
2- ومنهم من رأى أنهم يجب عليهم الذوبان في مجتمع غير اليهود ونسيان الذاتية اليهودية للتخلص من هذه المعاناة.
3- ومنهم من رأى أن الهجرة من البلاد التي يعانون فيها إلى غيرها من البلدان التي لا تعامل اليهود بعنصرية هي الأجدى.
4- وبحثوا في فكرة الاستيطان ودعمها من قبل رجالات المال الأثرياء وإنشاء الجمعية اليهودية للاستعمار ولم تكن فلسطين هي المكان الوحيد المقترح بل هناك أمريكا والبرازيل والأرجنتين وغيرهم.
5- ومنهم من رأى البقاء في أوربا الشرقية لذلك رأوا أن من مصلحتهم الانضمام للحركات الشعبية والسياسية والاقتصادية ثم التملص منها وتحقيق أغراضهم من خلال الحكومات التي نصروها ووضوعوا دساتيرها.
6- ورفض بعضهم كل الحلول السابقة ورأوا العودة إلى التعاليم التوارتية مهما كلفهم ذلك من مال وجهد ونفس.
ويرى المؤلف أن الشخصية اليهودية متباينة تباينا شديد وما ذاك إلا لما مرت به عبر التاريخ من تجارب، ولذا فإن السمة اللازمة لهم هي الحقد والكراهية والبغض الذي قد يتعدى غير اليهودي إلى اليهود أنفسهم.
ويوضح المؤلف أن الصهيونية هي طريق عودة اليهود إلى فلسطين الذي يسبقه عودتهم إلى اليهودية وأنها لا يمكن أن تحدد لأنها (مبدأ متغير حسب مصلحة معتنقيه)، وكل تعاريفها تدور حول شخصية اليهود الفريدة المتميزة عن باقي شخصيات الشعوب.
ويرى المؤلف أن اليهود لا يشكلون شعباً لأن ديانتهم لا تعطيهم تلك المفاهيم التي يقوم عليها الشعب، ويرى أنهم جماعات منها السفارديم وهم يهود الشرق الأصليون، ومنها الأشكناز وهم يهود أوربا، ورأت الصهيونية أن بإمكانها أن تخلق بينهم تجانساً وتوحيداً بين عقائدهم وهذا كان المسيطر على أفكار القادة من الصهاينة آنذاك.
الهيئة التنظيمية للصهيونية العالمية:
اعتمد الصهاينة على مصدريين لإعطاء المنظمة وجودها:
(1) مصدر عاطفي عميق دائم.. قديم بعمر الدين اليهودي – ويعتمد على الوعد بالعودة إلى اليهودي الأول إبراهيم عليه السلام فيما يزعمون.
(2) مصدر تجديد وعمل وثمرة مؤتمر الفكر السياسي العلمي الناشيء عن ظهور الزمان والمكان والمنبعث من التطورات والثورات التي شهدتها أوربا.
وكان لهذين أثرٌ كبيرٌ في تحقيق ما أراده الصهاينة من خلال القنوات الرئيسية والفرعية التي حددوها في تركيبتها وبنيتها في سبيل تنظيم العمل وتنسيق سريان الوظائف والأعمال التي تقوم بها اللجان والإدارات والوحدات والتنظيمات وترتبط جميعها بهيكله تنظيميه ذات مرجعية مركزية.
ويأخذ المؤلف بعد ذلك في عرض جداول توضيحية عن:-
(1) الهيكل التنظيمي للوكالة اليهودية حتى 1929م.
(2) الهيكل التنظيمي للمنظمة الصهيونية العالمية عام 1982م.
(3) أسماء رؤساء المنظمة الصهيونية العالمية بداية بهرتزل 1897-1904م نهاية بـ ناحوم غولدمان 1956-1968م.
ركائز الحركة الصهيونية العالمية:
فتقوم ركائز الصهيونية على أربعة ركائز:-
(1) الروابط التاريخية والدينية القديمة التي تربط اليهود بأرض فلسطين والصهاينة بعهود.
(2) أصل اليهود واحد وهم أصحاب جنسية واحدة هي الجنسية الإسرائيلية.
(3) الأرض الموعودة هي لشعب الله المختار وهي فلسطين وما حولها من النيل إلى الفرات.
(4) أن الرب قد تعهد أن يرقى بذرية إسرائيل في النهاية إلى سيادة العالم وفلسطين قاعدة الإمبراطورية اليهودية المنشودة.
ويتكلم المؤلف عن بعض هذه العناصر بالتفصيل موضحاً أن اليهود ليس لهم حق في فلسطين لأنها أرض العرب في مبدأها (ويقصد الكنعايين) ومنها بعرب فلسطين، وما اليهود إلا غزو أتى على أهل الأرض كالفرس والروم والصليبين وغيرهم، فكلامهم على أنهم أصحاب الأرض ليس إلا دعاء وجري وراء السراب.
ويبين أن اليهود لا ينتمون إلى أصل واحد، وأنه لم يتبقى من اليهود الأصليين السفارديم إلا القليل ممن عاش في الشرق والباقي هم أخلاط شتى من الأوربيين الأشكناز الذين اعتنقوا اليهودية من بلاد الخزر إبان قيام مملكتهم في الأرض الروسية فليس لهم اصل سامي ولا تجمعهم جنسية واحدة بل هم جماعات شتى يشتركون في دين واحد.
ويوضح أن وعودهم بالأرض الموعودة والأمبراطورية المنشودة ما هو إلا ضرب من الخيال.
ويتبع >>>>: الصهيونية بإيجاز(2)
إعداد الطالب: موسى بن محمد بن هجاد الزهراني
(للسنة التمهيدية للماجستير بقسم الفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم 2003 -2004م)