حق العودة في مشاريع التسوية غير الرسمية (2)
المخاطر الأخرى التي تمثلها هذه الوثائق
1- من يدقق في نوعية وهوية الشخصيات الفلسطينية التي شاركت في التوصل إلى هذه الاتفاقيات يلاحظ أنها شخصيات مسئولة على أعلى المستويات سواءٌ في منظمة التحرير (أعضاء لجنة تنفيذية) أو السلطة الوطنية (وزراء وأعضاء مجلس تشريعي) وليس من خارج المؤسسة الرسمية كما هو حال الطرف الإسرائيلي المشارك (أحزاب معارضة). وهذا يعني تجاوزاً لالتزامات منظمة التحرير، وخروجاً على برنامج الإجماع الوطني. ورغم المطالبات الشعبية الواسعة التي طالبت قيادة المنظمة بمحاسبة هؤلاء، ووقف تحركاتهم، إلا أن شيئاً من ذلك لم يتم. وفي حال استمرار تحرك هؤلاء الخارجين عن الإرادة الشعبية والصف الوطني، فإن ذلك سيشكل خطراً على الوحدة الوطنية، وعلى مصداقية منظمة التحرير ومدى تمثيلها لإرادة الشعب الفلسطيني وأهدافه.
2- لم تتوقف جهود هؤلاء الناشطين الفلسطينيين عند حدود التوصل إلى هذه الوثائق أو الاتفاقيات، فهم ينشطون على المستويات المحلية والعربية والدولية للترويج لهذه الوثائق واستقطاب تأييد لها. فعلى الصعيد المحلي أسست مجموعة ياسر عبد ربه "ما سمي تحالف السلام الفلسطيني"، وأسست مجموعة سري نسيبة "ما سمي بالحملة الشعبية للسلام والديموقراطية"، ويقومون بأنشطة إعلامية واسعة عن طريق توجيه نداءات ونشر إعلانات مدفوعة وإصدار صحف ونشرات وإجراء استطلاعات موجهة حسب وجهة نظرهم. وأقاموا مراكز إعلامية لهذه الأغراض. كما ينشطون في مجال الزيارات والاتصالات مع جهات عربية ودولية، رسمية أو غير حكومية، لحشد التأييد والمساندة لتوجهاتهم. وهذا النشاط الواسع يوحي بأن هناك أموالاً طائلة رصدت لهم من قبل هيئات وجهات خارجية غير معلومة، مما يثير شكوكاً أكثر في الهدف من هذه التحركات والوثائق، وأصحابها، ومن يقف وراءَها.
3- الانطباعات التي يتركها نشر هذه الوثائق والترويج لها لدى الرأي العام الدولي، بوجود استعداد لدى الشعب الفلسطيني وقيادته السياسية للتنازل عن حق العودة، مما يضعف التأييد الدولي لهذا الحق.
4- هذه الوثائق والمواقف ساهمت في إغراء الحكومة الإسرائيلية بتصعيد موقفها العنصري الرافض أصلاً لعودة اللاجئين. فقد لاحظنا خلال السنتين الأخيرتين أن إسرائيل ـمستفيدة من الواقع العربي الضعيف، والواقع الدولي، وخاصة الأمريكي، المنحاز لها، والساكت عن عدواناتها، ومن التغيرات الإقليمية التي كان غزو العراق واحتلاله وتدميره أبرز عناوينها، ومن ظهور هذه الأصوات الفلسطينية التي تتنازل عن حق العودة مجانا، مما يعكس ضعف وتراجع الموقف الرسمي الفلسطينيـ قد صعدت من حملاتها لإلغاء حق العودة، والحصول على ضمانات دولية بذلك.
فتركيز الحكومة الإسرائيلية في الفترة الأخيرة على يهودية الدولة الإسرائيلية، ومحاولاتها الحصول على اعتراف بذلك من القوى الدولية "اعترف بذلك الرئيس بوش" وضغوطها على الجانب الفلسطيني للإقرار بذلك، إنما يأتي في سياق سعيها لقفل الباب أمام عودة اللاجئين الفلسطينيين، وفتح الباب أمام إمكانية تهجير العرب الفلسطينيين الذين يقيمون في وطنهم داخل إسرائيل. كذلك نجحت حكومة إسرائيل في الحصول على ضمانات مكتوبة من الرئيس الأمريكي بعدم عودة اللاجئين الفلسطينيين.
5- يمكن لإسرائيل أن تستفيد من هذه الوثائق كمستند قوي بين يديها في أية مفاوضات مع الطرف الفلسطيني حول موضوع اللاجئين، وتعتمدها أساساً لحل هذه المشكلة، خاصة وأنها صدرت عن أوساط قيادية فلسطينية.
الجهود الشعبية الفلسطينية في مواجهة هذه التحركات
رأت الجماهير الفلسطينية، وقواها السياسية والشعبية في هذه الوثائق، ومواقف وتحركات أصحابها، انحرافاً خطيراً في المسيرة النضالية الفلسطينية وخروجاً عن أهدافها وبرامجها. وواجهتها بردود فعل واسعة وغاضبة، شملت مختلف الساحات، داخل الوطن وخارجه، وأخذت أشكالاً مختلفة من المسيرات والبيانات والندوات، والتعبئة الشعبية، وحمَّلت جميعها القيادة الفلسطينية مسؤولية السكوت عن مثل هذه التجاوزات أو السماح بها، وطالبتها بوقفها ومحاسبة أصحابها.
وجاءَت هذه التحركات الشعبية استمراراً لعمل شعبي بدأ منذ سنوات لتعبئة الشعب الفلسطيني للدفاع عن حق العودة وحمايته، وتوعيته على المخاطر المحدقة بحق العودة. ورغم النتائج الإيجابية والنجاحات التي حققتها هذه التحركات الشعبية في مجال التوعية والتعبئة، وفي توجيه رسائل سياسية واضحة للقيادة الفلسطينية عن مدى تمسك الشعب الفلسطيني وجماهير اللاجئين بحقهم في العودة، وللمتلاعبين بهذا الحق للكف عن هذه الخروقات، إلا أن الحركة الشعبية الفلسطينية الناشطة للدفاع عن حق العودة لم تكتمل بعد، ومازالت بحاجة إلى المزيد من التنظيم وتوحيد الجهود والمواقف والتكامل والتنسيق بينها في مختلف الساحات. فهي:
أولاً: مطالبة بالخروج من دائرة ردود الفعل العفوية غير المنظمة، وتحويلها من مبادرات فردية أو عمل لجان محلية إلى عمل جماعي منظم.
ثانيا: توحيد الأطر المتعددة في كل ساحة في إطار واحد أو إطار تنسيقي موحد يضم كل الهيئات واللجان والفعاليات الناشطة في مجال الدفاع عن حق العودة.
ثالثا: إقامة إطار تنسيقي موحد لكل الساحات يضم جميع أطر التنسيق داخل الوطن وخارجه.
رابعا: وضع برنامج شامل ومتواصل للنشاط والتحرك على المستوى المحلي والعربي والدولي، تتم بموجبه عمليات التوعية والتعبئة والتنظيم في مجال الدفاع عن حق العودة، وكسب التأييد والدعم العربي والدولي لحق العودة.
خامسا: تنشيط ودعم مراكز الإعلام والدراسات المهتمة بحق العودة (مركز بديل في بيت لحم، مركز العودة في لندن) وأية مراكز أخرى مختصة، لمواجهة النشاطات الصهيونية والإعلامية المضادة التي تحظى بدعم كبير من الجهات المعادية والرافضة لحق العودة.
سادسا: أمام التحريفات التي نشهدها في مفهوم حق العودة، وتفسيراته، وأمام الصيغ المبهمة القابلة للتلاعب التي تعتمدها أحيانا القمم العربية، نرى تكليف مجموعة من الحقوقيين البارزين، والسياسيين، الناشطين في مجال الدفاع عن حق العودة بصياغة نص قانوني وسياسي يحيط بمختلف جوانب قضية اللاجئين وحقهم في العودة، ليكون هو النص المعتمد لمفهوم حق العودة لدى كل الهيئات الفلسطينية والعربية والدولية التي تتناول هذا الحق في أدبياتها وقراراتها، ويتم تأكيد هذا النص سنويا في قرارات القمم العربية والإسلامية، وكل الهيئات البرلمانية العربية والإسلامية والدولية. تماما كما تفعل الأمم المتحدة سنويا في تأكيدها للقرار 194.
سابعا: العمل على جبهة الأحزاب والقوى السياسية، والمنظمات الجماهيرية والبرلمانيات، في البلدان العربية والإسلامية، لشرح قضية اللاجئين وأبعادها، وتشكيل لجان شعبية على المستوى القطري والقومي العربي والإسلامي للدفاع عن حق العودة. وذلك لشد اهتمام هذه الساحات الشعبية لحق العودة، ولتغطية أي نقص أو لبس في مفهومها لهذا الحق، خاصة وأنها هي الأخرى باتت تولي اهتماماً لقضية الدولة الفلسطينية والقدس، أكثر من اهتمامها بقضية اللاجئين وحقهم في العودة، رغم أن هذه القضية هي جوهر قضية فلسطين وأساسها.
ثامنا: تنشيط العمل على الساحة الدولية، عبر البرلمانات والأحزاب والقوى السياسية والمنظمات غير الحكومية لتشكيل لجان تضامن مع حق العودة، ولجان دعم للمخيمات الفلسطينية في النواحي الاقتصادية والصحية والتعليمية والاجتماعية لتعزيز موقفها وصمودها وتمسكها بحق العودة، ورفض التوطين أو التهجير.
تاسعا: البحث عن مصادر تمويل عربية وإسلامية ودولية، نزيهة وشريفة، لدعم التحرك الشعبي الفلسطيني لتمكينه من مواجهة وإحباط المؤامرات المحلية والدولية التي تحاك لإسقاط حق العودة.
خـاتمة: منطلقات عامة لمفهوم حق العودة وتطبيقه:
1- إن اعتراف إسرائيل بالمسؤولية السياسية والقانونية والأخلاقية عن خلق مشكلة اللاجئين، واستمرارها، عبر السنوات السبع والخمسين التي مرت حتى الآن، ومما عاناه اللاجئون من حرمان وعذاب، مسألة أساسية، وهي المدخل لإلزامها بالسماح للاجئين بالعودة إلى أراضيهم، وتعويضهم عما لحق بهم من مآسي، وعن استغلالها لأراضيهم طيلة هذه السنوات.
2- إن قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة رقم 194، والذي يجري تأكيده سنوياً، لم ينشئ حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة، ولكنه أعاد صياغة وتأكيد مبدأ راسخ في القانون الدولي العرفي. إن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ينص صراحة على أن "لكل فرد الحق في... العودة إلى بلده". ويُستقى الأساس القانوني للقرار 194 مباشرة من القانون والممارسة الدوليين، ذلك أنه قد تم تبنيه في أعقاب عمليات عودة اللاجئين المكثفة التي تلت الحرب العالمية الثانية. ولقد تم الإقرار مراراً وتكراراً بأن العودة الطوعية تشكل الحل الأمثل والأكثر ديمومة لمشاكل اللاجئين. وفي السنوات القريبة، قام المجتمع الدولي بالاعتراف بحق اللاجئين بالعودة إلى ديارهم، كما قام بتفعيل هذا الحق في حالات عديدة من أبرزها البوسنة وكوسوفو.
3- إن الأمم المتحدة أطلقت على العقد الأخير من القرن الماضي اسم "عقد عودة اللاجئين". إن القبول الدولي بحق اللاجئين بالعودة إلى ديارهم لا يستند في طبيعته وأصله إلى اعتبارات إنسانية فحسب، ولكنه مؤسس على اعتبارات واحتياجات عملية. إن عودة اللاجئين تشكل مكوناً أساسيا في بناء الثقة بالسلم. وبالفعل، وكما أشارت مفوضة الأمم المتحدة السامية للاجئين، فإن "التجربة في دول عديدة تعاني من النزاع قد أظهرت أنه، بالنسبة للرجال والنساء العاديين، فإن عودة الأصدقاء والأقارب بسلام غالباً ما تكون أكثر أهمية من أي اتفاقات رسمية" وعلاوة على ذلك، فإن عودة اللاجئين تلعب دوراً هاما في تأكيد النظام السياسي في ما بعد الصراع، ذلك أن اللاجئين بعودتهم إنما يصوتون بالفعل على منح الثقة في مستقبل السلم. إن إبقاء مجموعة من اللاجئين في حالة اغتراب عن السلم، مجموعة لا تشعر بأية صلة أو علاقة بالسلم، أو ملكية له إنما يشكل وصفة أكيدة لاستمرار أي نزاع بغض النظر عن الاتفاقيات الرسمية التي قد يتم توقيعها.
4- تنص المادة 22من الميثاق الأوروبي للسلم، والتي تبنتها منظمة الأمن والتعاون في أوروبا مؤخرا في اسطنبول، على التالي:"نؤكد التزامنا... بتسهيل العودة الطوعية للاجئين والنازحين بكرامة وأمان. وسنتابع بدون تمييز دمج اللاجئين والنازحين في مواطنهم". بذلك، تشير منظمة الأمن والتعاون في أوروبا إلى اعتبارها موضوع اللاجئين موضوعا ذا أبعاد أمنية. وبعبارة أخرى، فإن إبقاء اللاجئين خارج مواطنهم بالقوة يشكل تهديداً للأمن. وباختصار، وكما تمت ملاحظته في أماكن متعددة من العالم، فإن عودة اللاجئين تشكل مكوناً أساسيا في الانتقال إلى السلم، وليس مجرد نتيجة لهكذا انتقال.
5- من خلال قوانين ومخططات إدارية مختلفة، أبرزها قانون أملاك الغائبين، قامت السلطات الإسرائيلية منذ العام 1948 بمصادرة أملاك اللاجئين ونقلها إلى دولة إسرائيل أو مؤسساتها، أو إلى أفراد يهود. وقد تمت صياغة هذه القوانين بدقة بهدف حرمان الفلسطينيين من أراضيهم وأملاكهم ونقلها إلى أياد يهودية. ومن ثم، يجب أن يضمن أي حل لمشكلة اللاجئين إعادة أملاكهم التي صادرتها إسرائيل بشكل غير شرعي إلى أصحابها الفلسطينيين الشرعيين أو ذريتهم. ويجب إعادة هذه الأملاك سواء اختار اللاجئ العودة أو لم يخترها.
6- وبالإضافة إلى ذلك، فإن للاجئين الحق بالتعويض عن الخسائر والأضرار التي لحقت بممتلكاتهم، وعن الإصابات الشخصية والألم والمعاناة النفسيين وأي ضرر آخر نجم عن النكبة أو عن ما تلا ذلك من تهجير وحرمان. ومن الضروري التأكيد على أن حق اللاجئين بالعودة والتعويض مكملان لبعضهما البعض، فللاجئين الفلسطينيين الحق بالتعويض سواء اختاروا ممارسة حقهم بالعودة أم لم يفعلوا.
ملاحظات:
ينفي الأخ أبو مازن أن يكون قد توصل مع يوسي بيلين، أو وقع معه أية وثائق. وأن الوثيقة التي نسبت إليه لم تكن أكثر من مقترحات وأفكار تم التوصل إليها بين باحثين وأكاديميين فلسطينيين وإسرائيليين، بدليل أنها لم تطرح على الرأي العام الفلسطيني أو الإسرائيلي، ولا على المجتمع الدولي لحشد تأييد لها، واستقطاب حولها، كما هي الحال مع الوثيقتين الأخريين.
اقرأ أيضاً::
قطعة البطاطا الساخنة/ الشاباك تستخدم التحرش الجنسي بالأسيرات الفلسطينيات/ هذه كلمات وزفرات طفلة من الاراضى الفلسطينية/ الحق التاريخي لليهود في أرض فلسطين؟