الفوضى الأمنية في مناطق السلطة:دعوة للوصاية الخارجية
حاولنا التوفيق عقليا ومنطقيا بين أشياء متعددة ،تجري في مناطق السلطة، دون الوقوع في التلفيقية والتبريرية أو التسطيح ،ولكن دون جدوى.
فكيف يمكن التوفيق ما بين هذا العطاء المتدفق والعظيم للشعب من شهداء وجرحى ومعتقلين ومنكوبين من جانب وهزال النتاج السياسي من جانب آخر؟! كيف نوفق ما بين إفقار متزايد لقطاع كبير من الشعب وتراكم الثروة عند النخبة من جانب آخر؟! كيف نوفق ما بين التآكل المتواصل لحقوقنا السياسية ولأرضنا من جانب وتراكم الثروة والجاه عند النخبة السياسية التي بيدها مقاليد الأمور والتي من المفترض أنها مؤتمنة على حقوق الشعب؟! كيف تستمر وتتزايد الشراكة الاقتصادية ما بين النخبة السياسية/الاقتصادية الفلسطينية مع إسرائيل بما يراكم الأرباح المالية للطرفين فيما تتعثر الشراكة السياسية بما يخدم القضية الوطنية ؟!
كيف نوفق من جانب ما بين استمرار التهدئة ومحاولة دمج المطلوبين لإسرائيل- نشطاء الانتفاضة- في أجهزة السلطة مع عدم التزام إسرائيل بما تعهدت به في شرم الشيخ ،دون أن يعني هذا وقف الانتفاضة؟! كيف نوفق بين مزاعم حماس بأنها ترغب بالمشاركة السياسية بالسلطة على أسس ديمقراطية دون أن تبذل أي جهد لإصلاح حال السلطة بل تقول وتتصرف بما يُصعب الأمور على الجنود المجهولين داخل السلطة؟!كيف نوفق ما بين الاتصالات الجارية ما بين حماس ومسئولين أوروبيين وأمريكيين وزعم حماس بأن هذه الاتصالات تجري على قاعدة تمسكها بالحقوق الوطنية التاريخية للشعب الفلسطيني وعدم التفريط بأي شبر من أرض فلسطين ؟!. .
كثير من الأمور تربك المواطن العادي وتثير قلق وخوف كل متابع غيور على القضية وملم بخفايا الأمور .
ما نود الحديث عنه بشيء من التفصيل هو كيفية التوفيق بين ما يجري في مناطق السلطة اليوم من فلتان امني وفوضى معممة من جانب وتباكي وشكاوى مسئولو السلطة وعلى رأسهم رئيس الوزراء ووزير الداخلية من هذا الفلتان وكأن الأجهزة الأمنية أجهزة سلطة أخرى أو مفروضة على السلطة وليست جزءا منها؟! كيف نوفق بين الزعم بان السلطة قادرة على حفظ الأمن والقيام بمهامها بعد الانسحاب الإسرائيلي من غزة فيما نشاهدها عاجزة عن حفظ الأمن في المناطق التي تحت سيطرتها الآن!.
لم يعد مجالا ومبررا للسكوت اليوم على ما يجري من فوضى معممة ومسلحة في مناطق السلطة،كنا قبل ذلك نقول بان الحوادث الفردية التي تجري هنا وهناك أمر طبيعي وكل دول العالم تعرف حالات مشابهة، كنا نكابر ونهون من الأمر حتى لا نشوه صورة شعب الانتفاضة وشعب الجبارين .ولكن، وصل السيل الزبى، بحيث بات الصمت تواطؤ والتبرير جريمة.
الفوضى المسلحة أصبحت بنيوية وتقوم بوظيفة تخدم العدو بشكل مباشر ،بنيوية من حيث شموليتها وتعدد الأطراف المشاركة بها، عنف بين الأفراد وعنف بين الأسر والعشائر وعنف ما بين الأجهزة الأمنية وعنف داخل الجهاز الواحد والتنظيم الواحد، واحتقان يهدد بالانفجار ما بين السلطة وأحزاب المعارضة .
أما كون هذا العنف يقوم بوظيفة خدمة إسرائيل فهو أمر طبيعي ليس فقط لأنه لا يمكن لعنف سياسي ومجتمعي أن يخدم مصلحة وطنية ،ربما يخدم مصلحة أشخاص أو البعض من النخبة أو حزب ما ،ولكن كل هذه المصالح لا تعبر عن مصلحة وطنية بل تضر بالمصلحة الوطنية عندما تتعارض مع بعضها البعض، الفلتان الأمني يخدم العدو لأنه يتصاعد في الوقت الذي نحن فيه مقبلون على دفع استحقاقات خطة شارون، وفيما هذا الأخير وقوى خارجية أخرى يشككون بقدرة السلطة على حفظ الأمن بعد الانسحاب، الفلتان الأمني في هذا الوقت هو دعوة صريحة إما لتأجيل الانسحاب أو لبقاء وجود عسكري وأمني إسرائيلي في القطاع لحفظ الأمن ودعوة لشارون لمزيد من ابتزاز السلطة بذريعة غياب الأمن، أو دعوة لوصاية خارجية ووجود أمني خارجي إما عربي- مصر في غزة والأردن في الضفة – أو دولي وقد يكون لزيارة وفد من الحلف الأطلسي لرام الله علاقة بالموضوع.
فهل النخبة السياسية وخصوصا في السلطة غير مدركة لهذه المخاطر ؟أم مدركة وعاجزة ؟أم مدركة ولكن بعض مراكز القوى معنية بوجود حالة الفوضى المسلحة لأنها متآمرة على القضية الوطنية ؟التهديدات المتكررة لرئيس الوزراء بالاستقالة أو بتعليق عمل الحكومة – وتهديد رئيس حكومة بتعليق العمل احتجاجا على تقصير أجهزة أمنية تابعة للحكومة !هو أمر جديد وغريب وغير موجود بأية حكومة بالعالم – لم تعد تنطلي على أحد بل أصبحت تأخذ شكلا تهريجيا،الأجهزة الأمنية جزء من السلطة :
إشرافا وتمويلا ،والأجهزة الأمنية ليست وليدة اليوم فعمرها أكثر من عشر سنوات وهي جُهزت عدد وعدة –يصل عدد أفرادها حوالي 50 ألف مسلح- لتقوم باستلام مهام أمنية في كل الضفة وغزة ،وإسرائيل أراحتها وتريد أن تعهد لها فقط بضبط الأمن في شوارع وحواري قطاع غزة دون حدوده وسمائه ومياهه،ثم يقولون بأن الأجهزة الأمنية عاجزة عن ضبط الأمن!.
نقولها وبصراحة إن تخوفات تنتابنا بأن بعض مراكز النفوذ في السلطة لهم ضلع بالانفلات الأمني بل يعززونه وهم بذلك ومن حيث يدرون أو لا يدرون يخدمون مصلحة العدو ،إنهم يريدون أن ينشغل المواطن بأمنه الشخصي والغذائي بحيث يصبح كل همه هو كيف يحافظ على ذاته وماله وكيف يؤمن رغيف الخبز لأولاده ،وبذلك لا يصبح المواطن مهتما بأمن الوطن ولا باقتصاد الوطن ،الانشغال بالهم اليومي لا يفسح المجال للمواطن ليحاسب المسئولين الفاسدين على فسادهم ولا أن يتفرغ للاهتمام بما يجرى من مساومات وبيع وشراء للوطن .
لو توفرت الإرادة عند السلطة – تنفيذية وتشريعية وأجهزة أمنية- بوضع حد لحالة الفلتان الأمني لكان باستطاعتها فعل ذلك ،المشكلة لا تكمن بغياب القدرة بل في غياب الإرادة، المشكلة بمراكز نفوذ بعضهم يتقلد مناصب رفيعة يعتاشون على خراب البلد وتجويع الشعب والمساومة على الحقوق .
وللأسف فأن المعارضة تتحمل جزءا من المسؤولية فلو كانت حماس والجهاد والشعبية وغيرها من الفصائل المسلحة معنية بمصلحة الوطن وبالتالي بوضع حد لحالة الفوضى لتم وضع حد لها .السلاح الشريف في السلطة وعند الفصائل لو توفرت الإرادة يمكنه أن يضع حدا للفوضى ويقيم دولة القانون خلال أيام ،ولكن فصائل المعارضة تعتبر أن كل ما يُضعف السلطة يقوى المعارضة وبالتالي فأن مزيدا من الفوضى يجعل المعارضة أقرب للسلطة !.
اقرأ ايضا:
شارون واللعب عالمكشوف/ شارون وماضيه/ أحلام فلسطينية / ما بعد إسرائيل: بداية التوراة ونهاية الصهيونية / نانسي عجرَم تُحررُ القدس