تشهد إسرائيل نقاشا حامي الوطيس يتعلق بظاهرة التهرب من الخدمة العسكرية، والتي تصاعدت معدلاتها بين الشباب الإسرائيلي بمعدل غير مسبوق. وقد تراوحت الآراء حول هذه الظاهرة بين منتقد ينعي تفكك الهوية الجماعية ونهاية روح الريادة التي عرف بها المستوطنون الأوائل، وبين من يعتبرها حيلة ومناورة جديدة من المؤسسة العسكرية تحاول بواسطته زيادة المخصصات العسكرية من الميزانية العامة. فرئيس هيئة الأركان العامة الجنرال غابي أشكنازي في خطاب ألقاه في يوم 31/7/2007 (المشهد الإسرائيلي 15/8/2007) في مقرّ سلاح الجو في هرتسليا، شجب ظاهرة التهرّب من الخدمة في الجيش الإسرائيلي، ووصفها بأنها "تنهش المجتمع والجيش في إسرائيل".
وأضاف أن "المتهربين فقدوا الشعور بالخجل، ومهمتنا جميعًا الآن هي أن نعيد الخجل إلى سحنات المتهربين، وأن نعيد شعور الاعتزاز إلى الجنود في الخدمة". أما وزير الدفاع إيهود باراك فقد تحدث في ندوة خاصة عقدت في 30/7/2007 في جامعة تل أبيب بدعوة من معهد دراسات الأمن القومي (المشهد الإسرائيلي 15/8/2007)، بيّن فيها أن الجيش الإسرائيلي يتحوّل من "جيش الشعب" إلى "جيش نصف الشعب فقط".
وانتقل هذا النقاش إلى الصحف الإسرائيلية، فالكاتب يوسف تومي لبي في مقال بعنوان "ماذا بشأن آلاف الشابات اللواتي يصرحن بأنهن متدينات كي لا يخدمن في الجيش؟" (معاريف 12/12/2007) يعلق على قطاعات الشباب التي تتهرب من الخدمة العسكرية. فهم معفيون من الحكومة:
1- آلاف من الشباب الأصوليين الذين يُعفون من الخدمة في الجيش الإسرائيلي، ويصف هذا الوضع بأنه "فضيحة بحد ذاتها، ولكنها قانونية، طالما هم يتعلمون في المدرسة الدينية. الجمهور العلماني لا يعلم على الإطلاق أن القانون يستوجب تجنيد الشبان الأصوليين الذين لا يتعلمون. يوجد عدد لا حصر له من الشباب الأصولي الذين يتلقون الإعفاء من الخدمة العسكرية، مسجلين في المدارس الدينية، ولكن بدلا من التعلم يرتزقون في الخفاء. وليس فقط الجمهور الأصولي وحده الذي يعرف ذلك، بل إن الجيش الإسرائيلي هو الآخر يعرف ذلك تمام المعرفة.
2- ثمة آلاف من المواطنين الذين يتظاهرون بأنهم مرضى كي لا يخرجوا إلى خدمة الاحتياط. فهل أُرسل أحد ذات مرة كي يفحص حرارة من لا يتم تجنيده لأنه مريض؟ أي نوع من الفيروس ينتشر مع أوامر التجنيد للاحتياط؟"
3- هناك آلاف من الشابات يزعمن الانتساب لمدارس دينية تهرباً من الخدمة العسكرية، رغم أن الكثيرات منهن يتشمسنَ بلباس السباحة ذي القطعتين على شاطئ البحر ويشاركن في حفلات الكيف. ولكن لا يوجد لهن أي كيف للتجنيد. والجيش يرقص على نغمات عزفهن.
ويضيف الكاتب أنه صار "من الأمور الشهيرة أن العديد من الجنود يكذبون على ضباط الأمن كي يتسرحوا من الخدمة في الجيش الإسرائيلي. وفي دوائر معينة يتباهى المتملصون من الخدمة بأنهم خدعوا الجيش. فلتهدأ نفوسهم. فهم لم يخدعوا أحداً، والجيش الإسرائيلي على علم بأنهم يتظاهرون، ولكن ينقص الجيش الإسرائيلي قوة الرجولة كي يعالج أمرهم. من يحتاج إلى ضابط الأمن هو الجيش".
ويشير الكاتب شلومي برزيل في مقال بعنوان "تهرب الفنانين في إسرائيل من الخدمة العسكرية ظاهرة طبيعية في دولة ديموقراطية" (هآرتس 20/8/2007) إلاّ أن ظاهرة تهرب الفنانين من الخدمة العسكرية يجب أن تُقلق المجتمع. ولكن ليس من الواضح لماذا عُرّفت جماعة صغيرة من الفنانين على أنها وباء يجب اقتلاعه أولا". إلى أن ظاهرة تهرب الفنانين من الخدمة العسكرية يجب أن تُقلق المجتمع. ولكن ليس من الواضح لماذا عُرّفت جماعة صغيرة من الفنانين على أنها وباء يجب اقتلاعه أولاً. مع أن الدولة تثير مسألة قانون الخدمة الوطنية كبديل للخدمة العسكرية، وفي هذا الشأن يرى موشيه آرنس، وزير الدفاع السابق في مقال بعنوان "تطبيق قانون الخدمة الوطنية المقترح سيؤدي لفقدان جيش الشعب وإضفاء الشرعية على التهرب منه" (هآرتس 29/8/2007) "إن الخدمة الوطنية ليست مخصصة لمن لا يستطيعون الخدمة في الجيش بسبب الإعاقة، وإنما هي مُتاحة فقط لمن لا يريدون الخدمة في الجيش".
وأن "الحكومة التي تواصل هذا الخط ستحول الخدمة الإلزامية إلى مهزلة، وتحول من يخدمون في الجيش إلى مُغفلين. هناك في المجتمع مطلب بالمساواة بين مواطني الدولة في الحقوق والفرص. ولكن عندما يتعلق الأمر بالمساواة في واجبات المواطن تجاه الدولة - يتغير كل شيء. على سبيل المثال، في قضية الخدمة العسكرية نجد أن كل الشبان الدروز ملزمون بالخدمة، بينما هناك إعفاء للشبان المسلمين إذا كانوا من الشركس، كما أن كل الشبان اليهود ملزمون بالخدمة باستثناء الأصوليين. وكل الشبان المسيحيين معفيون من الخدمة. هذا الخليط العجيب من الإلزام والواجبات والإعفاءات لن يكون مقبولا في أية دولة ديمقراطية. ليست هناك مساواة في هذه الحالة"، و"عما قريب سنسير باتجاه جيش المتطوعين الذي سيكون بداية النهاية للجيش الإسرائيلي كجيش للشعب. هذه ستكون ضربة ليس فقط لقدرات إسرائيل العسكرية وإنما فقط لقيمها الوطنية العليا".
وأخيراً رأت الوزيرة السابقة شولاميت ألوني ("ميرتس") في تصريح لها على (موقع "واينت" الإلكتروني، 7/8/2007) أن هذه الحملة تنطوي على مظاهر فاشية، ف"المقصودون من ورائها هم رافضو الخدمة العسكرية لأسباب ضميرية، أو الأشخاص الذين ليس في وسعهم تأديتها لأسباب صحية أو نفسانية، منوهةً بأن الكنيست أقرّ قبل أسبوعين أو ثلاثة أسابيع "إعفاء خمسين ألف شاب من الحريديم (اليهود المتدينين المتشددين) من الخدمة العسكرية لمدة خمسة أعوام". كما أقرّ إعفاءهم من دفع القسط الدراسي ومنحهم مخصصات ضمان الدخل. وشجبت ألوني طرد المغني أفيف غيفن من الإذاعة العسكرية لأنه لم يخدم في الجيش والحملة التي يجرى شنّها ضد بعض نجوم الفنّ والرياضة على هذه الخلفية".
وأضافت أن "تبجّح إيهود باراك واستعلاءه قد تسببا بالكثير من الأضرار في السابق، وعلى ما يبدو فسيلحقان المزيد من الأضرار في المستقبل". وأوضحت أن "التساوق الشعبي مع تصريحات باراك في هذا الشأن هي التي ينبغي أن تثير القلق، إذا ما كنا راغبين بعد في أن نكون مجتمعًا ديمقراطيًا يحترم حقوق الإنسان وحريته، والمقصود كل إنسان حتى لو لم يكن جنديًا بطلاً أو طالبًا في مدرسة دينية أو عضوًا في منظمة غوش إيمونيم (الاستيطانية المتطرفة) أو قناصًا محترفًا في وحدة عسكرية مختارة".
والله أعلم.
ملاحظة: هذه المقالة نشرت بجريدة الاتحاد الإماراتية
اقرأ أيضاً:
كنيس يهودي أم غواصة بحرية؟ / الدولة الصهيونية ويهود العالم/ هل لإسرائيل جيش حقيقي؟/ الصهيونية ويهود أميركا / اليهود والبكتيريا/ أمريكا أفضل من القدس/ جيش له شعب/ فكر يهودي يهاجم اليهود واليهودية