سعاد عبد ربه تتعافى من جراحها © منظمة العفو الدولية
القصف بالدبابات- استهداف "كل ما يتحرك"1.1.3
معظم الحالات التي حققت فيها منظمة العفو الدولية لإطلاق الرصاص عن قرب كانت ضد أفراد، بمن فيهم الأطفال والنساء، أطلقت عليهم النار بينما كانوا يفرّون من منازلهم بحثاً عن مأوى، آخرون كانوا في طريقهم لممارسة أنشطتهم اليومية، وليس هناك من أدلة تشير إلى أنهم كانوا يشكلون تهديداً للجنود الذين أطلقوا النار عليهم، بل إنه لم يكن هناك قتال يدور في المحيط عندما استهدفوا بإطلاق النار. إن القتل المتعمد للمدنيين العزّل جريمة حرب.
ظهر يوم 4 كانون الثاني/ يناير 2009، قتل أفراد من أسرة أبو حليمة بالرصاص على يد الجنود الإسرائيليين بينما كانوا ينقلون بعض أقاربهم للمستشفى ممن أصيبوا بجراح في هجوم مدمر بالفوسفور الأبيض على منزلهم في منطقة السيافة شمالي غرب قطاع غزة. "مطر أبو حليمة" (27 عاماً) وابن عمه "محمد حكمت" أبو حليمة (19 عاماً) لقيا مصرعهما. وصفت "نبيلة أبو حليمة"، والدة "مطر"، لمنظمة العفو الدولية ما حدث: "بعد أن قصف منزل "صباح" ركضتُ إلى هناك، كانت تحترق بالنار بينما كانت تحمل طفلتها "شهد" التي كانت هي أيضاً محترقة تماماً. كان زوجها وبعض أطفالها قد لقوا حتفهم وآخرون ما يزالون يحترقون. لم تتمكن سيارات الإسعاف من الوصول لأن المنطقة كانت محاصرة من قبل الجيش الإسرائيلي. وضعنا بعض المصابين في عربة ربطناها بجرار زراعي لنقلهم إلى المستشفى. ابن شقيقي محمد (نجل صباح) التقط زوجته غادة التي كانت مشتعلة في جميع أنحاء جسمها، وأنا أخذت صغيرتها "فرح" التي كانت تحترق أيضاً. ابن أخي "محمد حكمت" قاد الجرار الزراعي، ورافقنا ابني مطر وأبناء أخي، عمر وعلي، وأخذنا جثة "شهد" وجثتين أخريين، بينما وضعت صباح وغيرها من الجرحى في سيارة، وغادرنا نحن وأقارب آخرون متجهين نحو أقرب مستشفى، مستشفى كمال عدوان. حين وصلنا قرب المدرسة، في الطريق إلى ساحة العطاطرة رأينا جنوداً إسرائيليين فتوقفنا، وفجأة بدأ الجنود يطلقون النار علينا، فلقي ابني "مطر" و"محمد حكمت" مصرعهما. أمرنا الجنود بالخروج من العربة، فركضتُ مع علي وعمر اللذان أصيبا بجراح جراء إطلاق النار، في حين سمحوا لمحمد وغادة وفرح بالذهاب ولكن سيراً على الأقدام، لم يسمحوا لهم بأخذ جثث القتلى معهم(38)".
بقيت الجثث هناك -في السيارة- لمدة 11 يوماً، فالجيش الإسرائيلي لم يسمح لسيارات الإسعاف أو أي جهة أخرى بالاقتراب. لقد روى عمر الأحداث ذاتها لمنظمة العفو الدولية، وقال أنه أصيب في كتفه جراء إطلاق النار عليه، وأن أبناء عمومته "مطر" و"محمد حكمت" قد أصيبا بالرصاص في صدرهما وأن إصابتهما كانت حرجة للغاية فلم يتمكنا من الحركة، ولكن لو سمح لشخص ما بالوصول إليهما وإسعافهما لربما تمكنا من النجاة. قال "محمود" -شقيقه- أنهم استطاعوا إخلاء ودفن الجثث أقاربهم في 15 كانون الثاني/ يناير بمساعدة من اللجنة الدولية للصليب الأحمر، لكن بعد أن نهشت الكلاب الضالة ساقي الطفلة "شهد" خلال الأيام السابقة، وقد التقط أحد أفراد الأسرة صورة بهاتفه المحمول تظهر جسد "شهد" المتفحم مع عظام ساقيها العارية. (إسرائيل/ غزة: عملية 'الرصاص المسكوب': 22 يوماً من الموت والدمار، الوثيقة: MDE 15/015/2009 منظمة العفو الدولية يوليو 2009)
25
في 13 كانون الثاني/ يناير 2009 أصيبت "روحيّة النجار" (47 عاماً) بعيار ناري في الرأس بينما كانت تتقدم مجموعة من النساء حاملة راية بيضاء بالقرب من منزلها في قرية خزاعة قرب خان يونس جنوب قطاع غزة. ابنتها "هبة" (14 عاماً) كانت بجانبها عندما تعرضت لإطلاق النار، وقد روت لمنظمة العفو الدولية الحادثة: "في الليلة السابقة، أي 12 كانون الثاني / يناير، حوالي الساعة 11:00 ليلاً كان هناك قصف قريب ولم يجرؤ أحد على الخروج. أدى القصف لاندلاع حرائق، ونحن نعرف الآن أن الفوسفور الأبيض هو الذي تسبب في اندلاعها، لكن في ذلك الوقت لم نكن نعرف هذا. بعد مضي بعض الوقت سمعنا أحدهم ينادي أن حريقاً اندلع قريباً جداً من منزلنا، فخرجت والدتي لإخماده وأخذت معها راية بيضاء لتظهر لأي جنود يحتمل وجودهم في المنطقة أنها لا تشكل تهديداً. أخمدت الحريق ثم عادت للداخل. كان هناك المزيد من القصف، ومع اقتراب الصباح سمعنا جرافات، عند الفجر صعدنا إلى سطح منزلنا مع الرايات البيضاء ليعرف الجنود أنها منازل مأهولة، وقد طلبت والدتي من الجيران أن يفعلوا الشيء نفسه.
كان الجيران يصرخون، وبعضهم يفرّون، بينما خشي آخرون الفرار لأن أخباراً سرت أن هناك قوات خاصة في المنطقة بالإضافة إلى الجنود الذين يرتدون الزي العسكري. كانت جرافات الجيش تهدم المنازل القريبة، والنساء والأطفال من تلك المنازل جاءوا لمنزلنا، ومع حلول الساعة 7:30 صباحاً كان قد تجمع العديد منهم في منزلنا. في حوالي الساعة 8:00 صباحاً قررنا الرحيل والذهاب إلى وسط القرية حيث قد نكون في مأمن هناك، فأعطت أمي الجيران قماشاً أبيض ليصنعوا منه رايات، وكانت هي أيضاً تحمل راية بيضاء وتقدمت المجموعة. كنت إلى جوارها، وكانت ياسمين بجانبها من الجهة الأخرى، بينما حملت فاطمة طفلها عالياً. مشينا بضع خطوات قبل أن تقول ياسمين أنها شاهدت جنوداً في المنازل المجاورة، فالتفت أمي لتطمئن الجيران وتقول لهم ألا يخافوا، في تلك اللحظة اخترق طلق ناري رأسها من الجهة اليسرى وخرجت الرصاصة من الجهة الأخرى -اليمنى- فسقطت أرضاً، عندما حاولت ياسمين مساعدتها أصيبت بالرصاص في ساقها. ركض الجميع عائدين للخلف، ولم يستطع أحد مساعدة أمي أو سحب جثتها، لقد بقيت ملقاة على الطريق هناك حتى المساء، عندما غادر الجنود".
"ياسمين النجار" (23 عاماً)، أخبرت منظمة العفو الدولية أنها كانت تقف بجوار روحيّة عندما أرديت الأخيرة، وأنها شاهدت جندياً إسرائيلياً في منزل مجاور، وقد أصيبت هي أيضاً بالرصاص في ساقها اليمنى بينما كانت تحاول إنقاذ روحيّة. هربت ياسمين من منزلها في حوالي الساعة 6:30 صباح ذلك اليوم عندما بدأت جرافات الجيش الإسرائيلي بهدمه، وانضمت لمجموعة من النساء قرب منزل روحيّة.
لقد أدلى عدد من شهود العيان بشهاداتهم فيما يخص هذه الحادثة لمنظمة العفو الدولية بما في ذلك نهى النجار -ضُرّة روحية- واثنتين من الجيران هما إيمان النجار وزكية النجار(39)، كما تفحص مندوبو المنظمة المنزل حيث تمركز الجنود الذين أطلقوا النار على روحية على بعد حوالي 100 متر من المكان الذي قتلت فيه بالرصاص، فوجدوا ثقباً أُحدِث في جدار المنزل، وهي أحد الممارسات الروتينية للجنود الإسرائيليين عندما يحتلون المنازل الفلسطينية لاستخدامها كفتحة للقناصة، وقد كان الثقب يواجه تماماً البقعة التي قتلت فيها روحية رمياً بالرصاص. كما أفاد "محمد النجار" (16 عاماً) لمنظمة العفو الدولية أن الجنود الإسرائيليين احتجزوه في هذا المنزل معصوب العينين فلم يتمكن من رؤية شيء حوله لكنه سمعهم يطلقون النار تلاه صراخ النساء في الوقت الذي أُرديت فيه روحية (انظر لشهادته في الفصل 2.1).
يوم 7 كانون الثاني/ يناير 2009 تعرضت ثلاث فتيات صغيرات وجدتهن لإطلاق الرصاص خارج منزلهن في منطقة عزبة عبد ربه شرق جباليا، شمال قطاع غزة. اثنتان من البنات أمل وسعاد عبد ربه، عامين وسبعة أعوام على التوالي، لقين مصرعهن، بينما أصيبت شقيقتهما سمر (أربعة أعوام) وجدتهن سعاد (54 عاماً) بجراح.
26
تحدث والد الفتيات، خالد عبد ربه، مسؤول الاتصال مع الجيش الإسرائيلي في قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية(40)، لمنظمة العفو الدولية:
(إسرائيل/غزة: عملية 'الرصاص المسكوب': 22 يوماً من الموت والدمار، الوثيقة:MDE 15/015/2009 منظمة العفو الدولية يوليو 2009)
"في مساء يوم 3 كانون الثاني/ يناير 2009، غزت القوات الإسرائيلية قطاع غزة، اتخذت الدبابات الإسرائيلية مواقع لها في المنطقة، بما في ذلك بالقرب من منزلي. منزلنا مكون من خمسة طوابق أقيم فيه أنا وزوجتي وأطفالنا الخمسة، ووالداي، وسبعة من أشقائي وزوجاتهم وأطفالهم، وأخواتي غير المتزوجات. عندما دخلت القوات الإسرائيلية المنطقة لجأ العديد من أقاربنا لمنزلي، وأقمنا جميعاً في الطابق الأرضي، فنحن نعرف من التوغلات السابقة للجيش الإسرائيلي أنه من الخطر الذهاب إلى الطوابق العليا، فقد يعتبرونه تهديداً لهم فيطلقون النار.
في 7 كانون الثاني / يناير تزايد القصف في محيط المنزل، وعند الساعة 12:50 ظهراً سمعنا نداءات الجنود عبر مكبرات الصوت باللغة العربية يأمرون الجميع بمغادرة منازلهم.
خرجت أنا وزوجتي وبناتنا الثلاث: أمل (عامين) وسمر (أربعة أعوام) وسعاد (في السابعة من عمرها) ووالدتي سعاد (54 سنة)، كانت أمي تحمل قطعة من القماش الأبيض مربوطة بعصا مكنسة وكنا نحن أيضاً نحمل قماشاً أبيض، وتبعَنا اثنان من إخوتي. في الخارج كان هناك دبابة متوقفة في حديقة منزلنا -وقد دمرتها تلك الدبابة- على بعد 10 أمتار من الباب أمام المنزل، بينما كان هناك دبابتين أخريين في مكان قريب. وقفنا خارج الباب في انتظار أن يقول لنا الجنود أو يشيرون إلينا بما علينا القيام به بعد ذلك. اثنان من الجنود وقفا خارج الدبابة في حديقتنا يتناولان رقائق البطاطا والشيكولاتة وقد تجاهلانا. بقينا واقفين لعدة دقائق، ثم فجأة ظهر جندي من منتصف الدبابة، كان خارجها لما فوق الخصر، وأخذ يصوب سلاحه نحونا وأطلق عدة أعيرة نارية. أصيبت ابنتي "أمل" بتسعة أعيرة نارية في منطقة الصدر، لقد كانت تحمل دب دمية على مستوى صدرها وقد تمزق تماماً من الرصاص. بينما أصيبت ابنتي سعاد بنحو 11 أو 12 طلقة أيضاً في منطقة الصدر، أما ابنتي سمر فقد توزعت عدة رصاصات على منطقتي الصدر والبطن، وكانت إصابة والدتي بالرصاص في الذراع والأرداف. ركضنا عائدين إلى داخل المنزل وبقينا ممددين على الأرض لساعتين. (إسرائيل/غزة: عملية 'الرصاص المسكوب': 22 يوماً من الموت والدمار، الوثيقة:MDE 15/015/2009 منظمة العفو الدولية يوليو 2009)
27
كان هناك إطلاق نار في الخارج، ثم خرج والدي وتبعته الأسرة، وأشار لنا جندي من الدبابة بأن نرحل... لم يكلمنا، فقط أشار بيده لنا لنذهب، وبينما كنا نغادر كان الجنود يطلقون النار من حولنا. مشينا تقريباً مسافة 2 كم، كنت أحمل ابنتَيّ وأمي، وعندما وصلنا إلى التقاطع مع شارع صلاح الدين (دوار زِمّو) توقف رجل مع عربة حصان، وقد علمت لاحقاً أن اسمه "أدهم مقبل"، لمساعدتنا، لكن أطلق عليه الجنود النار فقتلوه وحصانه. أمل وسعاد كانت قد ماتتا، وأخذنا سمر إلى مستشفى كمال عدوان الذي كان أقرب مستشفى، وقد نقلت بعد ذلك إلى مستشفى الشفاء الرئيسي ومن ثم إلى القاهرة ومنها إلى بلجيكا، هي مشلولة بالكامل الآن، وهي ما تبقى لي من بناتي، لقد غادرت ولم أرها منذ ذلك اليوم، زوجتي الآن معها في المستشفى في بلجيكا". والدة خالد، سعاد (54 عاماً)، وروت الحادثة نفسها لمندوبي منظمة العفو الدولية، وقد كان وفد دولي من الأطباء زار غزة في كانون الثاني نيابة عن أطباء المنظمات غير الحكومية الإسرائيلية لحقوق الإنسان- إسرائيل فحصتها وصادقت على أن جراحها تتفق مع وصفها لإصابتها برصاصة في ذراعها اليسرى والأرداف.
الهوامش:
(38) انظر أيضاً لشهادة غادة أبو حليمة عن الحادثة لمنظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية "بتسيلم" – منظمة غير حكومية http://www.btselem.org/English/Testimonies/20090104_Abu_Halima_home_set_on_fire_by_shelling.asp
توفيت غادة متأثرة بجراحها لاحقاً.
(39) انظر أيضاً شهادة نهى النجار لمنظمة "بتسيلم" الإسرائيلية- منظمة غير حكومية- في الحادث نفسه:
http://www.btselem.org/English/Testimonies/20090112_Soldiers_shot_woman_waving_white_flag_in_Khuzaa.asp
(40) والقوة، على غرار جميع قوى الأمن الأخرى التابعة للسلطة الفلسطينية التي تسيطر على الضفة الغربية، عُطِّلت منذ استيلاء حركة حماس في قطاع غزة في حزيران/ يونيو 2007.
ترجمة الأستاذة لميس طه
ويتبع >>>>>: الهجمات العشوائية 1.3
اقرأ أيضاً:
التقرير العربي النفسي الأول عن غزة/ غزة من الداخل والخارج/ الإعلام والحرب على غزة