أزمة المياه في غزة
1.4.1 العاملون في المجال الطبي على خط النار
تعرضت سيارات إسعاف تميزها إشارات تظهر هويتها وتومض بأضواء الطوارئ، وطواقمها التي كان أعضاؤها يرتدون بزّات واقية ملونة بالفلورسنت يسهل التعرف عليها، لإطلاق النار بشكل متكرر بينما كانوا يحاولون إنقاذ الجرحى وإخلاء القتلى، وقد تكثفت مثل هذه الهجمات بعد اتخاذ القوات البرية الإسرائيلية مواقع لها داخل قطاع غزة في 3 كانون الثاني/ يناير 2009. حاولت طواقم الإسعاف الفلسطينية بذل كل ما بوسعها للوصول إلى أكبر عدد ممكن من الجرحى والقتلى، مخاطرين بحياتهم -هم ومتطوعين دوليين رافقوا تلك الطواقم- كل يوم للقيام بمهمتهم.
(إسرائيل/غزة:عملية 'الرصاص المسكوب':22 يوماً من الموت والدمار، الوثيقة:MDE 15/015/2009 منظمة العفو الدولية يوليو 2009)
41
قتل ثلاثة مسعفين، أنس فاضل نعيم وياسر كمال شبير ورأفت عبد العال بعد ظهر يوم 4 كانون الثاني/ يناير في مدينة غزة وهم يسيرون صوب رجلين جريحين، كما قتل الصبي عمر أحمد البرادعي (12 عاماً) الذي كان يرشدهم إلى حيث الرجال الجرحى، في الهجوم نفسه. تحدث يحيى حسن، سائق إحدى سيارات الإسعاف، لمنظمة العفو الدولية: "كانت الساعة نحو 3:00 – 3:30 عصراً، عندما استدعينا لإنقاذ بعض الرجال المصابين في بستان قرب منزل في منطقة الدحدوح جنوب تل الهوى (مدينة غزة). أوقفنا سيارتي الإسعاف بالقرب من المنزل، وتركنا أضواءهما تومض. بقيت أنا والسائق الآخر ننتظر قرب سيارات الإسعاف، في حين ترجّل أنس وياسر ورأفت لإحضار الجرحى، كان هناك طفل على الطريق الترابي يشير إلى حيث سقط الرجال المصابون، وما إن اقترب زملاؤنا الثلاثة من الطفل حتى أصابهم صاروخ، ثم آخر.. قتلوا جميعاً؛ زملاؤنا والطفل، فيما طارت قطع أجسادهم في المكان، بعدها أطلقت صواريخ بالقرب من سياراتي الإسعاف فاضطررنا لقيادتهما مسرعين دون أن نتمكن من التقاط أجسادهم، ابتعادنا دونها، كان علينا ترك زملائنا القتلى وراءنا. مع ابتعادنا عن المكان كانت المزيد من الصواريخ أو القذائف ما تزال تطلق مستهدفة سيارتي الإسعاف".
يحيى حسن وحازم البَرّاوي مع شظايا القذائف التي قتلت زملائهما وبقايا نقالاتهم الطبية © منظمة العفو الدولية
قال سائق سيارة الإسعاف حازم البَرّاوي: "علقت سيارة الإسعاف التي أقودها في الرمال بينما كنت أحاول الابتعاد عن المنطقة، ومرة أخرى تعرّضت لإطلاق النار. غادرت السيارة وركبت سيارة الإسعاف الأخرى مع يحيى حسن، وفي حين كان يقودها مبتعداً استمر القصف نحونا مستهدفاً السيارة".
(إسرائيل/غزة:عملية 'الرصاص المسكوب':22 يوماً من الموت والدمار، الوثيقة:MDE 15/015/2009 منظمة العفو الدولية يوليو 2009)
42
روت والدة عمر أحمد البرادعي لمنظمة العفو الدولية ما حدث لاحقاً: "بعد [الضربة الصاروخية] لم نتمكن من الذهاب إلى حيث كان جسده ملقىً. زحفت في اليوم التالي إلى المكان ووجدت جثة طفلي دون أرجل، فحملتها لمسافة بعيدة حتى وصلت لسيارة إسعاف، لم يتمكن أحد من الاقتراب من هناك. لم يكن بإمكان أي سيارة إسعاف أن تقترب لتنقل الجثث، فجميع سيارات الإسعاف التي حاولت الاقتراب تعرضت لإطلاق النار عليها. بعد يومين وصلت أخيراً سيارة إسعاف مصحوبة بامرأة أجنبية وأخذوا الجثث".
عثر مندوبو منظمة العفو الدولية في البقعة التي لقي فيها المسعفون الطبيّون والطفل مصرعهم قطعاً من بزّاتهم الواقية الملونة بالفلورسنت متناثرة على الأرض وعالقة على الأشجار، وشظايا صاروخين اثنين على الأقل من نوع هيلفاير (نار الجحيم) التي عادة ما تطلق من طائرات الهليكوبتر، كما يمكن قراءة ما كتب على بطاقة البيان على تلك الشظايا: "صواريخ موجهة، هجوم سطحي" و"الولايات المتحدة" كدولة المنشأ(68).
في 4 كانون الثاني/ يناير، تعرض طاقم سيارة إسعاف آخر للهجوم في بيت لاهيا شمال قطاع غزة. كان الوقت ضحىً عندما تلقت سيارة الإسعاف مكالمة هاتفية لإنقاذ عدد من الشبان، بعضهم جرحى وبعضهم الآخر قتلى في شارع أبو عبيدة بعد غارة إسرائيلية. كان طاقم الإسعاف يتكون من السائق خالد يوسف أبو سعدة (43 عاماً) واثنين من المسعفين الطبيين؛ علاء أسامة سرحان (26 عاماً)، وعرفة هاني عبد الدايم (34 عاماً) وهو أب لأربعة أبناء ويعمل معلّماً للعلوم، وقد تطوع مع خدمات الطوارئ لمدة ثماني سنوات. أخبر السائق خالد يوسف أبو سعدة منظمة العفو الدولية بتفاصيل الحادثة: "وصلنا بعد نحو 15 دقيقة من الضربة الصاروخية. لم يكن أيّ من الملقين على الأرض يحمل سلاحاً، كانوا فقط من المدنيين، وجميعهم من الشباب، وكانت جثثهم وأجسامهم موزعة في المكان، فلم يكونوا معاً بالقرب من بعضهم. التقط المسعفون أول رجل من الجرحى ووضعوه في سيارة الإسعاف، ثم اتجهوا لالتقاط الرجل الثاني، وحين كانوا ينقلونه من الحمّالة إلى داخل سيارة الإسعاف أصابت قذيفة دبابة سيارة الإسعاف، عندها سقط عرفة متاثراً بجروح بالغة، بينما انفصل رأس الرجل الذي كانوا يحملونه وقطعت سيقانه."
اخترق رأس القذيفة سيارة الإسعاف واستقر مباشرة في المحرك. كانت القذيفة من النوع المعبأ بقذائف مسمارية والتي عند الانفجار تطلق عدة آلاف من السهام المعدنية الصغيرة الفتاكة على مساحة واسعة. أصيب اثنان من المسعفين، عرفة وعلاء، بجراح خطيرة أودت بحياة عرفة لاحقاً في ذلك اليوم، فيما أصيب السائق بجروح في رأسه من الخلف، وغطت القذائف المسمارية جدار متجر مجاور حيث ضربت سيارة الإسعاف.
خالد يوسف أبو سعدة يقف إلى جانب سيارة الإسعاف التي قصفت بقذيفة دبابة مسمارية والتي قتلت عرفة هاني عبد الدايم © منظمة العفو الدولية
(إسرائيل/غزة:عملية 'الرصاص المسكوب':22 يوماً من الموت والدمار، الوثيقة:MDE 15/015/2009 منظمة العفو الدولية يوليو 2009)
43
قتل الطبيب عيسى عبد الرّحيم صالح (32 عاماً) يوم 12 كانون الثاني/ يناير حين كان يحاول إنقاذ ثلاثة من سكان برج البنّا، وهو بناية مؤلفة من ستة طوابق تقع في شارع ضيق قبالة شارع الزرقاء في جباليا شمال قطاع غزة. تعرض المبنى للقصف في 4:10 عصراً، مما أسفر عن مقتل امرأة وإصابة شقيقتها وأحد الجيران بجراح خطيرة. وصلت سيارات الإسعاف من عدة جهات طبية ومدنية إلى المبنى بعد فترة وجيزة؛ من الدفاع المدني والخدمات الطبية العسكرية والهلال الأحمر الفلسطيني. صعد كلٌّ من الدكتور صالح وأحمد عبد الباري أبو فول- وهو أحد المسعفين الطبيين- الدرج وكلاهما يرتدي بزّة طبية حمراء ملونة بالفلورسانت، ليعثرا على امرأتين قتيلتين هما فريال وآيات كمال البنا، ورجل جريح هو مصطفى جمعة الباشا، وضعاه على نقالة وبدآ ينزلان الدرج، كانت الإضاءة في أدراج المبنى جيدة جداً عبر نوافذ ممتدة بطول المبنى، حين أصابت قذيفة أو صاروخ الدكتور صالح فقطع رأسه وسقط على المسعف أحمد أبو فول الذي كان يسبقه بخطوات قليلة ممسكاً بالطرف الآخر من النقالة، وقد أصيب هو بدوره بشظايا القذيفة، بينما قتل الرجل المصاب على نقالة.
"تقييم الوضع. قواعد الاشتباك: إطلاق النار على طواقم الإنقاذ أيضاً" ملاحظة مكتوبة بخط اليد على مذكرة كتبها جندي وجدت وراءه في أحد المنازل التي استولت عليها القوات الإسرائيلية خلال عملية "الرصاص المسكوب"(69).
في تصريح الجيش الإسرائيلي لوسائل الإعلام في 22 نيسان / أبريل وفي القسم الخاص بـ"الحوادث التي تتضمن إطلاق النار على المرافق الطبية ومبانيها ومركباتها وطواقمها" يدعي أن "حماس تستخدم المرافق الطبية ومركباتها وزيّ طواقمها بصورة منهجية كغطاء لتنفيذ عمليات إرهابية"، لكنه لا يقدم أي أدلة ولو لحالة واحدة من هذا القبيل. منظمة العفو الدولية لا تستبعد إمكانية أن مثل هذه الحالات ربما قد حدثت، لكنها لم تجد دليلاً أثناء تحقيقها الميداني على أن مثل هذه الممارسات، إن حدثت، قد طبقت على نطاق واسع. في تصريحه ذاك، يؤكد الجيش أن "التحقيقات أظهرت أن قوات الجيش الإسرائيلي على جميع المستويات وجهت لأخذ الحذر الشديد لتفادي إيذاء الطواقم الطبية ومرافقها، في كثير من الحالات، وتوقفت عن العمل عندما كان هناك مركبة طبية أو موظفون طبيون موجودون في منطقة عملياتها". الأهم من ذلك، فشل الجيش الإسرائيلي في تقديم أي معلومات أو تفسيرات لكثير من الحالات، مثل تلك المذكورة في هذا التقرير، قتل فيها أعضاء طواقم سيارات إسعاف وجرحوا بنيران قواته. أيضاً، لا يقدم هذا التصريح أي تفسير لكثير من الحالات حيث تعمد جنود الاحتلال منع الطواقم الطبية من تقديم المساعدة للجرحى ونقل الجثث.
تشير الأدلة إلى أن الهجمات على طواقم الإسعاف وغيرهم من الذين كانوا يحاولون إخلاء الجرحى كانت متعمدة، وتكررت طوال عملية "الرصاص المسكوب" وفي جميع أنحاء قطاع غزة. مثل هذه الهجمات تنتهك القانون الإنساني الدولي، وهو، إضافة إلى حظر استهداف المدنيين بشكل عام، يوصي بحماية خاصة للمرضى والجرحى والطواقم الطبية والمرافق الطبية. وبصورة أكثر تحديداً، إن التعمد في مهاجمة الوحدات الطبية وأفرادها ووسائل النقل الخاصة بها التي تضع الشعارات المميزة والمحددة باتفاقيات جنيف يعتبر جريمة حرب.
الهوامش
(68) صواريخ AGM 114 هيلفاير التي تنتجها Hellfire Systems في أورلاندو، الولايات المتحدة الأمريكية بموجب المشروع المشترك مع شركة لوكهيد مارتن / بوينغ، وبعقد مع الجيش الأميركي في قيادة الطيران والصواريخ في ريدستون أرسنال، ولاية ألاباما، والتي تستخدم الرقم الرمزي المتسلسل DAAH01-03-C-0106 على عقودها.
(69) هذه المذكرة ليست ورقة رسمية، وليس واضحاً إلى أي مدى تعكس بدقة تعليمات الجيش، أو ببساطة تفسر قواعد الاشتباك كما يراها أحد القادة من المرتبات الدنيا في الجيش. تتضمن الورقة ملاحظات حول الوضع خلال عملية "الرصاص المسكوب" مكتوبة باللغة العبرية على الجزء الخلفي لرسالة باللغة العبرية أيضاً موجهة إلى: "أفراد لواء غولاني" تتمنى لهم "حظاً جيداً في الحرب"، وقد عثر عليها أحد العاملين في منظمة غير الحكومية تعنى بحقوق الإنسان الفلسطيني في منزل كان قد استولت عليه القوات الإسرائيلية في كانون الثاني/ يناير 2009. انظر أيضاً:
http://www.haaretz.co.il/hasen/spages/1072830.html
ويتبع >>>>>: دعوة لمراقبة الآثار طويلة الأجل للأسلحة الجديدة
ترجمة الأستاذة لميس طه
اقرأ أيضاً:
التقرير العربي النفسي الأول عن غزة/ غزة من الداخل والخارج/ الإعلام والحرب على غزة/ هنا غزة... من يحتاج من؟/ شبهات حول قضية غزة والرد عليها/ عفواً غزة أنا لست متضامنة معك!!/ إعادة إعمار غزة.. سيناريوهات متوقعة!