مهاجمة العاملين في المجال الطبي وعرقلة جهودهم1.4
دعوة لمراقبة الآثار طويلة الأجل للأسلحة الجديدة التي استخدمت في حرب غزة على المصابين من الأطفال
كلير داير
BMJ *
"سمعنا القصف، سمعنا الانفجارات، جاء [المرضى المصابون] بالمئات، مشاة وراكضين، بسياراتهم الخاصة وسيارات الإسعاف، استمر الحال على هذا لثلاثة أسابيع". يتذكر الطبيب النرويجي مادس جيلبرت، الذي غادر إلى قطاع غزة حالما سمع أن الهجوم الإسرائيلي قد بدأ في نهاية شهر كانون الثاني/ ديسمبر من العام الماضي.
خلال محاضرة ألقاها في جامعة لندن يوم 5 تشرين الثاني/ نوفمبر، برعاية منظمة العون الطبي للفلسطينيين، وكلية الدراسات الشرقية والأفريقية "المجتمع الفلسطيني"، واتحاد الطلبة في الكلية، عرض مقطع فيديو يصوّر جمهوراً فزِعاً في مستشفى الشفاء، يحملون الجرحى من أحبائهم وهم يصيحون ويتدافعون للوصول إلى باب المستشفى. في المستشفى التي تضربها تيارات الهواء الباردة بعد أن تطاير زجاج نوافذها بسبب القصف الإسرائيلي لمسجد مجاور، واستنفدت إمداداتها الطبية الأساسية نتيجة حصار قطاع غزة الطويل- عمل الجراحون بلا كلل، وأحياناً لمرتين أو ثلاث في غرفة العمليات، قال "كنا نسمع أزيز الطائرات دون طيار طوال الوقت، أحياناً طائرة أو اثنتين أو ثلاثة في وقت واحد، 24 ساعة في اليوم".
الدكتور جيلبرت، أستاذ ورئيس قسم طب الطوارئ في مستشفى جامعة شمال النرويج في ترومسو، وزميله الجراح إريك فوس كانا من بين الأجانب القلائل الذين شهدوا الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة بأنفسهم. في غياب الصحفيين الغربيين الذين منعوا من الوصول لغزة، وجدا نفسيهما محاصرين بوسائل الإعلام الأجنبية المتعطشة للمعلومات والأخبار؛ كان الدكتور جيلبرت يجري ما بين 15 و 20 مقابلة يومياً ينقل عبرها للعالم خارج القطاع ما كان يحدث فيه، وهو يعرض الآن صور الجرحى التي التقطها أثناء وجوده هناك، الكثير منهم أطفال: صبي تمزقت إحدى ذراعيه وكلا ساقيه في انفجار، فتاة مصابة بثقب في ظهرها كشف عن عمودها الفقري.
المئات من الأطباء والممرضات من المستشفى التي يديرها توجهوا إلى غزة على مدى السنوات القليلة الماضية، لكنه وحده كان عرضة للهجوم من أنصار إسرائيل الذين ينتقدون مواقفه السياسية اليسارية المتطرفة، وتصريحاته التي أدلى بها يبدي فيها تفهمه للهجمات على الولايات المتحدة يوم 11 سبتمبر 2001، والتي أعلن ندمه بعد إعلانها. عمل هو وزملاؤه في مناطق الحروب تحت مظلة لجنة المعونة النرويجية (Norwac)، وهي وكالة للإغاثة الطبية تمولها الحكومة النرويجية، كان يحاول التعبير عمّا يسميه "التضامن الطبي" لمدة 30 عاماً بتقديمه خدماته الطبية حيث تكون الحاجة ماسّة إليها، فهو يعتقد أن "هناك ارتباطاً مباشراً بين الصحة والسياسة" وهو يرى أن "جميع الأطباء سياسيون، سواء أحبوا ذلك أم لم يحبوا".
يتذكر الدكتور جيلبرت عندما وصل وزملاؤه الأطباء النرويجيون إلى غزة، "أول شيء رأيناه كان طوابير الخبز"، "عندما بدأت الحرب، لم تكن ضد مجتمع ينعم بالصحة والرفاه، فقد حوصر الناس لثلاث سنوات حصاراً لا يرحم، مما أنهكهم صحياً. لقد استخدم الجيش الإسرائيلي الحصار كأداة عسكرية"، ووصف الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة بأنه "متعمد ومخطط له مسبقاً، إنه كارثة من صنع الإنسان."، فالكثير من سكان غزة هم من الأطفال" عندما بدأ القصف، كان الأمر كتفجير سجن محاصر، ليس أي سجن، بل سجن للأطفال".
وعرض الكتور جيلبرت صورة لصبي (14 عاماً) تمزقت ساقه اليمنى عند الفخذ، واليسرى عند الكاحل، وجسده مغطى بالرضوض لكن دون أي جروح بسبب الشظايا، قائلاً أنه يعتقد أن ما يقف وراء تلك الإصابات نوع جديد من الأسلحة تستخدم معدناً خاملاً كثيفاً وتعرف بقنابل "الدايم". "أي شخص في دائرة نصف قطرها 5 أو 10 أمتار سيقتل أو يتمزق" وأضاف جيلبرت "لقد مات [الصبي] بين أيدينا بعد خمس دقائق من التقاط هذه الصورة، نحن نسأل: هل تستخدم غزة كساحة لاختبار أسلحة جديدة؟"، ودعا أن توثق وتتابع حالات المصابين الذين تعرضوا لإصابات أدت لبتر في أطراف في غزة، فقنابل الدايم -والتي تحتوي في تركيبها على سبائك التنغستن- قد تكون مسرطنة.
في دراسة نشرها المعهد الوطني لعلوم الصحة البيئية في الولايات المتحدة، حقنت فئران المختبر بكُريات من سبائك التنغستن من النوع المستخدم في تلك الأسلحة، فوجد أن جميع الحيوانات المحقونة قد كوّنت في أجسامها نوعاً من الأورام السرطانية التي تصيب العضلات الهيكلية rhabdomyosarcomas يشيع بين الأطفال.
هذا وعلّق متحدث باسم السفارة الإسرائيلية في لندن على محاضرة الدكتور جيلبرت قائلاً: "مرة أخرى، حكايات الدكتور مادس جيلبرت ذائع الصيت، والتي تبدو كما لو أنها اقتبست من أحد مواقع الانترنت المعنية بنظرية المؤامرة. جيلبرت يسّوق تحليلات خيالية في الميدان لا يملك فيه الخبرة ولا المعرفة. لا ينبغي لأحد أن يعتدي على هيبة المهنة الطبية لخدمة آرائه السياسية المتطرفة."
_____________________________________
* المجلة البريطانية الطبية BMJ 2009, 339:b4664
ترجمة الأستاذة لميس طه
اقرأ أيضاً:
الإعلام والحرب على غزة / هنا غزة... من يحتاج من؟ / شبهات حول قضية غزة والرد عليها / عفواً غزة أنا لست متضامنة معك!!/ طريق يشوع: من غزة إلى بيروت / إعادة إعمار غزة.. سيناريوهات متوقعة!