مشكلة العقم تختلف تماماً عن مشكلة الطفل غير المرغوب فيه؛ فالعقم يعرّف على أنه فشل حدوث الحمل خلال سنة أو أكثر من الجماع المنتظم بدون استعمال موانع الحمل، أو عدم القدرة على الاحتفاظ بمحصول الحمل حتى ولادة طفل حي. والعقم يكون بدئياً عند عدم وجود حمل سابق أو ثانوياً إذا سبقه حمل أو أكثر وانتهى بطريقة ناجحة.
وتفيد الإحصاءات أن حوالي 15% من مجموع الناس في سن الإخصاب هم في حالة عقم في فترة من الفترات (أي 1/6 من كل زوجين في فترة الإخصاب) ويبدو أن هذه الأرقام ترتفع، وربما كان أحد الأسباب المؤدية لذلك ازدياد نسبة انتشار الأمراض الزهرية التي تسبب تندباً أو انسداداً في القنوات التناسلية عند كلا الجنسين. وسبب آخر هو ازدياد نسبة النساء اللواتي يؤجلن الزواج والحمل حتى سن متأخرة متجاوزات في ذلك الفترة التي تكون خصوبتهن في ذروتها (أي منتصف ونهاية العشرينات).
وأخيراً فإن بعض طرق منع الحمل مثل الأجهزة داخل الرحم IUDs. أو المخاض المحرض يمكن أن يؤدي للعقم نتيجة إحداث ندبات وإنتانات وعدم كفاءة في عنق الرحم، بينما الوسائل الأخرى لمنع الحمل مثل الحبوب يمكن أن تؤدي لتثبيط الإباضة لفترات طويلة عند بعض النساء. بالإضافة لأسباب عضوية من قبيل اللانطفية (عند الزوج)، وبطانة الرحم الهاجر (اندومتريوز)، والانسداد البوقي (وهي أكثر شيوعاً عند المرأة التي تشكو من عقم بدني)، لكن الحقيقة أن كل الأسباب تحدث في كلا المجموعتين مما يجعل التميز بينها قليل الأهمية السريرية.
إن الإخصاب يتطلب تلاصقاً Juxtaposition للأمشاج الذكرية والأنثوية في أتم مراحل النضج ويلي ذلك محصول الإلقاح إلى الجوف الرحمي في نفس الوقت الذي تكون فيه بطانة الرحم مجهزة لدعم استمرارية تطوره واستقراره، ولكي تتم هذه الحوادث يجب أن يكون كلا الجهازين التناسليين (الذكري والأنثوي) سليماً تشريحياً وفيسيولوجياً، وأن يحدث الجماع بتواتر كافٍ كي يقذف المني في فترة قريبة من تحرر البويضة من الجراب، وحتى عندما يحدث الإلقاح يجب أن نعلم حقيقة أنه أكثر من 70% من الأجنة الناتجة غير طبيعية وتفشل في التطور أو تصبح غير قابلة للحياة وذلك بعد فترة قصيرة من انزراعها في الرحم.ولهذا فليس من المستغرب أن يعاني من العقم 10%-15% من الأزواج عالمياً.
وبأخذ صعوبات العملية التناسلية بعين الاعتبار لوحظ أن 80% من الأزواج يحصلون على الحمل خلال السنة الأولى، وبدقة أكبر فإن 25% من الأزواج يحصلون على الحمل خلال الشهر الأول، و60% من الأزواج يحصلون على الحمل خلال 6أشهر، و75%من الأزواج يحصلون على الحمل خلال 9 أشهر، و90%من الأزواج يحصلون على الحمل خلال 18 شهر.. وتوضح هذه الأرقام- والتي تعكس بشكل كبير مدى الإخصاب- معدل التناقص الثابت للإخصاب الشهري الذي يمتد من الأزواج عاليي الخصوبة إلى الذين لديهم عقم نسبي، وبعد 18 شهر من جماع غير محمي يكون للأزواج الباقين معدل إخصاب شهري متدنٍ جداً دون معالجة، والعديد منهم قد يعاني من خلل تام يمنع الإخصاب (العقم).
أسباب العقم
إنّ سبباً عضوياً أو فيزيائياً يمكن أن يشاهد في حوالي 90% من حالات العقم بدقة، وفي حوالي 40% من هذه الحالات تكون العلة في الرجل، و40% من الحالات تكون العلة في المرأة، وفي البقية فإنّ العلة فيهما معاً.
من أسباب العقم عند النساء:
1- حاجز ميكانيكي يمنع الإخصاب، مثل: الالتصاقات وندبات الرحم ونفير فالوب والمبيض بسبب أمراض زهرية أو التهاب حوض.P.I.D أو الاندومتريوز...
2- اضطرابات غدّية في الدرقية أو الكظرية أو المحور تحت السرير البصري - النخامية - المبيضي والذي يؤدي لاضطراب الدورة الطمثية.
3- اضطرابات تشريحية في الرحم كالغياب الخَلْقي -أسواء التشكل أو ورم ليفي أو الانقلاب الخلفي للرحم، أو في عنق الرحم كعدم كفاءة العنق Cervical Incompetence أو تضيق الرحم أو مخاطية العنق غير الطبيعية.
أما في الرجل فقد تكمن المشكلة في:
1- عدم إنتاج تعداد كافٍ من النطاف بسبب التهاب الخصية النكافي أو الخصية الهاجرة أو دوالي الحبل المنوي أو ارتفاع مستمر لحرارة الصفن أو التعرض لمواد سامة أو أدوية.
2- ضعف حركة النطاف لسبب غدّيّ أو بروستاتي.
3- انسداد الأسهر بسبب الأمراض الزهرية، أو لأذى لحق به، أو القطع الجراحي للأسهرين.
أما الأسباب المشتركة التي تؤدي للعقم فقد تكون مما يلي:
1- ارتكاس مناعي. تبدي بعض النساء ارتكاساً مناعياً تجاه النطاف، ويبدي بعض الرجال هذا الارتكاس تجاه نطافهم ذاتها.
2- مشاكل في طريقة الإيلاج؛ كاتخاذ وضعيات في الجماع لا تسهّل حركة النطاف نحو عنق الرحم، أو استعمال مزلّق له خاصة قاتلة للنطاف.
3- اضطرابات نفسية قد تؤدي لخلل الوظيفة الجنسية النفسية أو تجنب الجماع.
التأثيرات النفسية
يجب على أخصائي العقم أن يكون ملماً وحساساً للشدة النفسية المصاحبة للعقم، وأن يتدخل في التأثير العاطفي للحالة كل من توقعات الأهل والأصدقاء، وفقد احترام النفس المرافق لعدم القدرة على انجاز هذه المهمة، وكذلك الشدة المرافقة للعلاقة الزوجية والجنسية وعدم قدرة الزوجين على تنظيم حياتهما الشخصية وإيمانهما بمعتقداتهما، وفي نفس الوقت يمكن تطمين الزوجين بأنّه باستثناء التأثيرات على الشهوة الجنسية واللاإباضة Anovulation العابر السريع الزوال فإنه لا يوجد دليل لأي تأثير واضح لهذه الشدة النفسية على الإخصاب.
إنّ العلاقة المدعمة مع الطبيب والنقاش الصريح عن الطبيعة الطويلة في بعض الأوقات للمعالجات المتنوعة والتوقعات تبعاً للإنذار والعودة للحالة الطبيعية كل هذا يساعد الزوجين في تسوية حالتهما بنجاح.
المشاكـل النفسية للعـقم
هناك عدد من حالات العقم لا نملك حتى الآن أي وسيلة للمساعدة نقدمها لمن يعانون منها، وهذه الحالات تواجه درجة كبيرة من الصعوبات النفسية بسبب العقم، فبعد مرور الفترة الأولى والتي يستغرب وينكر فيها الزوجان العقم يبدأ الشعور بمرور الزمن سريعاًً وأن فرص الحصول على الطفل تتراجع، وبالنسبة لبعضهم فإن مشكلة العقم تجعلهم يشكّون في رجولتهم أو أنوثتهم أو في قدرتهم الجنسية أو في تقديرهم لأنفسهم ككائنات بشرية، فالغيرة والامتعاض من إنجاب الآخرين قد تصل إلى حد لا يطاق، والحزن المتأتّي من عدم قدرتهم على الإنجاب أو على السيطرة على حياتهم بالطريقة التي يرغبون يمكن أن يتطور إلى اكتئاب مزمن وإلى شعور بالعزلة والوحدة.
إنّ التشخيص الخاطئ أو المبكر لعقم ذي منشأ نفسي Psychogenic (وبالتالي النصح بالاسترخاء) يضيف بل يذكي الغضب والشعور بالذنب والإحساس بالفشل لدى العقيم، إضافة إلى ضرورة حصول الجماع بأوقات معينة ومبرمجة مسبقاً خلال فترة الإباضة عند المرأة مما قد يقلل أو حتى يفقد اللقاء الجنسي متعته، كما ويمكنه أن يؤدي إلى خلل في الوظيفة الجنسية النفسية عند أحد الزوجين لدرجة أنهما يستسلمان في النهاية، فإن قررا التبني بعد ذلك فمن الهام أن يعلما أن نسبة الحمل بعد التبني هي نفسها قبل التبني، رغم العديد من الخرافات التي تدّعي أنّ هذه النسبة ترتفع.
ويستطيع العاملون في المجال الصحي أن يساعدوا ويدعموا الزوجان عن طريق التوحد العاطفي Empathy معهما، وعن طريق المشاورة الفردية مع كل طرف على حدة، فقد تساعد الأزواج على اكتشاف أشياء جميلة في علاقتهما، كذلك فإنها تساعدهما على مواجهة أساهما، وربما كانت هذه المساعدة الأكثر أهمية في ما يتلقيان من مساعدة وعون، وكما سنرى لاحقاً فإن فقدان الطفل أثناء الحمل أو في فترة الوليد يولّد أسىً لا يختفي كلياً لكن تقل شدته مع مرور الزمن، ومثل ذلك يكون الأسى الناجم عن العقم كما تصفه امرأة عاقر: ".. إن عقمي يسكن في قلبي ويملأ فؤادي كصديق قديم يرافقني أينما كنت، فربما لا أسمع ولا أشعر به لأسابيع عديدة، وفجأة، وكفكرة تخطر على بالي أو عند سماعي نداء طفل، أو أشياء تخطر على بالي، أشعر به من جديد.. وحتى أني أشعر بالحزن، وربما أذرف الدمع، وأفكر عندها أنّ صديقي القديم الساكن في فؤادي والذي يحتل مساحة ضخمة من وجداني قد حضر ثانية.. إنه دائماً جزء مني!...".
إن الجدول التالي يبين عوامل العقم الشائعة:
العامل | نسبة الحدوث (%) | التحريات الأساسية |
- جماعي- ذكري - اباضي - أنبوبي - رحمي - بريتواني - عنقي رحمي | 40% 15%-20% 5%-10% 30% %40 غير محدد | - تحليل المني، اختبار بعد الجماع - حرارة الجسم الأساسية - البرجسترون المصلي، خزعة باطن الرحم - اختبار بعد الجماع - تصوير الرحم والبوقين شعاعياً، تنظير البطن - تنظير البطن |
الاستقصاءات عندما تكون الطموث منتظمة (22 35-) يوماً، بينما يتطلب تباعد الطموث اختبارات إضافية.
وبشكل عام يحدث الحمل العفوي دون معالجة بمعدل متناقص في الأزواج العقيمين، لهذا تهدف المعالجة لزيادة المعدل ليماثل احتمال الخصوبة، ولسوء الحظ فإن معظم الخطط العلاجية تعتمد على خبرة سريرية مجمعة أكثر منها تجارب سريرية مضبوطة.. وبالتقييم التام وتطبيق المعالجات السائدة فإن شكل ما (Sort Of) من التلقيح خارج الجسم (الإخصاب في الأنابيب Ivf) أو نقل البويضة فإن نسبة50%- 6% من الأزواج العقيمين سيؤدي إلى الحمل لديهم. ومع الانتفاع التام من التقنيات الأخيرة فإنّ من المتوقع أن معظم الأزواج الذين يتابعون كل طرق المعالجة القيمة سوف ينجحون في النهاية.
ويتبع >>>>>>: الولادة وما بعدها والتفاعل بين الأهل والرضيع
المصدر: المجلة الإلكترونية للشبكة العربية للعلوم النفسية
واقرأ أيضًا:
اضطراب الوظيفة الوالدية والإساءة للأطفال