إغلاق
 

Bookmark and Share
اسم العمل الأدبي: اشرب واحمد الله 
اسم صاحب العمل: أحمد سراج الدين 
نوع العمل: قصة قصيرة 
الوزن الشعري: --------- 
تاريخ النشر:  03/03/2005
 
الموضوع

اشرب واحمد الله

كانت هناك واحة في الصحراء يحيا بها مجموعة من البدو وكانت لهذه الواحة بئر واحد اسمه بئر الفاجر نسبة إلى سوء خلق صاحبه وكان الجميع يلقبون هذا البئر بهذا الاسم فأصبح الاسم علماً ولم يعد أحد يفكر في دلالته, فالجميع يذهبون إليه يومياً ويرجعون منه بالآنية المملوءة بالماء, فأصبح عادة مثل صلاة الفجر عندهم أو حتى مثل شروق الشمس, كل يوم في نفس الوقت نفس العمل والصغار مغلقة الأبواب عليهم ينتظرون عودة والديهم محملين بقوارير المياه, لتبدأ حياة يوماً أخر.

 

وفي يوم كان عم عوض راجع مع امرأته في طريقهم اليومي من البئر ويتحدثون بأصوات متقطعة.
عم عوض: قلت لك من قبل أنه يجب أن يأتي أحمد معنا لكي يأخذ نصيبه من المياه, هل أخبرته.
امرأة عم عوض: يا عوض الولد مازال صغيراً, ولم يحن الأوان بعد......
قاطعها عم عوض بحدة: كيف تقولين هذا, ألم تريْ نظرات السيد جابر الفاجر لنا اليوم وكأنه يسألنا عن ابننا.

امرأة عم عوض: لا لا يقصد, أنت فقط الذي تدقق وتهول الأمور.

واستمر النقاش بينهم حتى دخلا دارهما, وإذا بأحمد فتي في العاشرة من العمر يصيح يا هلا, أبي جاء, بينما ألتفتت البنت أخته الصغيرة إلي جلباب أمها تشده بفرح.
مضت دقائق والأمور تجري ككل يوم وجاء وقت خروج أبيه إلى جمع البلح, فقال قبل خروجه من البيت: أحمد أعد نفسك للخروج من البيت غداً للذهاب معنا إلى بئر الفاجر لكي تحمل نصيبك من الماء, قال هذه الكلمات المبهمة وهم بالخروج, ولم يستطع أحمد إلا أن يسأله إلا سؤال بكلمة واحدة :لماذا.
قال متعجلاً: عندك أمك تقول لك ما تريد, وغلق الباب بشدة.

التفت أحمد إلى أمه وكرر سؤاله لماذا يا أمي؟ بدأت ترد علي أحمد بصوت متراخي لا يتناسب مع حماسه في السؤال: يا ابني هناك أصول يجب مراعتها وأنت كبرت ويجب أن تبدأ تتحمل أعباء الرجال.
قاطعها أحمد: إنني أكره البئر وأكره صاحبه.

الأم: يا بني, السيد جابر له فضل علي أهل الواحة كلها, جده هو الذي حفر هذا البئر, والأصول أن البئر هذا ملكه ويجب أن نرضيه حتى يسقنا منه, أم تريد أن تخرج عن الأصول؟.
الابن: ماذا تقصدي بقولك نرضيه, هذا الجابر الفاجر.
أخذت الأم تكرر كلامها وكأنها لا تريد أن تبوح له بكل ما لديها وشعر أحمد بهذا فمل من الحوار معها وذهب للعب مع أصحابه فارس وعبد الله.

وعند المغربية عاد أبوه من العمل منهك القوي و سأل أم أحمد عن أحمد وهل أخبرته باللازم؟
فصاح: أحمد, فهرول الولد إلى أبيه, نعم أبي.

أبو أحمد: بكره من الفجر تجهز نفسك لتذهب معنا, هذه هي الأصول, السيد جابر مشترط علي القرية أن كل ولد شد عوده لا زم يذهب بنفسه ليأخذ نصيبه من المياه.
وقبل أن يهم أحمد بالرد أكمل أبوه:وأبو فارس وأبو عبد الله أخبروني أنهم سوف يأخذون أولادهم معهم من الفجر, سامع يا أحمد؟ رد أحمد: نعم يأبي.
استدار الأب وذهب إلى غرفة النوم وترك أحمد حائر البال وسمع بعد حين أذان العشاء بصوت الشيخ زينهم, فرأي في الأذان رد عن الأسئلة التي تدور في رأسه، بعد الصلاة وخروج المصلين من الزاوية واحد تلو الأخر أجتمع أحمد وفارس وعبد الله عند الشيخ زينهم.

يا شيخ زينهم, أبي يقول لي أنه سوف يأخذني معاه غداً إلي بئر الفاجر, وأكمل فارس هذا الرجل أسمه سيئ و سمعته أسوء, كما أنه لا يصلي معنا, قاطعه الشيخ وقال: لا تقل هذا مرة أخري, السيد جابر هو الذي أعطاني الماء التي تتوضؤا منها ولا يصح أن تقولوا هذا عليه, وأكمل الشيخ تسبيحه.


قال عبد الله: الماء هذا ماء الله وليس مائه, ربنا هو صاحب السماء والرمل والنخل وكل شيء, والرجل فيه كذا و كذا .
صاح الشيخ: أصمت يا ولد وإلا قطعت لسانك, إذهب عني, أذهبوا إلى بيوتكم يا جهلاء, غداً سوف تكبرون و تتعلموا كيف تلتزموا بالأصول, تخطئوا في السيد جابر الذي يملك غير البئر نصف نخيل الواحة ويعمل عند أبناؤه نصف رجال القرية, إذهبوا أيها البلهاء.

قال هذا وأنصرف وترك الفتيان يتحدثون عن يومهم القادم, أخذوا يتخبطون في أفكارهم وأنتهي بهم الحديث وهم جالسين علي الحصاة فوق التبة العالية التي تعودوا الجلوس عليها ليلاً ووجدوا في النظر في النجوم ما يهدئ قلوبهم،
وقال عبد الله: أنظر هذه النجمة أظنها أكثرهم توهجاً, جميلة جميلة بالفعل تشبه النخلة التي تجاور بيتنا, هي الأخرى عالية.

قال فارس: سبحان الله, أخاف أن يأتي يوم ويمتلك هذه النجمة هذا الجابر الفاجر.
قال أحمد: المصيبة الأكبر أن يصدقوه أهل هذه القرية ويأمرون بهذا الأمر أبنائهم والله العظيم هؤلاء الناس هم البلهاء بالفعل.
قال فارس: الفقر والحاجة يجعلك تصدق أي شيء يا صاحبي.
قال عبد الله: كم أحب أن أنظر في الأفق وأنسي أنني أعيش في هذه الواحة, كلما رأيت نخلاً بعيداً حلمت أن تحته بئر يشرب منه من يريد, ثم يحمد الله وحده لا غير.
ومر الوقت وهم جالسون ينظرون إلى الصحراء الصامتة حيناً والنجوم المضيئة حيناً حتى أذن أذان الفجر حينها هرع الجميع من مجلسه.

وقف أحمد ينظر إلى أمه وهي تجهز الآنية للذهاب إلى البئر وكانت تحاول أن تبدوا ككل يوم ولكنها تعلم أن رأس أبنها لم تزل مستعصية،
وصاح الأب هيا يا أحمد خذ إنائك, هيا يا أم أحمد, خرج الجميع صامتتين, صامتتين رغم أنه في نفس كل واحد أصوات عالية تتحدث بل تتعارك مع بعضها البعض.

أمام دار السيد جابر التي بناها وعلى جدرانها حول البئر أصطف الناس وكل واحد يعرف مكانه وكالعادة يعلو صوت النساء وهم يتحدثون فيما بينهم وينتظر الرجال قدوم السيد جابر الفاجر فوق عتبته الخاصة به وأخيراً يصمت الجميع وتتوحد الأنظار حول الرجل الضخم المهيب الذي يصعد فوق الدرجات ليصل إلى منبر عالي ومع انحباس الأنفاس يبدأ رجاله في تنظيم الناس وتتقدم كل أسرة في دورها, قائلين برجاء
" رضاك يا سيدنا" يهمسون بهذه الكلمات ويتلقون يديه يقبلونها أما الصبية والصغار, فلا يسمح لهم طولهم أو مقامهم بتقبيل يديه فينحنون إلى حذائه الفخيم يقبلونه, أسرة تلو أسرة وفرد تلو فرد يتجهون بعدها إلى البئر ليملؤا منه أوعيتهم.

الأمر يسير بانتظام فالأمر عادي ويحدث كل يوم ولكن الجديد أن أحمد ينظر إلى كل هذا ولا يطيق, قلبه يدق بشدة وأنفاسه تزداد سخونتها ولا يستطيع أن يتقدم الخطوات الواجبة لأخذ مكانه المناسب في الطابور, كان أمامه أسرة عبد الله وخلفه أسرة فارس, كان يريد أن يصيح في وجهة أبيه هل تريد مني أن أقبل قدم هذا
النتن ولكن عرف أن الكلام لا يفيد شيئاً فأثر الصمت.

جاء دور أسرة عبد الله, فتقدموا إلي السيد جابر وأنحني أبو عبد الله وأمه على يد الرجل بصورة تلقائية وهنا لا حظ الجميع سكون هذا الصبي الغريب علي المشهد اليوم وصاح بلهجة
حازمة أحد أعوان جابر: أركع و قبل قدم سيدك ومع هذا ظل الفتي ينظر إلي وجهة السيد جابر نظرات جامدة وهنا لم يكن من رجل أخر واقف إلا أن أمسك برأس الفتي وأجبره أن تلامس شفتاه حذاء هذا الجبار فلم يطق عبد الله أن يلا مس غبار الحذاء فمه فتفل علي الفور في اتجاه هذا الجبار وصاح أتركوني..أتركوني أعوذ بالله منكم... أتركوني يا ظلمة, قال هذه الكلمات هو يتلقي لطمة من نفس الرجل أدمت أنفه، في هذه اللحظة نطق جابر لأول مرة منذ وقوفه في المشهد:أتركوه..أنه غلام لا يدري ما يقول وأكمل عبارته بنظرة إلى أبوا عبد الله جعلت أ قدامه لا تقدر علي أن تحمله, فأنسحب أبوا عبد الله وأبنه وزوجته وهو علي يقين أن للأمر تبعات، هنا أنتهز كل من أحمد وفارس هذه الفرصة ليظهروا انشغالهم بجرح عبد الله وتركوا الجمع وعادوا معه إلى المنزل يتبعهم أبه وأمه اللذان لم يتوقفا عن تعنيفه وتهويل فعله طوال الوقت.

في الليل, وصل الكثير من أهل القرية إلى أبو عبد الله ينصحونه بتصحيح خطأ أبنه ويبادروا بالآراء حول ترضية السيد جابر, فيقول أحدهم يجب أن تقبل جميع الأسرة حذاء الطاغية ويستمرون علي ذلك حتى يرضي السيد جابر بل ذهب بعضهم إلى أن يركع عبد الله له أمام جميع الناس ويطلب منه المغفرة والسماح وذكره البعض بما حدث في فلان عندما تمرد عليه يوماً وعاقبت فلان الذي صاح فيه يوماً أتقي الله وكيف أن السيد جابر لن ينسى هذا الأمر بسهولة.


كان من بين الجالسين عم عوض وابنه أحمد وبعد أن أنفض المجلس, وما أن خرج أحمد من دار عبد الله, حتى سمع أصوات عالية, اختلطت بين أصوات الأب وصوت صرخات عبد الله وصوت أمه وهي تحاول أن تهدئ الأب الثائر.


حتى ذهب أحمد وأبوه إلى بيتهما وصاح الأب في الابن أرأيت ماذا فعل هذا الفتي الأحمق بأهله, ربما نسمع غدا عن مقتله هو أو أباه أو على الأقل سوف يمنع سقيتهم من البئر, سوف يموتون من العطش ولن يتجرأ أحد أن يعاونهم،
أخذ الأب يكرر الكلام الذي سمعه هذه الليلة في بيت أبو عبد الله وأحمد ينظر إلي وجهه أباه صامتاً وكلما حدق الابن في عيون الأب, اضطربت نظرات الأخير وأرتفع صوته وفي النهاية صاح الأب:

لقد عشنا هنا منذ صغرنا وعلمني أبي أن الخوف فيه النجاة وأنني إذا فعلت كما يفعل الناس سوف أعيش كما يعيشون, وقد رأيت اليوم كيف فعل صاحبك وكيف وقف الجميع ينظرون وغداً سيقتل وهم ينظرون, هل تسمع ما أقول؟
شعر الأب باليأس من خطاب أبنه وصاح به غداً سوف تذهب معنا وهذا أمر من والدك ولا أرى أنه من البر أن تعصى أباك.

حاول أحمد أن يغمض عينيه في هذا اليوم, لكنه فشل فتسحب إلى سقف الدار ومدد جسمه مستسلماً وأخذ يناجي الله ويبكي ويدعو لصاحبه عبد الله حتى غلبه النعاس، وفي الفجر, دوى الأذان وتنبه الجميع وانتظموا في ممارسة حياتهم كالمعتاد وبعد لحظات سمع صوت طرق الباب وأم عبد الله تصيح من خلفه: عبد الله راح, عبد الله راح, خطفوه, قتلوه كانت هذه صيحات المرأة فور دخولها دارهم, ألتفت حولها أم أحمد تحاول أن تهدئ من روعها ولكن بلا فائدة.

فهم أحمد بعدها أنهم لم يجدوا عبد الله في الدار في الصباح وأخذت الأم تنتحب وهي ترثي أبنها وتسرد قصص عن أبن عم حامد وعم إبراهيم وكيف أن رجال جابر خطفوهم وقتلوهم في أحداث مشابهة لقصة ابنها.

كان أحمد لا يزال يداعبه أمل في أن يكون كلام أم عبد الله خاطئ وأن عبد الله سوف يراه وهو عائد إليه متبسماً في أي لحظة, لكن مر يومان ولم يظهر له أي أثر, حتى أتفق الجميع علي أنه السيد جابر حبسه عنده أو قتله و ثرت الإشاعات وصعب معها الكشف عن الحقيقة, فقال البعض قتله جابر ووضعه في البئر وقال أخر بل حبسه حتى الموت وثالث دفنه في الصحراء وهو حي, ومع كل هذه الأقوال, لم يتجرأ أحد على سؤال السيد جابر أو ذكر هذا الموضوع عنده خوفاً من بطشه.

بعد صلاة المغرب ذهب عم عوض ومعه أحمد وأبو فارس وابنه إلى دار أبو عبد الله ليواسيه في مصيبته, وهنا جلس الجميع بجوار أبو عبد الله ويتخيرون أرق الكلمات للتخفيف عنه.

أبو فارس: مالك يا سالم، إلا تخرج من خلوتك هذه وتلتقي بأصحابك, الكل يسأل عنك.
سالم(أبو عبد الله):الحمد لله, أدعوا لي ربنا يفرج عني.
عوض:عبد الله أبننا كلنا وفقده يحزننا أكثر مما يحزنك, لكن ربنا لا يرضي أن تقتل نفسك كمداً على أبنك.

سالم: تصور يا عوض, جمعت قواي اليوم وخرجت باكراً ومعي أم عبد الله لكي أملئ أوعيتنا كما كنا نفعل كل يوم ولكن فالطريق لم أستطع أن أحرك قدمي وسقطت على الأرض .
هنا قاطعه أبو فارس: إذا كان علي الماء خذ من نصبنا, فماءنا ماءك وعيالنا عيالك.
تنهد سالم وقال:أه يا ربي, أيوجد خلق, أيوجد دين في هذه الواحة الظالمة, أيقتل هذا الجبار الفاجر أبني ثم أذهب إليه وأقبل يده, أي هوان هذا يا ربي أي هوان هذا يا ربي, هنا أجهش عم سالم بالبكاء حتى أبكي الجميع وخفضت الرؤوس وساد الصمت إلا صوت نحيب أبو عبد الله المكلوم في ولده.

الآن جاء الليل سكن الجميع إلى مأواهم, وخفي الظلام بيوت محزونة وخبأ الصمت خلفه إلا آلاف من الأصوات العالية, لكنها لا زالت محبوسة داخل الصدور.
أما أحمد وفارس فلم يستطيعا الذهاب إلى النوم وبغير موعد وجدي نفسهما مجتمعين فوق تبتهم العالية حيث اعتادوا أن يجلسوا ولكن اليوم هم اثنان وليسوا ثلاثة.
فارس:لقد أضاع عبد الله نفسه وأحزن أهله, بفعلته الحمقاء.،
فنظر أحمد إليه نظرة غاضب. فارتبك فارس وقال:أعرف أن هذا الجابر فاجر وظالم ولكن ما عسانا أن نفعل ونحن صبية صغار وقد ذل له جميع رجال القرية.

قال أحمد: دعك من الكلام وأخذ نفس عميقاً ثم قال أنظر معي إلى هذه النجمة المتلألئة, أليست هذه التي كان يشير إليها عبد الله دائما.
فارس: نعم, السماء صافية اليوم والقمر بدر, كان عبد الله يحب هذه الأوقات حيث تنكشف بعض معالم الصحراء تحت ضوء القمر.
أحمد:يا حبيبي يا عبد الله.....كنت تشير دائماً إلي هذه النخلات البداية في الأفق وتقول يا ليت لي ببئر تحت هذا النخل فأشرب من ماءه وأكل من ثمار النخل, ثم لا أحمد أحد غير الله, هنا دمعت عين أحمد.
قال فارس محاولاً التفريج عن أحمد: أتعلم يا أحمد, نساء هذه الواحة حمقى بحق, سمعت أحداهن تقول أن أبو عبد الله يخبأ عبد الله في صندوق حفرى تحت الأرض خوفاً من بطش جابر, وأخري تقول أن عبد الله قد تسلق أحدي النخلات ومعه أحجار ينتظر أن يمر جابر من تحته فيقذفه بها والثالثة تقول أن عبد الله أخذ معه فأساً وخرج لضرب جابر به فأمسك به رجال جابر وقتلوه قبل أن يصل إليه. فتبسم أحمد وقال: ولماذا الفأس بالتحديد.
فرد فارس: ألم أقل لك أنهن حمقاوات, قالوا هذا لأن فأس أبو عبد الله اختفت مع اختفاء عبد الله.
فحدق أحمد في وجهة فارس: لماذا لم تذكر لي هذا من قبل, ثم أخذ أحمد يردد فأس, عبد الله, ونظر في الأفق فوجد الصورة المعتادة للنخيل البادي في الأفق.
ثم صرخ أحمد: أذهب وأيقظ أبيك وعم سالم, قالها وهو يقفز من مكانه.
فرد فارس: ما الأمر يا أحمد.
فقال أحمد أظنني عرفت الآن أين عبد ال
له.

أعد الجميع أنفسهم للذهاب إلي السهل البادي في الأفق ومع أنه ممكن أن تراه من فوق التبة إلا أنه قد يستغرق نهاراً بكامله للوصول إليه.

خرج الجميع وهم يشكون في كلام أحمد وكان أبو فارس وأبو أحمد يرون أن هذه الرحلة هي في الأصل للتسرية عن نفس سالم وزوجته حتى وأن كان هدفهم زائف, ومع مضي وقت واشتداد حرارة الشمس بدأت الأم تبكي قائلة أيمكن حقاً أن يكون أبني قد قطع هذه المسافة وحده في هذه الشمس المحرقة, بعيني أنت يا ولدي.

وبعد مرور أكثر من نصف النهار في السير بدت نخلات السهل قريبة وشيء فشيء وصل الجمع إلى هذا السهل الخاوي من العمران وكان أول من سبق هم أحمد وفارس وأخذوا يهرولون هنا وهناك حتى قطعت أنفاسهم، وبعد لحظات سمعوا أحمد يصرخ عبد الله... عبد الله.. أجبني يا عبد الله أه نشيج.


هنا أنتفض الجميع إلي وجهة الصوت فوجدوا أحمد يجلس و عبد الله ممدد في حفرة بجواره الفأس وقد رفع أحمد رأسه إليه وأخذ يبكي.


مشهد لا يكاد يوصف ارتمت أمه إلى الحفرة صارخة ابني ابني وأرتمي الباقين علي الأرض يبكون, كثر النحيب من الجميع واحترقت القلوب بالأسى علي موت غلام طيب النفس بغير ذنب, وحيداً غريبا بلا مأوى, مات شهيداً لحلم لم يستطع تحقيقه بعد.


بعد شهرين من ذلك اليوم انتشر الخبر لم يصدقه أحد في القرية حتى ذهبوا إلى السهل القريب وشاهدوا بأعينهم, بئرا يفيض بالماء العذب حفرته أسر الثلاث فتيان وكتبوا عليه لافتة بئر عبد الله, اشرب واحمد الله.


تم بحمد الله

أحمد سراج الدين
elomah@yahoo.com
إذا كان لك أي رأى بالسلب أو بالإيجاب تجاه القصة, فلا تردد في أن تقول لي رأيك بصراحة, فهذا يساعدني على الاستمرار بشكل أفضل.
شكراً
لا تنسوا الدعاء لنا بالخير 
 

 


الكاتب: أحمد سراج الدين
نشرت على الموقع بتاريخ: 03/03/2005