نظرت الزوجة إلى سقف البيت فوجدت التشققات تملؤه!!.. فزعت من هذا المنظر وأسرعت لتوقظ زوجها ليشاهد معها تلك الكارثة، استيقظ الزوج في ملل وراح يتفحص السقف جيدًا ويمشي وراء ذلك الشق الكبير ليعرف نهايته ثم طمأنها وقال لها أنها تشققات سطحية وبعيدة عن الأساس، ثم قاما معًا بجولة سريعة في المنزل لمتابعة حالته فأصابهما الضيق عندما شاهدا الحالة التي صار عليها المنزل،, لقد أصبح لونه باهتًا, وكئيب المنظر، إنهما حقًا قد أهملا المنزل في خضم المسئوليات والأعباء التي كانت تفيض الأمواج بها،, فجدران المنزل وأبوابه حتى الأرضية أصبح يغلب عليها اللون الأصفر من كثر ما تحملت من حرارة الشمس ورطوبة الشتاء.. جلس الزوجان جلسة هادئة واتخذا قرارهما "لابد من تجديد المنزل".. إن منزلنا جميل وأساسه متين وربما لا نجد مثله في هذه الأيام ولكنه يحتاج لبعض الجهد والمال حتى يصبح أنيقًا وحديثًا. واتفق الزوجان على وضع خطة لتجديد المنزل وبدءا بوضع إمكانياتهم المادية وتحديد الوقت الذي سيبدآن فيه تلك المهمة وخاصة أن الأولاد على استعداد لاستقبال إجازة الصيف والانتهاء من أزمة المدرسة والمذاكرة، وبدأ الزوجان في تحديد ماذا سيتم بالتحديد من تجديد؟ ومن أين سيشتريان الخامات؟ وهل سيقومان باستشارة مختص حتى يتم التجديد وفقًا لأحدث ما وصل إليه فن الديكور أم لا؟ واستغرق الزوجان في حساباتهم.. وفجأة رفعت الزوجة رأسها ونظرت لزوجها نظرة متفحصة وكأنها تراه لأول مرة، ثم قامت مسرعة ودخلت حجرتها وأغلقت الباب ووقفت أمام المرآة.. أخذت تنظر لوجهها ثم إلى تضاريس جسدها الذي أصبح كخريطة لدولة بها من المرتفعات والجبال والهضاب أكثر مما بها من اليابسة وتأملت حالها, حتى مشاعرها وأفعالها أصبحت هي الأخرى سطحية ومملة تدور حول محور واحد الأولاد والمسئوليات, وزوجها أيضًا أصبح هو الآخر غريبًا عنها فهي لم تعد تستطيع أن تحاوره وخاصة بعد ما اتسعت مشاريعه وأعماله ودائرة أصدقائه, أصبح كل حوار بينهما ينتهي بجمل قصيرة ومزعجة.. "أنت لا تفهمين شيئًا", "إنك لا تعرفين حجم مسئولياتي", "لقد تغير الوضع", "أنت لا تهتمين إلا بالأمور التافهة ".......... وارتمت على أقرب مقعد لها وهي تتنفس بصعوبة.. لقد أهملت في حق نفسها كثيرًا.. تركت الأيام تفعل بها ما تشاء دون مقاومة, لقد سلّمت نفسها لحبال الحياة فالتفت حولها وشلّت حركتها بدلاً من أن تتسلق بها أعلى القمم. وفتحت الزوجة باب الحجرة وعادت حيث تركت زوجها غارقًا في خطة التجديد التي وضعها ونظر الزوج إليها مستفسرًا عن السبب الذي جعلها تقوم هكذا مسرعة؟ ابتسمت له.. أخذت يده وحضنتها بكلتا يديها وقالت له ونظرات الحب تملأ عينيها: اكتشفت أن هناك سكنًا آخر يبحث عن التجديد وربما من الأفضل أن نبدأ به هو.. استغرب الزوج كلام زوجته وسألها مستنكرًا: - أي سكن تتحدثين عنه؟ هل لدينا مسكن آخر؟ قالت بصوت هاديء جميل: " نعم يا حبيبي لديك سكن آخر إنه أنا سكنك. ألست كذلك؟ ..ازدادت دهشة الزوج وطلب من زوجته أن توضح له ماذا تقصد, فقامت من مكانها وجلست بجواره وأسندت رأسها إلى كتفه وقالت: - نعم أنا السكن الذي اخترته لنفسك لتنعم فيه بالسكينة والحب. وأنت أيضًا سكني الذي أحتمي فيه من برودة الأيام وحرارة المحن. ولكن يبدو أن كلا منا أهمل ذلك السكن وانشغل بما لديه من مسئوليات وأعباء. لماذا أصابنا الفزع عندما شاهدنا جدران المنزل وأركانه وقد طبع عليها الزمن صورة باهتة كئيبة تثير الشجن؟ لماذا لا نضع خطة أخرى لتجديد السكن الأبدي الذي جمع بين قلبينا؟ إن المشاعر الطيبة التي تجمعنا والآمال التي كنا ننشدها سويًا, والصعاب التي استطعنا أن نتجاوزها جعلت من أساس هذا السكن أساسًا قويًا راسخًا يستطيع أن يتحدى زلازل المشاكل وتقلبات الأيام، لكنه فقط يحتاج إلى تجديد أليس كذلك؟
أسند الزوج رأسه للخلف وهو يفكر في كلام زوجته.. إنها محقة بكل تأكيد, نعم هي سكنه الذي اختاره لنفسه من سنين وهي السكن الذى صمد أمام أمواج الحياة وتحمل غبار الهموم التي كانت تعصف بأركانه, هي السكن الذي كان يعود إليه بعد عناء يوم مضن لينام هاديء البال مطمئن على حاله وماله وعياله.. نظر إليها بحنان وهو يهم أن يضمها لصدره,.. لقد أهملتك حقيقة ومن الشجاعة أن أعترف بذلك، كنت أكتفي بالنقد واللوم دون أن أقدم لك العون والمساعدة, ظلمتك عندما كنت أقارن بينك وبين النساء اللاتي كن يظهرن في حياتي بين الحين والحين في أبهى صورة وأحسن عطر وأعذب كلام.. فكيف تجاهلت أمومتك وانشغالك بمتابعة أطفالي وأحوال بيتي؟ لقد كنت غير منصفًا عندما قارنت المسئولية والعناء والتضحية باللامبالاة والأنانية.. أرجو أن تسامحيني ........ وتعانق الزوجان في حب وقاما بتمزيق خطة تجديد المنزل ووضع خطة أخرى وبدأت الزوجة بكتابة الآتي: - أحب أن تشاركني في بعض مسئوليات البيت كأن تشتري معي لوازم البيت من السوق - أحب أن تجلس معي يومًا ولو كل شهر في مكان هاديء بعيد عن المنزل نتحدث فيه سويًا - أحب أن تتابع معي مشاكل الأولاد ونضع سويًا حلولاً لها ثم كتبت في ورقة أخرى أريد أن تساعدني في: - إنقاص وزني الزائد بمشورة الطبيب ومتابعة الرياضة - تطوير فكري وشخصيتي بقراءة الكتب وحضور الندوات وغيرها - تعلم الكمبيوتر حتى أستطيع الدخول على الإنترنت ومتابعة الحديث في العلم والمعرفة ابتسم الزوج وهو يقرأ ما كتبت الزوجة وتحمس هو الآخر وأمسك القلم وكتب: -أحب ألا تتحدثي معي في أمور البيت وأنا عائد من العمل - أحب ألا تسأليني دائمًا عن أمر العمل - أحب أن تتركي لي مساحة من الحرية للخروج مع أصدقائي ومشاركتهم جلساتهم - أحب أن أراك هادئة, جميلة تضحكين دائمًا ثم كتب بخط عريض أرجو أن تساعديني في: المحافظة على هذا السكن وأمسك كلٌّ منهما بورقة الأخر, إنها أشياء بسيطة وأمنيات من السهل تحقيقها فلماذا لا نبدأ بالتنفيذ؟؟ ..
وتعاهد الزوجان وقاما وقد اتفقا "على تجديد السكن" .. د.هالة مصطفى
واقرأ أيضًا على إبداعات أدبية: يوميات شاب (1)، يوميات شاب(2)، باسم أطفال فلسطين: جنين، كائنات خالية من الضوء، عفوا يا سيدتي!، الريح والورد، أطفال الحجارة، فين العَلَمْ..؟؟، أنشودة سجين، من أشعار الوطن اللاوطن، "خُبط" أصبحنا، رسالة من إفريقي إلى إيما لازارْ، من قصيدة لبغداد، قـلَّـةُ فَـهْـمٍ قـليـلَـةُ الأدَبِ!، تقوى!، من ملفات المهجر، ذكريات ومشاهد من الحرب، بيقـولـوا ..: عملوا لنا كـويز!!، أصواتُ العربِ!، لماذا...لماذا ؟!!، شكرا لكم: سليمان خاطر، توهان !!!، يابتاع الفول والطعمية، إلى مكتئب، إلى مريض الفصام، إلى مريض الوسواس، منتهى العقل، فين المصري؟؟؟ ، توهان !!!، همسة إلى مدخن، إلى مريض الهوس
|