إغلاق
 

Bookmark and Share
اسم العمل الأدبي: أحلام عبد المجيد 
اسم صاحب العمل: رانيا أحمد 
نوع العمل: قصة قصيرة 
الوزن الشعري: ---------- 
تاريخ النشر:  18/06/2006
 
الموضوع


أخذ يقرأ الجريدة وهو يلتهم آخر جزء من الشطيرة التي كانت في يده، واسترعى انتباهه خبرٌ عن انتحار شاب من فوق كوبري 6 أكتوبر لأنه لم يجد عملا..
ابتسم.. وقال لنفسه "كيف يمكن أن ينهي أحد حياته الغالية بسبب أنه لم يجد له عملا؟ حقًا الشباب اليوم ليس عاطلٌ عن العمل فقط بل عاطل عن استخدام عقله أيضًا!".
أخذ يستعد لارتداء بدلته الجديدة التي أحضرها خصيصًا لهذا اليوم، فهو اليوم يوشك أن يبدأ مرحلة جديدة من حياته ستكلل أيضا بإذن الله بالنجاح مثل غيرها.
أخذ يستعيد حياته التي بدأت بنجاحه الباهر في الثانوية العامة وتخطيطه لدخول كلية العلوم السياسية والاقتصاد ونجاحه المشرف الذي استرعى انتباه جميع أساتذته وتمنوا أن يلتحق بسلك التدريس معهم، لكنه كان يخطط لوزارة الخارجية وتقدم بأوراقه لها واجتاز جميع الاختبارات واليوم سيتسلم النتيجة التي يعرفها مسبقا في قرارة نفسه.. ويبدأ مشوار نجاح آخر في هذا المجال الذي حلم به منذ صغره. "كل هذا بسبب إيماني القوي واستخدامي الصحيح لعقلي وقدراتي، يقول أبي أنه لو كان هناك شباب كثير مثلي لصلح حال البلد، وتقول أمي أني مكافح منذ صغري، لما لا يستخدم الشباب عقولهم ويبعدون عن الطرق الأخرى التي تعطل حياتهم وتخسرهم أنفسهم؟!" (وتذكر هذا الخبر في الجريدة مرة أخرى)!
من صغره وهو يعتمد على نفسه ولم يكلف والده شيئًا منذ نجاحه في الثانوية لأنه اختار طريقه بنفسه وقرر أن ينجح فيه بفضل إمكانياته هو وحده، راعى ظروف أبيه (الموظف البسيط في مصلحة البريد).. يكفيه بقية إخوته البنات ومصاريفهن، لهذا عمل بعد الثانوية وأكمل دراسته في كليته التي اختارها، ونجح على المستويين العملي والدراسي نجاح حسده عليه جميع من كان حوله ولكنهم كذلك أحبوه فقد كان شخصية قوية لبقة ومحترمة تفرض حبها على الجميع.

مرت به عقبات كثيرة كأي شاب في هذه الظروف الصعبة التي يعاني منها كل الشباب، لكنه عرف بجدارة أن يخرج من كل تلك العقبات وينجح فيما خطط له
حتى على المستوى العاطفي.. أحب زميلته الجميلة الرقيقة وعرف أن الطريق إليها يستلزم الكثير من النجاح والمجهود، وكانت هي مستعدة أن تذهب معه حتى آخر العالم لأنها تثق بقدراته وعقله وقلبه.
وها هو ذا يرتدي بدلته الأنيقة ويقبل يد أمه وتتمنى له كل الخير من قلبها، ويخرج من بيتهم المتواضع في الكيت كات، ويتجه إلى وزارة الخارجية..

استقبله المسئول عن إعلان النتائج في مكتبه الأنيق في وزارة الخارجية،وهو كأي مكتب في الوزارة يجعلك تحس أنك دخلت دنيا أخرى غير التي كنت بها منذ قليل، ورأى نفسه وراء هذا المكتب ولكنه أفاق على كلمات المسئول وهو يقول له بابتسامة عريضة أنه نجح في جميع الاختبارات بجدارة لم يرها من قبل في حياته كلها، ورد عبد المجيد ابتسامته بابتسامة عريضة لأنه يعرف هذا مسبقًا، "لكن"خرجت الكلمة من المسئول "لكن للأسف لم تقبل لدينا.."
فغر عبد المجيد فاه وقال: "ماذا؟؟.. لم أسمع حضرتك جيدًا" رد المسئول: "لم تقبل بسبب المركز الاجتماعي" نظر له عبد المجيد ولم يفهم "ماذا " رد المسئول"ماذا الذي لا تفهمه يابني؟ لم تقبل بسبب المركز الاجتماعي" رد عبد المجيد زائغ البصر "ماذا عن المركز الاجتماعي؟؟" نظر له المسئول وقال له: "أين تسكن يا بني؟ماذا يعمل والدك؟" خرج صوت عبد المجيد ضعيفا من حلقه "أسكن مثل كل الناس، ووالدي موظف بسيط وأهلي ناس طيبون وهل هذا يعيبني في شيء؟ " رد المسئول "لا.. ولكن هنا لابد من مركز اجتماعي معين وبينة معينة كواجهة لنا.. اعذرني يا بني أنا أؤدي عملي ليس إلا.. أنت إنسان جيد وممتاز وأجزم أنك سوف تنجح في حياتك.. لماذا لم تتقدم للعمل في الجامعة فأنا أعرف أنهم سيوافقون بل ويرحبون بسبب نتائجك الممتازة".
رد عبد المجيد زائغ البصر والصوت "لماذا لم تعلنوا عن هذا الشرط منذ البدء؟ ومنذ متى يقيم الناس بمكان سكنهم ورتبة أهلهم؟ ثم أني أريد العمل هنا! هذا ما خططت له وهذا ما حلمت به وهذا ما أريده!" "اهدأ يا بني.. وأرجوك انصرف الآن فأنا أؤدي عملي ولست ضدك أو ضد أحد.. وأنا متأكد حين تهدأ ستبدأ مشوار حياتك وأحلامك في مكان يناسبك تمامًا" رد المسئول ونحى ملف عبد المجيد جانبًا إعلانًا على أنه لابد أن ينصرف الآن..

جرجر عبد المجيد قدمه خارج المكتب واستحال وجهه إلى اللون الأصفر واختفت نظرات المرح والأمل والتفاؤل من عينيه وتهدلت كتفاه وزاغ بصره ولم يعرف ماذا يفعل؟ هو الذي كان يعرف دائما مسبقا ماذا يفعل وماذا يريد، مشى خارج وزارة الخارجية وهو ينظر لها بحزن غاضب. هو الذي لم تقدر أي عقبة أن تزيح النجاح من طريقه، هو الآن فشل فيما خطط له ومن أجل ماذا من أجل مستواه الاجتماعي، لم يحسب حساب أبدا لهذا الأمر لأن العقل يرفضه كسبب للفشل، ماذا سيقول لأمه وأبيه أنه فشل بسبب أباه أنه فشل بسبب أنه يسكن في منطقة متواضعة؟! ماذا يقول لنفسه لأصحابه لحبيبته (ابنة أستاذه في الجامعة) الذي رحب بحبهما وباركهما؟ هل كان يعرف أنهم سيرفضونه؟ بالطبع لا؟ لو عرف كان نبهه! لماذا إذن لم يعلنوا عن هذا الشرط من قبل؟ هل وضعوه من أجله؟ هل ينجح آخر بسبب مكانة عائلته ومكان سكنه سواء مصر الجديدة أو الزمالك... هل ينجحوا في الاختبارات الأخرى أيضًا؟رأسه تدور ولا يعرف ماذا يفعل، كلمة الفشل تظهر أمامه لا يعرف أي سياسة تلك التي تبني عليها وظائف الخارجية؟ لا يفهم ولن يفهم ولن يقبل بهذا شرطًا ليحول بينه وبين أحلامه، أحلامه لقد ضاعت أحلامه.. أحلامه.. أحلامه

"انتبه" "انتبه" كانت هذه أخر كلمة يسمعها.. رأى الكثيرين حوله ينظرون له وهو ممدد على الإسفلت أمام سيارة وتنزف منه الدماء تذكر الخبر الذي قرأه في الجريدة "انتحار شاب من فوق كوبري 6 أكتوبر لأنه لم يجد عملا له" ابتسم.. مات.
( هذه القصة مهداه إلى المرحوم عبد الحميد شتا )

 

 واقرأ أيضًا على إبداعات أدبية:
 
يوميات شاب (1)، يوميات شاب(2)، باسم أطفال فلسطين: جنين، كائنات خالية من الضوء، عفوا يا سيدتي!، الريح والورد، أطفال الحجارة، فين العَلَمْ..؟؟، أنشودة سجين، من أشعار الوطن اللاوطن، "خُبط" أصبحنا، رسالة من إفريقي إلى إيما لازارْ، من قصيدة لبغداد، قـلَّـةُ فَـهْـمٍ قـليـلَـةُ الأدَبِ!، تقوى!، من ملفات المهجر، ذكريات ومشاهد من الحرب، بيقـولـوا ..: عملوا لنا كـويز!!، أصواتُ العربِ!، لماذا...لماذا ؟!!، شكرا لكم: سليمان خاطر، توهان !!!، يابتاع الفول والطعمية، إلى مكتئب، إلى مريض الفصام، إلى مريض الوسواس، منتهى العقل، فين المصري؟؟؟  ، توهان !!!، همسة إلى مدخن، إلى مريض الهوس
 

 


الكاتب: رانيا أحمد
نشرت على الموقع بتاريخ: 18/06/2006