إغلاق
 

Bookmark and Share
اسم العمل الأدبي: مؤامرة 
اسم صاحب العمل: هدير الصافوري 
نوع العمل: قصة قصيرة 
الوزن الشعري: ------------ 
تاريخ النشر:  13/07/2006
 
الموضوع

 

يسير على الأرض بعد أن استشعر هدوءًا، لكنه مع ذلك لم يستغن عن حذره وخطوات سريعة متقطعة كخطوات تحري يتعقب مجرمًا وكلما توقف تتحرك شواربه يمينًا ويسارًا كحارس يتحدث في هاتفه الخلوي ليتفقد المكان.. إلا أن الحذر لا يمنع القدر فقد شعر بالخطر وأن شيئًا ما يقترب ببطء.. توجس خيفة وانحرف جانب الحائط يسير متمهلا عله غير المقصود وما من متربص.. إلا أن توجسه كان في محله وتأكد من ذلك عندما أظلمت السماء فجأة وساد الظلام.. يقترب قليلا قليلا منه، خاف وجرى دون أن ينظر خلفه، إلا أنه شعر بألم في قدمه الخلفية أدرك من خلاله الإصابة وتيقن إحساسه بالخطر وأن المسألة أصبحت مسألة حياة أو موت.. جرى بقدمه الجريح يجرجر جسده الذي ثقل وكأن تلك القدم المصابة فقط هي التي كانت تحمله كليًا.. لم تساعده الظروف ونزل عليه "مركوب" فضائي سحقه حتى خرجت عصارته وتناثرت أرجاءه على البلاط.. لقد قتل الصرصور دون أن يرى أو يعلم من هو قاتله ولماذا قتل وما السبب لكنه مات واسلم الروح طوعًا أو كرهًا.. بعد لحظات اجتمع الأهل والأقارب حول جثته، جاءوا يلقون النظرة الأخيرة عليه.. وبعد دقيقة الحداد حضر النمل ليقدم تعازيه ويبدأ إجراءات تقطيع المأسوف على عمره وحمل أشلاءه وتنظيف المكان وكذلك للاستفادة منه في أيام القحط والجوع..

ليلاً اجتمعت الصراصير لتحديد الخسائر والتعريف بالعدو وإعلان حالة الطوارئ وحظر التجول وتعيين بعض الصراصير للاستخبار وجمع المعلومات وذلك حتى لا يتكرر ما حدث.. تكفي ضحية واحدة، وقد أسفرت الجهود الاستخبارية عن وجود مبيد حشري يهدف كما هو واضح إلى الإبادة التامة لكل ما هو حشري وهو الأمر الذي حير قادة الصراصير فهل هذا يدل على جهل العدو أو على استهانة العدو بهم؟؟!!

وقد أدى استخدام هذا المبيد إلى زيادة عدد الجرحى والمصابين والقتلى.. إلا أنه كلما زاد استخدام هذا المبيد كلما زادت المناعة ضده.. ثم أصبح مقويًا فيقف الصراصير على مرمى بصر العدو لينعم برذاذ منعش، ولما لاحظ العدو ازدياد عدد الصراصير -وهو أمر غير مرغوب فيه على الإطلاق- تم تطوير المبيد الفتاك وتخصيص التأثير على الصراصير فقط، مما أفقد الصراصير توازنهم لفترة.. ولم يمنعهم ذلك من الإحساس بأهميتهم كمخلوقات حشرية وشعروا بقيمتهم الحقيقية بل وأصبحت عبوة المبيد المرسوم عليها صرصور كبير الحجم طويل الشوارب بطلاً حشريًا ومثلاً صرصوريًا يحتذى به.. ومناعة الأجيال الجديدة لم تجد صعوبة في التواؤم مع مبيد خاص بالصراصير، لكن الأجيال الجديدة سئمت حالة الحرب الدائمة وقررت عقد هدنة مع البشر وهي عدم إحراج أصحاب المنزل وذلك بالاختباء وقت زيارة غرباء واتقاء شر ربة البيت وادعاء الخوف منها بمجرد سماع صوت خطوتها..

حتى ألفنا وجود الصراصير في حياتنا بالرغم من أنها ليست أليفة على الإطلاق.. أو ليس من المفترض أن تكون لا لشيء سوى أنها صراصير تخشانا ونخشاها تستغلها البنات لإظهار رقتهن والتعلق برقاب أحبائهن.. ويستغلها الذكور لإظهار قوة وجبروت بخلع "الشبشب" من القدم بكل وقار والجري وراء كائن هش بستة أقدام لينقذ حياته.. لماذا يخاف الصرصور أن تهدر حياته؟ أو ليست حياته من البداية مهدرة؟.. يستخدم سيقانه الرشيقة الشائكة في تناسق.. هل رأيت يومًا صرصورًا تتشابك سيقانه في بعضها البعض؟؟ إن الصرصور كائن يمكن أن يخدع حتى يعيش.. لكن أية حياة يعيش؟ بين القمامة، في الظلام، في الشقوق، في البالوعات والمجاري، حول كسرة خبز جاف، حول جثة صرصور زميل أو عنكبوت عدو أو نملة رفيقة كفاح؟.. ما الذي يحرك سيقان الصرصور نحو الحياة خشية القتل دون وجه حق لمجرد أن الإنسان أقوى وأطول، أعطى لنفسه الحق في إبادة الصراصير ومبرره الأخلاقي في ذلك أن الصراصير لا تنفع.. فلا هي نحل يخرج العسل ولا فراشات براقة الألوان.. وإنما صراصير مقيتة تثير الاشمئزاز.. تتسبب في صياح الفتيات وتقافزهن.. إنها حقًا كائنات مخيفة يمكنها أن تأكل أكلك وتسرق كدك دون مجهود، دون وجه حق.. يجب أن يقتل كل صرصور فالصراصير ضارة .


لقد أجهدت الصراصير العقل البشري إجهادًا لا طائل منه، فاختراع مبيد حشري بودرة أو سائل ليس بالشيء الهين.. لن يضيع عالم جهبذ وقته في الركض خلف الصراصير.. بل سيستعمل علمه وعقله في إبادتها مرة واحدة..
لكن الصراصير لها قرون استشعار عرفت بأمر المؤامرة واستعدت للمواجهة.. التمسك بالحياة مهما كلفها الأمر.. فما من ضير في إغفاءة قصيرة أثناء الرش ثم الصحيان والنعنشة بعد إسعاد أصحاب البيت وتوهمهم أن الصراصير قد قتلت وجثثهم ملقاة فى كل مكان مقلوبين على ظهورهم وسيقانهم الكثيرة نحو السماء...

وكلما زادت تعقيدات المبيد الخاص بالصراصير فقط وخطورته كلما ابتكرت الصراصير طرقًا متنوعة ومتعددة للتغلب عليه استمرارًا في الحياة.. فما الذي من الممكن أن يدفع صرصورًا لمكافحة السموم؟ هل للصراصير أحلام وطموحات بالزواج وتكوين أسرة وإنجاب سلالة صراصير متينة وقوية مع وعد بعدم تكرار أخطاء الماضي المظلم..

هل سيأتي اليوم الذي نجد الصراصير تسير فيه جهارًا نهارًا دون خوف من ضربة شبشب أو خبطة عشوائية أو السقوط في بقعة "كلور" أو "فنيك"؟.. هل ستطالب الصراصير يومًا بحقها في الحياة والعيش في سلام والتمتع بأشعة الشمس تمامًا مثل الإنسان.. هل سترفع الصراصير اللافتات معلنة المطالبة بانتهاء الجبروت البشري والتوحش الذي ينسب للحيوان عن طريق الخطأ؟.. ربما.. لا أجد هذا مستبعدًا خاصة وقد نبتت للصراصير أجنحة فالصراصير الآن تطير.

واقرأ أيضًا على إبداعات أدبية:
عبد المأمور..!!، حين...وبعد..!!، تحريض!، مرافعةٌ أولى:، لم!!، حزنٌ لا ينتهي !، قل:..كما..،،، تشكيل...، عزفٌ منفرد...!، لا ترجعي، كلماتي، يا دورة الأقدار، القرارُ الأخير!!، فوضى!!!، مشروع قتل!، ازحفي، تشظّي، هي آخر الأشياء عنك، أمةٌ عجب!  ، ..صمود..  ، شبه أسيرةِ العرب..  ، لوْ أنِّي قلتُ الشعرَ؟!  ، الشعبُ المُمَهَّد!  ، الواقي الذكري!  
 

 


الكاتب: هدير الصافوري
نشرت على الموقع بتاريخ: 13/07/2006