إغلاق
 

Bookmark and Share

شيزلونج مجانين: شهوة التصوير ::

الكاتب: أ.د وائل أبو هندي
نشرت على الموقع بتاريخ: 22/01/2007

أتذكر مرتين على الأقل أنني قرأت عبارةً في كتيب الشرح المصاحب لأول كاميرا فيديو اشتريتها، وربما قبل ذلك في كتيب شرح كاميرا عادية متطورة قبلها، تقول العبارة ما معناه: المصنعون أو المنتجون لهذه الأداة غير مسئولين عن قيامك بتصوير ما قد يكون تصويره غير أخلاقي،.... وباختصار: لسنا مسئولين عما تصوره أنت......... أيامها ربما لم أفهم أكثر من أنهم يعنون بتصوير المشاهد غير الأخلاقية: صور وأفلام الجنس.......... ولا أدري الآن هل كانوا يقصدون فقط ذلك؟؟؟؟

كثرت مقطوعات الفيديو التي تنتشر عبر الإنترنت... فيتم تداولها من بريدٍ إليكتروني لآخر ومن موقع إليكتروني لآخر ثم يحملها البعض وتنتقل من حاسوبٍ لآخر ومن حاسوبٍ لمحمول ومن محمول لمحمول وفي النهاية أصبحت تصل إلى ما أسميه "الوعي الإلكتروني" المترامي الأبعاد.

وبعيدا عن تأثيرات ذلك على عمليات التفكير في الإنسان وعلى أي شكل ستكون نتائج تلك التأثيرات، أجدني مشدودا لتأمل ما سببته القدرة على التصوير نفسها في نفس مالك الأداة تلك التي تسجل الواقع ثم تعيد وقائعه صوتا وصورة........ وناهيك عن كم السعادة أو الحزن والأسى- الذي يمكن أن ينتج عن تسجيل الواقع واسترجاعه عددا غير محدود من المرات وإيصاله لوعي آخرين غير من صَوَّرَ ومن صُوِّرَ؟ يا ترى سببت هذه القدرة الجديدة شيئا جديدا في النفس البشرية؟

بدأ التصوير بريئا ومحبذا ومحمودا فكان الناس يصورن الأفراح غالبا والأتراح نادرا، باستثناء الأحداث الكبيرة ذات البعد الاجتماعي أو الإنساني أو الدولي التي كانت تتولاها مؤسسات إعلامية بمختلف مستوياتها.... أيامها كانت القدرات الشخصية الفردية على التصوير محدودة ولم تكن الكاميرا في متناول الجميع وقتذاك، وفي بدايتها بدت عملية استخدام قدرة التصوير ومحاولات تطويرها عملية بريئة وهادفة ومفيدة.... فهل هي ما تزال كذلك؟ ما الذي حدث عندما أعطيت القدرة لكل إنسان يستطيع شراء الكاميرا أو مجرد استخدامها؟ وهي الآن محمولة في المحمول؟؟؟

وكانت قفزة أخرى عندما فتحت قنوات التليفزيون العالمية ثم الفضائيات معظمها- أبوابها لتلقي وعرض المقطوعات التي يصورها الأشخاص؟ في البداية أيضًا بدا الأمر بريئا... فالناس يصورون لحظات فريدة أو غريبة أو مضحكة أو... أو... إلى آخر الأوأوه! ولكن مع احترام لما لم يعد موجودا في النظام العالمي الجديد وهو نسميه الآن الذوق العالمي العام.... وغير منكرٍ لدى القارئ أن النظام العالمي الجديد يكاد يكون عديم الذوق خاصة عندما يتعلق الأمر بالآخر المعتبر مشروع إرهابي أو إرهابي، نعود للسؤال: ما الذي حدث عندما تجاوزت قدرات التصوير المتاحة للأشخاص وقدرتهم على بثها كل الحدود؟؟ ألم تتكاثر الإشكالات الناتجة عن ذلك على كل المستويات الشخصي والأسري والعائلي والاجتماعي والإنساني والديني والسياسي؟؟

والحقيقة أن الإشكالات الناتجة لم تعد قاصرة على بشاعة ما تم تصويره أو فظاعته، وإنما ترتب كثير من الإشكالات كعاقبة لبث المقطوعات المصورة عبر وسائل الاتصال كلها حتى تصل إلى المحمول في كل يد... ذلك المحمول الذي أصبح يصور ويعرض ويبث لما حوله و-عبر المحيطات حتى- لمن يستطيع أو يعرف كيف يستطيع، ما الذي دعا بعضهم لتصوير لقطات إعدام صدام حسين؟ وقبلها لماذا صورت أحداث التعذيب في أبو غريب وغيره؟ ولماذا صورت الفنانة الفلانية وهي تمارس الجنس مع الباشا الفلاني؟ ولماذا حدث كما سمعت أيام الاجتياح العراقي للكويت أن نتجت فضائح كثيرة عن عبث الجند العراقيين بأفلام فيديو تصور الجنس بين أزواج وزوجات؟ فما هي الرغبة التي يمكن أن تدفع زوجين إلى تصوير نفسيهما وهما يمارسان الجنس؟

هل يا ترى تؤدي مشاهدة المقاطع أو الأفلام المصورة إلى تراكم رغبة الشخص في أن يصور نفسه و/أو آخر؟ هل أصبح بمقدورنا الحديث عن "شهوةٍ التصوير" كشهوة تضاف إلى شهوات النفس؟ وبالضبط مثلما يختلف الناس وتتباين شهواتهم في الأكل مثلا أو الشرب فيختارون أصنافا وألوانا متباينة تتباين شهوات الناس أيضًا في ماذا يصورون؟ وواضح أن هذه الشهوة غير غريزية، وأنها تتأثر بأخلاق الشخص ومواقفه من نفسه ومن الآخرين ومن العالم! فالتحيز غير الأخلاقي صارخ الوضوح في ما تم تصويره مثلا في سجن أبو غريب أو جوانتي ناموا أو في مدينة البصرة الأسيرة، وتم بثه وعرضه على العالم وما تم تصويره أثناء إعدام صدام حسين وغير ذلك كثير من الأمثلة التي يظهر فيها التحيز ضد الآخر المصنف مختلفا في الحرب على الإرهاب!

ونعود لشهوة التصوير فنتساءل إلى أي مدى يمكنُ أن يؤخذ الإنسان برغبة أن يصور نفسه و/أو غيره في موقف ما؟........ تبدو الإجابة مركبة إلى حد كبير ومعقدة الحسم جدا حين نتكلم عن كاميرا محمولة في الهاتف المحمول؟ بحيث تتوفر السهولة والإتاحة مع الرغبة المتأججة في رؤية الإنسان لنفسه و/أو غيره والرغبة في القدرة على استرجاع اللحظات المحببة للنفس على المستوى الشخصي وربما على المستويات الأعلى؟ أو مع الرغبة في تسجيل أو توثيق حدث ما مع تباين المحتوى ماذا يحدث حين تجتمع الإتاحة Availability والسهولة Easiness والرغبة العميقة المركبة ؟ هذا السؤال مفتوح لكل المجانين، وفي انتظار مشاركاتكم.
18/1/2007

اقرأ أيضاً:
بدلا من الغضب....ردٌّ بالعقول / أقصى؟ حدود الوسوسة! ربما3 / ليه مش بتمسك إيدي مشاركة2 / جرى إيه يا ((بابا)) ؟ زعيم عربي تقولش؟!! / ساخن من لبنان:بيروت دمشق القاهرة / ساخن من لبنان الأربعاء 24-8-2006 / ساخن من لبنان الثلاثاء 22-8-2006 / ساخن من لبنان الاثنين21-8-2006 / ساخن من لبنان الأحد 20-8-2006 / ساخن من لبنان السبت 19-8-2006 / من قلب لبنان الصامد ساخنا لا بارد / الطريق من دمشق إلى بيروت / إعادة إعمار لبنان واجبةٌ لكن كيف؟ / ساخن من لبنان أخيرا دمشق... أخيرا / يا سلام على لبنان / لبنان لماذا؟ وفلسطين والعراق لا؟ مشاركة / هكذا لبنان يمنحنا نصرًا ... لا نستحقُهُ! / مستشارو مجانين المجد للمقاومين / المارد الذي.... بعيدًا عن النزال / شكرا منظمة الصحة وفي انتظار المزيد/ تحيا كوريا الشمالية: يحيا حزب الله  / شيزلونج مجانين نوم في غير وقته / شيزلونج مجانين لأي حدٍّ نعبدُ الصورة؟ / مدونات مجانين إجابة السؤال استدراك! / مدونات مجانين (5): إجابة السؤال! / مجتمع يربينا على الإدمان ولا مجتمع الفياجرا؟ / خمس ليالٍ في المنامة السوق والفنادق / أزمة مكان مشاركة 3 / مقعد في الدرجة الأولى مصر للطيران / في المدارس والبيوت والمواصلات: أزمة مكان/ المرض النفسي دور الإيمان والعلاج بالقرآن / لماذا سميناه مجانين؟ سؤال الملايين / مدونات مجانين(5) الإسلام هو الحل! / التدخين والكافيين ورمضان / شيزلونج مجانين الثانية والأربعون / مجانين على الشيزلونج:ماما.. أنا حامل من بابا! / يوميات مجانين: ماذا جرى يا ترى يا ترى !  / مجانين على شيزلونج: صفعتان وكفى! / شيزلونج مجانين: عن الانتماء / يوميات مجانين رقبتي أم إصبعي؟ / منمنمات مجانين: ريقي ناشف / ولا تزال المطواة في درجي / منمنمات مجنونة تعرفي أكتر من المستر يا ماما؟ / إياك من الأدوية النفسية! / التزنيق في المواصلات هل أصبح ظاهرة؟ / يوميات مجانين: في مستشفى الجامعة / صحيح فعلا كبريت ليه؟؟؟  / مدونات مجانين: كيف ننجو بالعراق؟  / لماذا تنعي مجانين صدام حسين؟ 



الكاتب: أ.د وائل أبو هندي
نشرت على الموقع بتاريخ: 22/01/2007