ما وراء هالة.. وخبرها! ::
الكاتب: ناهد إمام
نشرت على الموقع بتاريخ: 28/02/2007
ليسمح لي الزملاء مقدمو برنامج "ما وراء الخبر" في قناة الجزيرة باقتباس عنوان برنامجهم للكتابة عما أثير مؤخرا بشأن الإعلامية هالة سرحان.. فقد توهم البعض أن الفرصة قد واتته لكي يجهز على هالة سرحان و "يجيب خبرها" كما يقول أهلنا في صعيد مصر, بعد نشر خبر هالة الذي يفضح قصتها وحكايتها مع بنات الليل في حلقات "هالة شو".. هكذا فكّر كل من يتحفظ بشأن شخصية هالة أو أداءها الإعلامي وترجع تحفظاته إلى أسباب بعضها شخصي وبعضها اجتماعي محافظ وبعضها ربما التزام ديني.
المهم أن قصة هالة سرحان مع بنات الليل كانت قضية مجتمعية ملتهبة خلال الأسابيع القليلة الماضية ما بين مهاجم لهالة أ ومدافع عنها أو.."موارب" أيضا.. وما بين مهاجم للفتيات.. ومكذب لهن, أو مصدق ومتعاطف معهن..
فيلم هندي "سكتشفون ذلك في النهاية".. ربما.. المهم أن بطلاته "نساء".. سيدة إعلامية مرموقة.. "مسنودة" أيضا, لها خبرة إعلامية ممتدة ومتواصلة, ذكية, جريئة, حريصة على أن تكون رسالتها هي ومجموعة أخرى أيضا كإيناس الدغيدي المخرجة المعروفة أن يكسرن التابوهات ويقتحمن المناطق المحظورة.
أما بقية بطلات الفيلم فهن مجموعة من الفتيات من نوعية الكائنات الليلية.. صادقات.. كاذبات.. لا أحد يعرف ولكن العوز والفقر والحاجة يعرفونهن جيدا, ويعرفه عنهن أيضا الآخرين. والحقيقة المهمة فعلا في الموضوع برمته كما أرى هو "المرأة".. ذلك الكائن الذي عندما تناقش قضية تمسه في الفضائيات فقلما نجد من يناقشها بهدف العرض بشكل راق في حوار جاد يهدف إلى إيجاد الحلول أو على الأقل الإشارة والدعوة إليها..
ولتتأمل معي –عزيزي القارئ– أية مأساة تلك عندما تكون لديك إعلامية ذائعة الصيت واسعة الخبرة المهنية ذات حضور وثقافة وجاذبية وسلطة وإمكانيات ولا تناقش قضايا بنات جنسها سوي من باب التسخين, والإثارة والشهرة بدلا من المحاولة الجادة للإصلاح والتغيير وتقديم الإضافة والمساعدة؟!
هذه ناحية, ومن ناحية أخرى تجد نفسك مشدوهاً أمام حماقة فتيات يمارسن الدعارة أو يمثلونها يذهبن للاعتراف على أنفسهن في مقابل 400 جنيه وقطعة بيتزا.. أي مقدار من الحاجة والفاقة والعوز ألجأهن لذلك؟! أي كرامة وأي غياب أو حتى "تغييب" للعقل والوعي دفعهن لذلك؟! نحن إذاً أمام جريمة.. لكنها تحدث كل يوم وكل ساعة على مرأى ومسمع من المجتمع ولا أحد يتحرك!.
نحن إذا أمام ملف.. مجرد ملف تم فتحه فأحدث صدمة, وهو من قبل كان موجودا.. وهذه الصدمة هي صدمات مجتمعية تحدث كل دقيقة, نسمع دويها كلما سقطت فتاة في بالوعة الدعارة, إحدى بالوعات الشارع المفتوحة.. إهمالا, أو عمدا.. لا يهم فالنتيجة واحدة.
ربما دفع هؤلاء إلى الانضمام لجيش بائعات الهوى ظروفا ً اقتصادية وأعباءاً أسرية لا يتحملها عنهن أحد, من دفع فاتورة تكاليف علاج أم مريضة أو إيجار شقة متهالكة أو مصروفات كتب ومصروفات إخوة صغار وإطعامهم وكسوتهم.. وليس هذا بالطبع دفاعاً عن الدعارة ولا تبريراً لوجودها أو الاتجاه إليها من قِبل الفتيات, وإنما مجرد بيان أن "فتيات الليل" لسن نبتاً شيطانياً.. وأن هناك مسئولية فردية وأخرى اجتماعية مهملة في هذا الأمر.. الجريمة ليست "فتاة ليل" فهناك أطراف عديدة وشبكات وتجارة فيها الرجل وفيها المال وفيها السلطة وفيها ما لا يخطر على قلب بشر!
وإذا كانت سمعة مصر في عِرض فتياتها كما صرخ أحدهم.. فماذا عن هذه السمعة لهؤلاء الفتيات في المواصلات, وفي سوق العمل الذي يفرض عليهن تقديم التنازلات في الملبس والحركات و.. و.. حتى تتسلم وظيفة أو تصل إلى ترقية؟! أين هذه السمعة مما حدث من تحرشات بالبنات في وسط البلد بعد رمضان؟ وانتهاك أعراض الصحفيات على سلالم نقابتهن أمام شاشات الفضائيات ووكالات الأنباء؟
أين هذه السمعة في مكاتب مهمتها إمداد البرامج الفضائية بالفتيات مع إرفاق تسعيرة لكل بنت على حسب مقدار تعريتها لجسدها وسخونة وصلات الرقص التي ستقوم بها!. أين ذلك ونحن نرى جيوشا من الفتيات اللاهثات وراء المال والشهرة في كليبات غنائية "ليلية" في فضائيات "الليل" أيضا والضياع أكاديمي.. هل تعرفون كيف يذهبن إلى هناك وماذا يقدمن من تنازلات أيضا في مقابل خدمة الظهور على الشاشة ودس الأموال في أيديهن + وجبة كنتاكي؟!
بل أين هذه السمعة و"العنب" و"البلح", و"حط النقط على الحروف" وغيرها وغيرها الكثير قد قام بالواجب وزيادة؟ وماذا عن السمعة العلمية والاقتصادية والثقافية والفنية و... و... هل سمعة مصر هي "العرض" فقط كما يقول أحدهم؟ وأليست هذه الأشياء هي عِرض بالمعنى الواسع لعرض وطن؟!
أين هذه السمعة عندما تلتحق فتيات جامعيات محجبات رفضهن الإعلام الرسمي للعمل كمذيعات لحجابهن فيتجهن إلى فضائية خاصة ويعملن بها قرابة الـ 9 أشهر بلا أجر ثم يتم وعدهن بالتثبيت والتعيين ليفاجأن بعد أشهر أخرى بوجبة من الكباب والكفتة ثم الصدمة برفض طلبات التحاقهن للعمل بالقناة لأن الشيخ "فلان" الذي أصبح من نجوم القناة فيما بعد اشترط أن لا يظهر على شاشة القناة المعروفة بأنها "شاشة تأخذك إلى الجنة" إلا بعد الاستغناء عمن فيها من مذيعات ومعدات برامج من الفتيات والنساء لأن صوت المرأة ووجهها عورة وعليهن أن "يتستتن" في البيت؟!
ولا أدرى ما هو معنى هذا التستيت لفتيات يعولن أنفسهن ويساعدن أسرهن على أحسن تقدير إن لم يكونوا يعولنهم بالكامل؟! لا يوجد غير "التحبيط" و"التشحيت" مرادافأً للـ"تستيت" في هذه الحالة وفى كل حالة تضطر المرأة أو الفتاة فيها إلى التخلي عن عملها, وهذا بدوره يفتح ملف إعالة النساء.. فالسؤال المنطقي في هذه الحالة هو من يعول المرأة إذاً؟ أليس من المفروض شرعا أن للمرأة نفقة شرعية –مثلا– لو كانت زوجة؟ عاملة أم غير عاملة؟ وأليس من حق البنت أن يعولها أبيها أو أخيها في حالة عدم وجود الأب؟
قطاع عريض في المجتمع من النساء يعولن أنفسهن رغم توافر العائل.. لأنه وبصراحة يكون عبارة عن "ديكور" بلا واجب يقوم به تجاه إحداهن.. هذا فضلا عن قيام البنات والنساء أنفسهن في كثير من الحالات بإعالة الأسرة بكاملها أطفالها ورجالها..
نحن إذا أمام صورة تتسع فيها حدود الفقر.. يتدنى فيها المنسوب الأخلاقي.. يتخلى الكل عن مسئولياته تجاه نفسه والآخر.. و.. على الناصية يقف وحش المتعة الحرام والرغبة والشهوة, فاتحاً ذراعيه لمن يريد الخلاص والراحة والقفزة و.. و.. حكاية كبيرة إذاً.. وخطر حقيقي.
بقيت كلمة أخيرة للفراعنة الذين فتحوا الملف وسيغلقونه على أورامه مرة أخرى وبلا مبالاة: إن التعامل مع قمة الهرم لا يعنى أبداً علاج مشكلات قاعدته.. فهل نحن نؤذن في مالطة وإلى متى؟!
أعتقد إن "مالطة" خربت خلاص.. فماذا بعد؟!
اقرأ أيضاً: التاريخ وعاريات الصدور/ يا سنة سموكي!! / مدونات قهرستان: كل الكراسي في الكلوب / العروسة.. ماما! الست دي أمي.. / لكني أتيت! / العشوائيات.. والأعشاش
الكاتب: ناهد إمام
نشرت على الموقع بتاريخ: 28/02/2007
|
|