أبدا لن نفقد الأمل: دوما سنخلص العمل ::

الكاتب: أ.د مصطفى السعدني
نشرت على الموقع بتاريخ: 26/05/2007

شيزلونج مجانين- علينا أن نخلص في العمل وليس علينا تحقيق الإصلاح

أرسلت لنا عاجزة في زمن الجبروت الأمريكي من مصر تقول:

قرأت ما كتبه الدكتور مصطفى السعدني في مدونته (أبدا لن نفقد الأمل)، وأشكره كثيرا وأحييه على جهده في بث روح الأمل فينا من جديد، وعلى مقالاته الخاصة (بتأكيد الذات) فهي أكثر من رائعة ونستفيد منها جميعا، ولكن أحيانا لا أدري هل حقا هناك من يكترث فالغالبية العظمى ممن حولي وهم فئة على درجة لا بأس بها من العلم والثقافة لا يشعرون بأي مشكلة، هم يتحدثون عن الكرة وأزمة الزمالك، وربما عن المطربات والفيديو كليب، وكيف أفسد الأولاد وهذا جيد حقا، ولكنى نادرا ما أسمع أحد يتحدث في السياسة، وفي أحوال البلد وكأن ذلك رفاهية أو من الكماليات!!!.

لا أعرف!!، هل رأى الدكتور وائل أبو هندي رغم أنه مؤلما حقا ربما يكون صحيح؟!
لا أدرى ولكن أحيانا أشعر بألم ليس لأنني لا أستطيع أن أعبر عن وجهة نظري، فلقد أصبحت أرى الكثير من جرائد المعارضة وهى تعبر عن رأيها بوضوح وتتجاوز الخطوط الحمراء ولكن هل يأخذ برأيها؟؟!!.

أتذكر وقت حرب لبنان كان أشد ما يؤلمني حقا ليس فقط ما يحدث للبنان الشقيقة؟!، ولكن تصريحات حكوماتنا التي أصابتني بالاكتئاب!، والله ما كنا ننام ليل نهار التليفزيون على قناة الجزيرة زوجي يتصل من عمله ليطمئن هل هناك جديد؟؟!!، ومع ذلك ورغم أن حكوماتنا كانت ترى أننا كشعوب نعترض على تلك التصريحات ولا نوافق عليها إلا أنها استمرت فيها على (مبدأ اخبطوا دماغكم في الحائط) لا أعرف هل أنا مكبره الموضوع شوية كما يقول لي أصدقائي؟؟!!، أتمنى أ ن أرى غدا أفضل يكون فيه كل عربي مرفوع الرأس، وألا ننتظر ما يمليه علينا أسياد العالم ومن يوالونهم، وألا نخاف في الحق لومة لائم.

أختي العزيزة الباش-مهندسة؛
تحية طيبة لك، ولكل من يهتم بشأن قومه وأمته، وليس عيباً أبداً أن نهتم بأمر أهلنا وعشيرتنا، والمتابع للأحداث يجد كل يوم في وسائل الإعلام ما يبشر بخير –وإن كثر انتشار الفساد والإفساد– فهذه سنة من السنن الكونية، وأقصد هنا الصراع بين أهل الإصلاح وأهل الإفساد في الأرض، يقول تعالى: ".... فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ..." (الرعد:17)، وقد يخرج من بين أهل الفساد أو من بين أبنائهم في بلدنا أوفي غيرها من بلدان أمتنا عباقرة أفذاذ في ميادين الحياة المختلفة؛ فمن يصدق أن خالداً بن الوليد العبقرية العسكرية الفذة يخرج من صلب الوليد بن المغيرة الظالم الكافر الجاحد بالنبوة رغم تيقنه من صدق النبي صلى الله عليه وسلم، ومن يصدق أن عكرمة وهو مجاهد فذ في الفتوحات الإسلامية قد خرج من ظهر أبي جهل؟!.

فرعون هذه الأمة، ومن يصدق أن عمر بن الخطاب المدمن للخمر الوائد لابنته وهي تضاحكه يصبح من أئمة وعظماء العدل في العالم بشهادة علماء الغرب المنصفين وغير المنصفين؟!، رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين، والأمثلة من التاريخ كثيرة وبصورة متكررة، وليس هناك من الشعوب من هيمن على مصير العالم بأسره على مر التاريخ!، فأين الإمبراطورية الرومانية؟!، وأين إمبراطورية جنكيز خان؟!، وأين الإمبراطورية البريطانية التي لا تغرب عنها الشمس؟!، وصدق من قال: "ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع"، ويقول تعالى وهو أصدق القائلين: "وتلك الأيام نداولها بين الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون".

والمشكلة في نظري هي مشكلة أصحاب الهمم العالية الذين يعيشون في عصور الظلمات والضعف والهوان!، وأسوأ شيء في نظري أيضاً هو أن يفقد صاحب الهمة العالية الأمل في الإصلاح –والعياذ بالله– فهذا شعور مرير مؤلم، ولكنه واقع ولا مفر من مواجهته لدى بعض الناس؛ فكيف نواجه الشعور باليأس والإحباط والضياع والضعف؟؟!!؛ وعن نفسي وحتى لا أفقد الأمل جعلت لي أهدافاً مرحلية، مثلاً الكتابة عن تأكيد الذات وأهمية احترامي لنفسي وللآخرين، وعدم استسلامي لضياع حق لي إلا أن أعفو وأسامح عن مقدرة، ويهمني ويشغلني أيضاً في تلك الأيام ظاهرة "أطفال الشوارع" في مصر، وأتعجب من الرقم الذي ذكره المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية وهو حوالي مليونان من الأطفال ليس لهم مأوى ولا معلم ولا مرشد إلا الشارع!!، وهؤلاء بالطبع قنبلة موقوتة ستنفجر يوما ما في كل مصر!، وإن لم نتدارك أمر هؤلاء وحقوقهم علينا؛ من الرعاية وتوفير الأساسيات لحياة آدمية كريمة لهم؟!، وهذه واحدة فقط من ضمن آلاف المشاكل المُنتَظِرة لهمة أهل الهمم والعزم!، فهل من مفكر في خطة للمساعدة؟!، وهل من مساعد؟! وهل من مهتم؟!.

والعبد لله يحب قولة بسيطة ولكنها تعبر دائماً عن فكري ألا وهي: "لأن توقد شمعة صغيرة خير لك ألف مرة من أن تلعن الظلمات"، وتعجبني قولة أخرى تتمم تلك المقولة الأولى وهي: "لا تستطيع ظلمات الدنيا كلها أن تخفي ضوء شمعة صغيرة موقدة"، وهذا الكلام تؤكده أيضا حقائق التاريخ بل والواقع الذي نعيش فيه، ولكن المشكلة لدى بعض أهل الهمة هي أنهم يستعجلون!، والمعروف أن حياة الشعوب والأمم لا تُقاس بالسنوات ولكنها تُقاس بالعقود بل بالدهور، لذلك ينجح دائما من له فكر عقائدي ومرجعية ثقافية وتاريخية مُجرَبة، وهذا كله متوافر لأمتنا، ولكن ينقصنا العزم والحزم والصبر على التغيير، فالتغيير للأفضل قادم ولا محالة لأن أهل الهمة من أبناء الأمة جربوا الكثير من الطرق وفشلوا، فتارة جربوا الشيوعية، وتارة جربوا الاشتراكية وتارة ثالثة جربوا الدعوة للقومية أو العرقية المحضة، ثم تعصبوا للوطنية!!، ثم هتفوا بحياة الرأس مالية وحرية حركة رأس المال!.

وحاليا فُُرِِضت عليهم عولمة غربية صهيونية مقيتة، ورغم كل تلك المحاولات فما زالت الأمة تتردى؛ وذلك لأن الهدف دائما ما يكون مشوبا بمصالح شخصية ورغبات دنيوية، ولكن يوم أن يكون الهدف لله وحسب، بمعنى أن تنهض بأسرتك وشعبك ثم أمتك وأجرك على الله لا تسأل الناس جزاءً ولا شكوراً، يوم أن يكون لك أهداف واضحة محددة لا ترجوا من ورائها علواً في الأرض ولا فساداً، وأجرك في النهاية على الله تعالى، فيومها سيتغير الحال ونرى انقلاب أهل الشر والفساد إلى أهل خير وبناء، ولا تنسى الأولويات: إصلاح نفسك أولا، ثم أسرتك -إياك أن تضيعهم- ثم عائلتك، ثم الأقرب فالأقرب بالنسبة لك، ثم قريتك ثم شعبك ثم أمتك، ولو كل منا احترم هذا الترتيب قدر استطاعته لتغير الحال إلى الأفضل، قبل أن يُفرَض علينا التغيير إلى الأصلح من غيرنا؛ وهذا وارد كما قلت من قبل، أي أن يأتي علينا التغيير من الخارج، لمن استبدلنا الله بهم، وهذا نراه في التاريخ كثيرا في تعاقب الأصلح لسيادة وقيادة العالم، وما هذا الأمر منا ببعيد.

وسأضرب هنا مثالا على فرض الإصلاح من الخارج، يقول تعالى: "...... وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ" (محمد:38)، وكان ذلك في نهاية عهد الدولة الفاطمية "العبيدية" المنحرفة الفكر والعقيدة بمصر، حيث الصراع على أشده على السلطة بين شاور وضرغام، والخليفة العاضد الفاطمي ضعيف مريض، "لا يحيل ولا يميل"، والفرنجة على حدود مصر الشرقية بالمرصاد!!، ومما زاد الأمر سوءاً استعانة أحد هذين الوزيرين الخائنين بجيش ملك بيت المقدس الصليبي، فما لبث أن استعان الوزير شاور بجيش نور الدين محمود زنكي بقيادة أسد الدين شيركوه وابن أخيه صلاح الدين الأيوبي، وهنا كان بداية الإصلاح لأمر مصر والأمة الإسلامية، فقد استطاع صلاح الدين بعد وفاة عمه أسد الدين شيركوه، ثم وفاة نور الدين زنكي -أستاذه وقدوته- أن يوحد مصر والشام واليمن والحجاز تحت رايته، وبمباركة من الخليفة العباسي في بغداد، وهو الذي قاد جيوش الأمة الموحدة في "حطين" ليسترد بعد تلك الموقعة الخالدة القدس، التي أنّت تحت وطأة احتلال الفرنجة تسعين عاماً.

كانت الصلاة بالمسجد الأقصى في تلك الفترة معطلة بعد أن أصبح حظيرةً لخيول الفرنجة ومزرعة لخنازيرهم، وقد جعل صلاح الدين نائبه في مصر بهاء الدين قراقوش، والذي كان من أهل العزم والهمة أيضاً، رغم كيل السباب والتهم الظالمة له من بعض المؤرخين المعاصرين له مثل "ابن نباتة"؛ لأنه كان شديداً في الحق وصاحب قبضة حديدية على أهل الظلم والباطل!، وهو الذي بنى قلعة صلاح الدين بالمقطم، وأصبح الأزهر في عهد الأيوبيين منارة لنشر العقيدة الإسلامية السليمة، بعد أن كان الهدف من بنائه هو نشر عقيدة الفاطميين الضالة المنحرفة، وحقيقة كان هذا التغيير السريع مفاجئاً لكثير من أبناء الشعب المصري الذين تعودوا على خزعبلات وعادات الفاطميين!!، وذلك رغم احتفاظهم بسنية عقيدتهم حتى في أثناء حكم الخلفاء الفاطميين الأقوياء أنفسهم من أمثال المعز لدين الله والحاكم بأمر الله وغيرهما، المهم كان هذا التغيير للأفضل مفروضاً من خارج مصر وعلى يد الأيوبيين ورجالهم من ذوي الهمم العالية، ويعجبني قول حكيم: "اترك المستقبل حتى يأتي ولا تهتم بالغد لأنك إذا أصلحت يومك صلح غدك".
 
أما على مستوى الأمة الآن، فيُحزنني كثيراً الفكر الانفرادي لكل شعب بل لكل مجموعة عرقية أو قل لكل قبلية أحياناً، وتجد من يُعلِن شماتته وابتهاجه صراحة من غزو إسرائيل للبنان!!!؛ بحجة أن حزب الله من الشيعة مثلا!!!، أو تجد من أبناء الأمة من شمت في غزو قوات التحالف للعراق؟!!، أو تجد من يؤيد نزعات التقسيم والتشرذم في داخل أمتنا من أجل توحد قومية معينة، أو الاستئثار بخيرات جزء معين من الأرض، حيث تغلب هنا المصالح الشخصية والوقتية العاجلة على المصالح الإستراتيجية بعيدة المدى، وبدلا من أن نتكتل ونتوحد ونتجمع نزداد بعدا وانفصالا وتشرذما!!!؛ وتسمع في هذا الإطار شعارات وأقوال عصبية منتنة؛ كما قال عنها سيد الخلق صلى الله عليه وسلم عندما اختلف الأوس و الخزرج في معاملة رأس النفاق بالمدينة عبد الله بن أبي بن سلول!!.

فليخدم كل منا أمته بما يقدر عليه، ولو بالكلمة المكتوبة أو المسموعة، أو بتجويده لعمله وحرفته، أو بالمساعدة في حل مشاكل أقاربه ومعارفه، أو بحسن تربيته لأبنائه، أو باتخاذه القرارات التي تخدم مصلحة بلده وأمته على المدى البعيد، أو حتى بالمساعدة في تعليم القليل من الأميين المحيطين به القراءة والكتابة، المهم أن يكون في عمل كل منا اعتبار لمصلحة ونهضة الأمة، ولو بعد مائة عام أو أكثر، وأن يستحضر كل منا النية الصادقة في عمله لله تعالى، وأنه يرجوا المثوبة والأجر من الله تعالى أولاً؛ حتى ولو تقاضى أجرا عاجلا في الدنيا على عمله، وأظن أن من يزرع فسيلة نخل اليوم قد لا يعيش حتى يأكل من بلحها وتمرها بعد عدة سنوات، ولكن بالتأكيد سيأكل منها بعد وفاته من يدعو له، كما أكل هو -من قبل- من زرع المتوفين من الآباء والأجداد، وهذا المفهوم من المفاهيم التي أحبها وأقتنع بها، وأود أن أوصلها لغيري؛ ألا وهي: أن الحياة أخذ وعطاء، وقد أخذنا الكثير ولا ننكر الفضل لأهل الفضل علينا، وهذا الأخذ ليس من أبائنا وأجدادنا المباشرين فحسب؛ بل ممن هم غرباء عنا أيضا من نفس قريتنا أو مدينتنا أو بلدنا أو أمتنا، فلماذا لا نساعد الآخرين ويمتد خيرنا إليهم إن استطعنا ذلك؟؟!!، كما امتد خير الآخرين إلينا وبلا مقابل أحياناً؟؟!!، ولماذا لا نوسع لدينا مفهوم العطاء لمن حولنا بالكلمة الطيبة أو العون أو المساعدة، أو العطف أو النصيحة الخالصة لوجه الله تعالى أو....أو.....أو....؟؟!!

كل ما قلته هي وصفات مجربة –على المستوى الشخصي- للتصالح مع نفسي في زمن شعرت فيه كما شعرت الباش-مهندسة والدكتور وائل وغيرهما من أهل الهمة بالعجز واليأس وقلة الحيلة!!، فجربوا وصفتي واستمروا في مسيرتكم الخيرة، واجتهادكم، وجددوا النية دائماً مستحضرين الإخلاص لله تعالى، ولا تنتظروا رؤية النتائج السريعة الطيبة، ولا تحزنوا من بطء الإصلاح والتغيير إلى الأفضل فهما قادمان لا محالة رغبنا أم لم نرغب!!!، ولا يؤرقكم انتشار الفساد قدر أرقكم من إحساسكم باليأس والعجز والفشل؛ فنحن جميعاً نؤجر من الله تعالى على العمل الصالح الصادق النية لوجهه تعالى، ولا نؤجر أبداً وفقاً لإنجازاتنا وتحقيقنا لأهدافنا ورغباتنا وآمالنا. وأحد الأقوال التي تعجبني جداً هو: "أي أمر لا تستطيع فعله في الحقيقة أنت تستطيع عمله بشرط أن تغير تفكيرك وقناعاتك".

على أهل الهمم والعزم منا أن يعملوا متكاتفين مجدين مخلصين لله تعالى من أجل الإصلاح والتقدم والارتقاء بشأن أمتنا؛ ولكن ليس عليهم أبداً تحقيق تلك الأماني.

واقرأ أيضاً:
مقص السعدني: ورشة عمل
مقص السعدني: لأنه غالٍ ثمين
مقص السعدني أين بحثي يا مؤتمر؟ مشاركة
مقص السعدني أين بحثي يا مؤتمر؟ مشاركتان
مقص السعدني: ربَّ أخٍ لم تلده أمك
مقص السعدني: طيبة الطيبة
مقص السعدني: أين بحثي يا مؤتمر؟