حول مفهوم العلمنة وخطاب مجانين ::
الكاتب: أحمَد الكِناني
نشرت على الموقع بتاريخ: 24/10/2004
من الأخ العراقي أحمَد الكِناني المقيم بأمريكا جاءتنا المشاركة التالية تحت عنوان:"النقد ليس خاطئا إطلاقا ولا بأي صيغة مما سلف"، ولما رأينا في مجانين أن محتوى هذه المشاركة يرقى إلى مرتبة النظرية، فقد خشينا من أن يترك وسط المشكلات على استشارات مجانين، ورأينا أن نضعه هنا في أخبار وتقارير مجانين لنقول أن من بين قرائنا وأصدقائنا من يصلح بحق لوضع نظريات للأمة، والحقيقة أن هذا كان رأيي في صاحب هذه المشاركة منذ كنت أجيب على مشاركة له (الاكتئاب يسلب الإيمان ويفتح للشيطان!.. مشاركة) على مشاكل وحلول، وعندما قرأ أخي أحمد عبد الله هذه المشاركة اقترح عليَّ أن نضعها في مدونات مجانين، داعين لمشاركات أعزائنا أصدقاء مجانين قبل أن يقوم المستشار أحمد عبد الله بالتعليق، وهذا نص مشاركة الأخ أحمد الكناني:
السلام عليكم: أشارك رد حول مشاركة الأخ المعنونة بعنوان"عاشقة الأكشن: شراب الجنس وسرابه مشاركة3", الذي نسَب الخطاب النقدي بصفة العلمنة. من الجدير بالذكر أن مفهوم العلمنَة لا يندرج ضمن خطاب الإصلاح الاجتماعي, بل يندرج ضمن آلية "التغيير" الاجتماعي المتكامل نحو مجتمع لا ديني بحت. طبعا, لا ننكر أن للعلمانيين نقاط نقد صائبة للمجتمع, إلا أنني لا أرى وجهة الشبه بين الخطاب الإصلاحي والخطاب التغيري, إذا ما وضعنا بالحسبان أن خطاب الدكتور أحمد عبد الله يندرج -وهو كذلك- تحت بند الخطاب الإصلاحي الإسلامي.
علينا أن نتحلى بالشجاعة لنعترف أن المجتمع السعودي يعتبر من أكثر المجتمعات العربية نفاقا, وكما يقال أن الاعتراف بالمرض هو نصف العلاج. وبرأيي, فالفتاة المبتلاة بهذي المشكلة إنما هي عينة لأي فتاة شرقية تربت على أسس هشة من الروادع الأخلاقية التي تصور الشاب كذئب متوحش يريد الفتك بالبنت, والبنت حمل ضعيف ليس لها من الأسلحة سوى الهروب منه ومقاطعته. حسنا, هذا قد يصلح لقرن مضى, لكنه لن يصلح اليوم بعالم الاتصالات والاحتكاكات الكثيرة, بعالم تعمل به المرأة لجانب الرجل طيلة اليوم.
ربما علينا أن نعيد تأهيل الفهم الاجتماعي ليكون أكثر أخلاقية ومنطقية بالتعامل مع الغير, كأن لا نمانع حديث شاب لفتاة أمام الملأ بالجامعة, وبنفس الوقت يجب أن لا نستقبل فكرة حديث الفتاة مع شاب وتعارفها عليه بالفكرة السيئة, بل لتكن فكرة تعرّف الأهل على الشاب وعائلته ملزمة بتعارف البنت إن هو -التعارف- أخذ وجهة اللقاءات أو الإعجاب حتى.
لا أقصد من كلامي أن نتركهما يمضيان بمشاوير وفق مفهوم Boyfriend بل على الأقل نعرف أن العلاقة الموجودة هي علاقة معروفة من قبل الأهل وتتم أمام الملأ وبمكان محدد(الجامعة) لغرض التفاهم والتعارف, وأي قرارات فإن الخطبة والزواج ميسران بتيسير القرار.
علينا أيضا أن نقوي ما يسمى بالقانون الأخلاقي السببي Reason's Moral Code وهي مجموعة قوانين تحمل تفسيرات منطقية قوية وليست دينية بحتة. لا أستبعد المنطقية عن الدين, لكن ما نراه أن الشباب يفهمون الحرام والحلال لكنهم لا يفهمون لماذا هي حرام أصلا أو لماذا هي حلال, وبصراحة فإننا لا يمكننا أن نلوم العاصي بشيء هو غير مفهوم عنده أصلا.
إذن علينا أن نيسر شرح البناء الاجتماعي الإسلامي بخطاب فلسفي ديني عصري بعيداً عن خطابتنا القديمة ونبرات الشيوخ الصوتية الداعية للصداع. على رجال الدين أن يتحولون لشخصيات دمثة(شابة إن أمكن) لطيفة, مختصة ومثقفة, بلباس مقبول ومظهر مقبول أيضا يراعي تشذيب اللحية واللباس العصري الأنيق.
نريد من رجل الدين أن لا يتعلم الفقه والحديث والسيرة فقط, بل لا يتخرج إلا بحملة بكالوريوس بالدراسات الاجتماعية أو النفسية حتى, لأنها وظيفة اجتماعية بالدرجة الأولى وعلى العامل بها أن يكون محيطا بالمعلومات الوافية عن المجتمع, لكي يواجه الله بثوب نظيف يليق بالمسؤولية التي حملها بالدنيا.
من هنا, نعود لشرح البُنية الاجتماعية التي نريدها, ونريدها بخطاب ثوري ديني معاصر, وليس خطابا عصبيا متجهما تقليديا حتى يكاد الجالسين ليحفظوا ما سيقوله عالم الدين عن ظهر غيب. نحن نريد مجتمع يقوم على أساس أسري متساوي مع قيمة الفرد بالعدالة, ويمتاز الفرد المنضوي تحت لواء الأسرة بالاحترام الأكبر.
من مفهوم الأسرة علينا أن نحدد أسس الأسرة وفق الحاجة لها. أي أننا نريد تسهيل الزواج ليتمكن حتى الراغبين بالجنس بالزواج(وهذا حقهم) حتى وإن فكروا بعدمية إنجاب الأطفال أو الطلاق إلى حين مثلا, فهذا شانهم ولا علاقة لنا به إطلاقا. هذا وعلينا العمل على تقليل سن الزواج القانوني من 18 سنة إلى 16 تحت موافقة الأهل حتى سن 21 للشاب والفتاة, وبعدها يصح الزواج قانونيا وإسلاميا حتى دون إذن الولي, فبرأي إن فكرة إذن الولي للفتاة الراشدة غير ضرورية, وسن الرشد بقانوننا هو بعد الحادية والعشرين.
هذا كما أننا بحاجة لتفعيل الرقابة الاجتماعية الواعية التي تمنع(قانونيا) قيام علاقات جنسية أو بالسكنى حتى بين شاب وفتاة بلا عقد شرعي, اللهم إلا إذا زعما أنهما زوجين وعلى الحكومة أن تسجلهما كزوج وزوجة بمجمل القانون, وهكذا سنتأكد أنه لن يزعم هذا الزعم إلا من سيواجه زواجا حقيقيا أو أنه متزوج فعلا.
ما أريده هو تغييرات قانونية و فلسفية للدولة, التي يمكن أن نصنعها بتكتلات ضغط على الحكومات لاستحداث عمل ديمقراطي نستفيد بموجبه من تغيير القانون الجامد نحو الأفضل, ونلغي الجانب التغريبي والمتطرف منه إلى الأبد. نريد دولة إسلامية ذات علمنة جزئية, ويمكنك مراجعة هذا الرابط الذي يشرح أطر العلمنة الجزئية للمجتمع للدكتور عبد الوهاب المسيري: العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة، المجلد الأول،http://www.neelwafurat.com/itempage.aspx?id=LBb105310&frmt=n&search=books
أحيانا أتساءل بقولي: إذا كانت النهضة الحضارية الألمانية الرائعة قد أتت من جيل فلاسفة أخذوا من بعضهم واحترموا إنتاجهم المحلي, فلماذا لا نفعل المثل؟ ألم يأتِ "كانط" أولا كأب للفلاسفة الألمان؟ ثم أخذ عنه أكثر من عشرة فلاسفة عظام بنوا مجد ألمانيا والعالم حتى؟ ما الذي يصعب علينا أخذه لو فكرنا أن محمد باقر الصدر وعلي شريعتي ومحمد قطب هم مفكرو النهضة الأوائل وأن يوسف القرضاوي وعبد الوهاب المسيري وغيرهم هم الجيل الثاني؟
ولماذا لا نستقي منهم لنكوّن جيلا فلسفيا وفكريا ثالثا يقود الأمة للنهضة؟ وشخصيا أرى أن الأمر يحدث, فالدكتور أحمد عبد الله والدكتور وائل أبو هندي هم الجيل الثالث فعلا, ويمكن أن أكون أنا وممن هم بمثل عمري مرحلة انتقالية من الجيل الثالث للجيل الرابع من حملة الفكر الجديد لهذا المجتمع, أي نكون قد كوّنا جيلا رابعا للنهضة.، لا شيء صعب إطلاقا لو احترمنا طاقتنا واعتمدنا على بعضنا بدلا من الافتتان بالأسماء الأوربية. ولا نريد أن نكون فلاسفة عظام حتى بل مثقفين يؤمنون بإنتاجهم الفكري دون تعصب أو انغلاق بوجه الغرب. لنأخذ منهم ما ينفعنا فقط, ولقد سمعت مقولة طريفة أن الألماني مستعد أن يعتصم أمام مكتب الرئيس الألماني طول عمره إن هو أخذ منه رتبة الدكتوراه PH.D وكان يستحقها عن جدارة.
لماذا لا نكون منهم ونعلّمهم أن ضياع مجتمعاتهم قد ينتهي بفلسفتنا نحن؟ لماذا لا نفكر بشكل هجومي أو بنّاء حتى بدلا من البكاء والعويل على أمور سخيفة كالنقاب والاختلاط وما إليه من أمور تثير الضحك؟ كفانا تضييعا للشباب الذكي بأتون الإلحاد و العلمنة والتغريب, بل علينا جذبهم مرّة أخرى بوعينا وتكوين صورة ناصعة عنا كمفكرين نحترم المسرح والأدب والموسيقى الهادفة والفن الراقي سواء أكان نحتا أو تشكيلا أو تجريدا أو فنا سابعا؟ لن نستعجل, لكن لنبدأ بعلاج الأسقام, و لنغير القوانين لهذا, بعدها سينطلق صاروخنا نحو الفضاء.
عجيبٌ أن تُطور إيران -حفظ الله أرض المسلمين هناك- ثلاثة صواريخ عابرة للقارات يبلغ أحدها خمسة أضعاف سرعة صواريخ سكود الأمريكية! عجيب أن تكون إيران منظومة صناعية للسيارات والأسلحة والمعدات وهي تحت حظر اقتصادي وضغط أمريكي! عجيب أن تتمكن إيران من تخصيب اليورانيوم لتوليد الطاقة وصناعة القنبلة النووية لتتوازن عسكريا مع الكيان الصهيوني, بينما نحن لا نكيد لإيران إلا العداء ومزاعم كونهم "فرسا مجوسا" من دعايات بعثية أمريكية قذرة هدفها شق صف المسلمين.
عجيب أن يعادي العرب إيران اجتماعيا وفكريا لأنهم شيعة! وكذلك العراق المبشر بنهضة مشرّفة -, وأمريكا ستضرب بركلة خارج العراق ومحال أن تستمر, فقبلها ركلت بريطانيا العظمى أيضا. لنكف عن ألقاب "طرافضي" و"درزي" و"كافرط" ولنحترم خلافاتنا الإسلامية ونعمل معا على تأسيس مجتمع سليم ومحترم لكيانه ودينه.
لا ليس عجيبا, فالإيرانيون مثقفون إسلاميا وهذا ما نتج عن مجتمع إسلامي خلال 25 سنة فقط من تأسيس الجمهورية, وهذا ما نريد الوصول له وبمساعدة إيران حتى فلا مشكلة, ولا تخافوا فلن تتحول دولنا لشيعية, لأن إيران لا تحمل هموما طائفية وقد أثبتت التجربة هذا بلبنان.
لا أريد أن يكون كلامي خطبة حماسية تزول نشوتها بزوال كلماتي عن شاشاتكم, بل أنظروا لسطوري على أنها أفكار تقبل الصحة والخطأ لبناء مجتمع أفضل, ولا أقصد بناء مجتمع تقيم الفتاة بعيدا عن أهلها (وحيدة أو مع شركاء بالسكن) وكذلك الشاب, بل أقصد مجتمع أسري حقيقي يحفظ للكل الحق بالمصارحة والعمل على إصلاح مشاكله بمساعدة الأسرة. وكذلك صراحة وحرية للاعتراض والنقد والتفاهم, بمجتمع ديمقراطي يحترم تعدد الآراء. وكلي أذن صاغية لنقدكم المنطقي
21/10/2004
الكاتب: أحمَد الكِناني
نشرت على الموقع بتاريخ: 24/10/2004
|
|