الكاتب: أ.د يحيى الرخاوي نشرت على الموقع بتاريخ: 19/01/2008
قال لي حفيدي/ صديقي عمر (أو كأنه قال): ما دخل التحكيم الذي تحدثت عنه، بما أسألك فيه حول تدريس الدين؟ قلت له: أعترف لك ابتداء أن علاقتي بالتاريخ ضعيفة جدَّا، رأيي الشخصي أن التاريخ عموما هو، على أحسن الفروض، "وجهة نظر". قال عمر: يا خبر يا جدي! فما هذا الذي ندرسه في حصص التاريخ؟ قلت: إنها محفوظات تُسَمِّعُها لكي تنجح، أما حقيقة ما حدث فعلاًُ، فلابد أنه أمر لا يعرفه أحد أبداً. قال عمر: ليس هكذا يا جدي، واحدة واحدة!! خلنا في حكاية التحكيم بين علي ومعاوية لماذا تنكرها، أو تشكك فيها. قلت: يا أخي بالله عليك، لو أن عندكم في المدرسة مباراة كرة أو تقسيمه/تدريب واتفق مدربا الفريقين، أمام كل الناس والحكام والجمهور أن يقوموا بتجربة لمعرفة كفاءة خط الدفاع مستقلا، فاتفقوا على لعب مباراة بدون حارس مرمى، وكلف الفريق الأحمر "كابتنه" ليمثله، كما كلف الفريق الأخضر كابتنه بنفس الشيء، واتفق الجميع علانية، فراح كابتن الفريق الأحمر ونفّذ ما اتفق عليه وأخلي المرمى إلا من الثلاث خشبات، فأسرع كابتن الفريق الأخضر ورجع في كلامه وأبقى حارس مرماه، وكأنه يقول "هيه وضحكت عليكم" هل تعتقد أن الحكم أو المدربان أو الجمهور سيتقبلون ذلك؟ وهل ستقام المباراة، أو تقسيمة التدريب أصلا؟ قال عمر: طبعا لا، هل هو لعب عيال، طبعا لا، قلت هذا ما يقولون أنه حدث في التحكيم الذي جرى بين علي ومعاوية، أبو موسى الأشعري خلع الأمام علي، فانبرى عمرو بن العاص وأثبت معاوية، فهل تصدق هذا؟ قال: طبعا لا؟ قلت: أنا مثلك، لا أصدقه، قال والذين كتبوا التاريخ؟ قلت: هم مسئولون أمام الله والناس عما كتبوه. قال: ولكن ما علاقة هذا بالذي نحن فيه الآن بشأن البحث الذي سأقدمه للأستاذة. قلت له: إن كل هذه التمحيكات لتهميش الأديان هي عبث ضد الطبيعة، دعك من حكاية الدين والسياسة والحكم وهذا الكلام الفارغ، دعنا نرى الأمور أعمق، هم يقولون اخلعوا دينكم بعيداً عن كل شيء، عن تدريسه للصغار، وعن الرجوع إليه، وعن التمسك به علانية، وعن معرفة أصوله، وعن التطور من خلاله، وحتى عن الاجتهاد فيه إلا في حدود ما يرسمونه لنا، سواء هم أو سلطاتنا الدينية، وهم يوهمونا أنهم يفعلون ذلك، حتى نستطيع بذلك أن نتعايش معاً، ثم معهم، ثم يوصونا أن يمارس كل واحد دينه الخصوصي سرا، وعليه أن يحصل على المعلومات اللازمة بشأنه في الظلام، في حجرات مغلقة، أما ما نتداوله ونعلنه فتكفي القبلات وادعاء السماح والاستعباط، هم يسوقون لنا أن يكون الدين بمثابة الهواية الشخصية، تمارس شعائره حسب وقت الفراغ والمزاج الشخصي، أو كاحتفالية اجتماعية، وبعضنا يصدقهم، وإذا بنا نفاجأ أنهم هم أنفسهم يعملون عكس ذلك تماما، ويقسمون العالم إلى محور الشر ومحور الخير، ويحتكرون خير الدنيا، وجنات الآخرة، سرا وعلانية، وهم في نفس الوقت يتسوقون أصوات الانتخابات من دور العبادة. قل لي يا عمر: من الذي يحكم أمريكا اليوم؟ قال: عمنا دبليو بوش. قلت: يا عمر هذا ممثل خائب، لا يصلح كومبارسا، الذي يحكم أمريكا هو اليمين الأصولي المتعصب دينيا ومن ورائه تحالفات المال والغطرسة، إنهم يثبتون بشكل راسخ كل ما يدعوننا لخلعه. قال: تعني أن دبليو بوش هو عمرو بن العاص الحديث. قلت له: يا ليته يحصل، ثم إني قلت لك أنني أشك في هذه الحكاية أصلا؟ قال:نسيت؟ انتبه عمر إلى بحثه ونظر في الورق وسأل متعجلاجديآخر سؤال: هل يمكن أن يحل تدريس الفلسفة محل تدريس الدين لمعرفة المشترك في الأديان؟
قلت له: فلسفة ماذا يا عمر؟ الفلسفة الحقة تعمّق جذور معرفة الله أساسا، وهي ليست بديلا إذا استعملت من الظاهر. قال: إذن في النهاية ما رأيك? قلت:رأيي أن على كل واحد أن يعرف دينه الذي أنزله الله، لا الذي أصبحوا أوصياء عليه، ولا الذي تصدره السلطات لحسابها، وأن يسمح بمن ليس على دينه أن يفعل مثله، وأن يعلن كل منا موقفه بكل شجاعة، ثم نتعلم كيف نحترم (لا نسامح) بعضنا البعض، ونترك ما بعد ذلك لمن له الأمر من قبل ومن بعد. قال عمر: يا ليت، ولكن كيف؟.
المواد والآراء المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
Copyright @2010 Maganin.com, Established by: Prof.Dr. Wa-il Abou Hendy - , Powered by
GoOnWeb.Com